Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر February 18, 2020
A A A
من افتتاحية البناء: بعثة الصندوق تبدأ الخميس استشاريّاً… ودياب يغامر منفرداً بهيكلة الدين
الكاتب: البناء

المشهد السوري الذي عكس تماسك وتفوّق محور المقاومة، حمله رئيس مجلس النواب الإيراني علي لاريجاني إلى بيروت بعدما التقى الرئيس السوري بشار الأسد واطلع منه على آخر التطورات السورية سياسياً وعسكرياً، وناقش مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله هذه التطوّرات، وأبرز ما قاله لاريجاني كركن من أركان النظام في الجمهورية الإسلامية في إيران، هو أن الدولة الإيرانيّة مستعدّة لتقديم كل الدعم للحكومة اللبنانية، خصوصاً في مجال التبادل التجاري وما يعنيه من قدرة إيران على شراء المنتوجات الزراعية والصناعية اللبنانية، وبيع المشتقات النفطية والكهرباء للبنان. وعلقت مصادر متابعة على عروض لاريجاني بالقول إن لا مبرر لقلق من عقوبات أميركية على لبنان في حال قام بشراء المشتقات النفطية، خصوصاً الفيول اللازم للكهرباء والبنزين والمازوت، مع تسهيلات بالدفع والأسعار، واستعداد لتأمين حاجة لبنان من الكهرباء عبر خطوط النقل القائمة بين إيران والعراق وسوريا والاستعداد لتطويرها وزيادة قدراتها، فقد سبق وأن منحت واشنطن للعراق استثناء من العقوبات عن شرائه الغاز والكهرباء من إيران ولا يمكنها أن ترفض طلباً لبنانياً مماثلاً في ظل الأوضاع التي يمر بها لبنان، وإلا فعليها أن تؤمن له البدائل عبر حلفائها الخليجيين الذين يرفضون حتى الساعة فتح الباب لرئيس الحكومة حسان دياب، ولم يقُم سفراؤهم بزيارته بعد. ودعت المصادر إلى تقديم لبنان لطلب استثناء للحصول على المشتقات النفطية والكهرباء من إيران مقابل الحصول على عرض بالتأجيل بالسداد لسنة أو سنتين أو أكثر.

لبنانياً، لفتت المراقبين عودة التصعيد إلى الشارع في ظل دعوات متعدّدة تعبّر عن تحوّل الحراك إلى شركة مساهمة، يحوز أصحاب النضال المطلبي النسبة الأقل منها، بينما تسعى القوى السياسية لتوظيف عنوان الحراك لخدمة تظهير حضورها السياسي، خصوصاً من الجانب الشمالي، حيث التنافس على أشدّه بين الرئيس سعد الحريري وخصومه، بينما سجّل أمس دخول التيار الوطني الحر على الخط بالإعلان عن عزمه التظاهر أمام مصرف لبنان احتجاجاً على الأموال المهربة، ومطالبة بكشفها، وتنديداً بالتعامل المصرفي مع المودعين.

على الصعيد المالي، قالت مصادر حكومية إن بعثة صندوق النقد الدولي الاستشارية تصل الأربعاء لتبدأ اجتماعاتها الرسمية صباح الخميس في السراي الحكومي بمشاركة رئيس الحكومة، وحضور شركتين متخصصتين بالشؤون المالية والقانونية لعقود بيع السندات، بهدف مناقشة خطة إعادة جدولة الديون التي تمثلها سندات الخزينة التي يحملها لبنانيون وغير لبنانيين والتي تديرها عملياً شركات لا يزيد عددها عن عدد أصابع اليد الواحدة يترتب على التفاوض معها حسم مصير أغلب الدين العام بكل استحقاقاته، حيث يتطلع رئيس الحكومة للوصول إلى جدولة تتيح للبنان الحصول على سنوات سماح تتراوح بين سنتين وثلاث دون استحقاقات سداد، يتم خلالها إنهاء أزمة الكهرباء من جهة، وتخفيض الفوائد من جهة موازية، ومنح الإصلاحات المالية والاقتصادية فرصة تحقيق أهدافها. وقالت مصادر مالية إن رئيس الحكومة يحمل منفرداً مشروع الهيكلة في ظل معارضة حاكم مصرف لبنان وجمعية المصارف، وسائر دعاة السداد الكامل للمستحقات، وفي ظل انتظار رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي لنتائج مفاوضات دياب والخطة التي سيحملها إلى اجتماع ثانٍ في بعبدا على غرار اجتماع الأسبوع الماضي يقرّ الخطة، وسواء أكانت مرتكزة على الهيكلة أم الدمج بين خيار الهيكلة ودفع بعض المستحقات.

