لم يكن القطاع السياحي بمنأى عن التداعيات الاقتصادية والسياسية التي عصفت بلبنان على مدى السنوات الماضية. فقد أدت الأزمات المتتالية، من انهيار اقتصادي غير مسبوق إلى اضطرابات سياسية وحروب إقليمية، إلى شلّ هذا القطاع الحيوي، الذي لطالما كان يُعتبر ركيزة أساسية في الاقتصاد اللبناني. ومع ذلك، يبقى السؤال المطروح اليوم: هل يمكن للسياحة أن تتجاوز هذه العثرات وتستعيد دورها كقاطرة للنمو الاقتصادي، أم أن التحديات الراهنة ستظل عقبة أمام أي محاولة للنهوض؟
ويواجه قطاع السياحة ظروفاً صعبة لم يشهدها منذ عقود، إذ تعرض لضغوط اقتصادية واجتماعية هائلة جعلته في وضع غير مستقر. فمنذ سنوات، يعاني هذا القطاع من تراجع أعداد السياح نتيجة الأوضاع الأمنية غير المستقرة، إضافة إلى الأزمات المالية التي ضربت لبنان، ما أثر بصورة مباشرة على حركة السياحة الداخلية والخارجية.
ومع دخول لبنان عام 2025، يقف هذا القطاع عند مفترق طرق، حيث يتجاذبه سيناريوهان متناقضان: الأول يتمثل في إمكان إعادة تنشيطه عبر الاصلاحات والاستثمارات، والثاني يكمن في استمرار التراجع والركود إذا ما بقيت التحديات من دون حلول ناجعة.
ويأمل اللبنانيون أن يساهم انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة إصلاحية في إعادة بناء الدولة، وتعزيز الاستقرار السياسي، وهو ما قد ينعكس إيجاباً على القطاع السياحي. فقد أثارت تصريحات الرئيس جوزاف عون آمالاً واسعة في أن يكون خطابه بمثابة خريطة طريق لوضع رؤية اقتصادية واضحة، تعيد لبنان إلى خريطة السياحة الاقليمية والدولية.
هل يمكن بناء اقتصاد مستدام على السياحة؟
لطالما اعتمد الاقتصاد اللبناني بصورة كبيرة على قطاع الخدمات، الذي شكل أكثر من 80% من الناتج المحلي الاجمالي في فترة ما قبل الأزمة. إلا أن هذا النموذج الاقتصادي أثبت هشاشته، خصوصاً في ظل غياب القطاعات الانتاجية الأخرى مثل الصناعة والزراعة، ما أدى إلى زيادة العجز التجاري، والاعتماد المفرط على الاستيراد.
وفي السياق نفسه، شكّل القطاع السياحي ركيزة أساسية في الاقتصاد اللبناني، بحيث بلغت إيراداته عام 2011 نحو 8.78 مليارات دولار، أي ما يعادل 22% من الناتج المحلي الإجمالي. وعلى الرغم من أن السياح الخليجيين لم يكونوا الأكثر عدداً، إلا أنهم كانوا الأكثر إنفاقاً، بحيث بلغت مساهمتهم نحو 33% من إجمالي إنفاق السياح في لبنان، وفقاً لتقرير صادر عن هيئة تشجيع الاستثمار (IDAL) ، ولكن مع التغيرات السياسية والتوترات الأمنية، شهد لبنان تراجعاً حاداً في أعداد السياح العرب، ما أثر سلباً على القطاع.
ومع استمرار الأوضاع الأمنية المتوترة، وخصوصاً الاحتجاجات الشعبية التي أدت إلى إغلاق بعض الطرق الرئيسية، ومن بينها طريق المطار، تزداد التساؤلات حول مدى تأثير ذلك على الموسم السياحي المرتقب.
ويعبّر رئيس اتحاد النقابات السياحية ونقيب أصحاب الفنادق، بيار الأشقر، عن أسفه للأحداث الأخيرة التي تسببت في اضطرابات أمنية وإغلاق طرقات رئيسية، مشيراً إلى أن هذه التطورات قد تؤثر سلباً على الانتعاش السياحي، خصوصاً بعد انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة.
وعلى الرغم من التحديات الراهنة، يرى الأشقر في حديث لـ “لبنان الكبير” أن هناك فرصاً حقيقية لتحقيق نهضة سياحية في لبنان، مستنداً في ذلك إلى الالتزامات التي وردت في خطاب القسم الرئاسي، والتي أكدت ضرورة إعادة تنشيط القطاع السياحي ضمن رؤية تنموية متكاملة.
كما يراهن الأشقر على الزيارات الديبلوماسية التي ينوي الرئيس عون القيام بها، لا سيما إلى دول الخليج، لإعادة العلاقات اللبنانية-الخليجية إلى سابق عهدها، الأمر الذي قد ينعكس إيجاباً على مختلف القطاعات الاقتصادية، وفي مقدمها السياحة.
وفي خطوة استباقية، بدأ العديد من أصحاب الفنادق والمؤسسات السياحية في بيروت والمناطق اللبنانية بإعادة تأهيل منشآته استعداداً لاستقبال السياح العرب والأجانب، وسط تفاؤل مشوب بالحذر إزاء قدرة لبنان على استعادة موقعه كوجهة سياحية بارزة في المنطقة.