وأشار لاريجاني في مؤتمر صحافي عقده في السفارة الإيرانية في بيروت، الى ان “لبنان يمر بمرحلة حساسة، ونحن نأمل أن تتمكن الحكومة الجديدة برئاسة حسان دياب أن تتخطى الصعوبات كافة، ونحن على كامل استعداد للتعاون مع الحكومة اللبنانية في المجالات كافة”. وقال: “نحن لا نخفي دعمنا للمقاومة، وبحثنا اليوم كل مجالات الدعم للبنان، خلال لقاء المسؤولين، الصناعيّة والاقتصاديّة والزراعيّة”.

وتعليقاً على الزيارة اعتبر وزير الخارجية الأسبق وسفير لبنان السابق في طهران عدنان منصور لـ”البناء” أن “الزيارة أكدت على عمق العلاقة الثنائية بين إيران ولبنان وحجم اهتمام إيران بأوضاع دول المنطقة ودعم أنظمتها الوطنية في العراق وسورية ولبنان وحركات المقاومة في مواجهة المشاريع الأميركية الإسرائيلية والعدوان الإرهابي”.

وتكتسب الزيارة أهمية إضافية، بحسب منصور، لـ”كونها جاءت في ظل الظروف الصعبة التي يواجهها لبنان على المستويات المالية والاقتصادية والأمنية في الشارع”، ودعا لبنان لأن “يتلقف إعلان لاريجاني دعم لبنان لا سيما أن الحكومات الماضية لم تتلقف العروض الإيرانية في العام 2012 في كافة المجالات العلمية لا سيما حل أزمة الكهرباء ومن دون مقابل، لكن الكيديات السياسية لبعض الأطراف الداخليّة حال دون استفادة لبنان منها، الأمر الذي فاقم العجز الكهربائي في الخزينة وراكم الديون”.

وأشارت مصادر مطلعة لـ”البناء” الى أن “استمرار الرهان على الدعم الأميركي والخليجي سيزيد من عمق الأزمة، لأن الغرب ومعظم دول الخليج لم تدعم لبنان حتى الآن، ولن تدعمه من دون شروط مالية واقتصادية كفرض ضرائب جديدة وتقليل مستوى الخدمات وشروط سياسية تتعلق بالعلاقة بين الدولة والمقاومة وعلاقة لبنان بسورية وإيران والنفط والغاز والتوطين. وهذا ما حذر منه السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير. وهذه الشروط لا يمكن للبنان القبول بها. فلماذا تضييع الوقت بالرهان والاعتماد على الدعم الغربي الخليجي؟ هذا الواقع بحسب منصور يجب أن يشكل حافزاً للحكومة الجديدة لطرق أبواب أخرى للمساعدة قبل فوات الأوان”.

وكان لاريجاني استهلّ جولته من بعبدا، حيث استقبله رئيس الجمهورية ونقل المسؤول الإيراني إليه رسالة من نظيره الإيراني حسن روحاني، تناولت العلاقات اللبنانية – الإيرانية وسبل تطويرها وتجديد الدعوة الإيرانية لعون إلى زيارة طهران.

وردّ عون مرحّبا بلاريجاني وحمّله تحياته لنظيره روحاني وتمنياته للشعب الإيراني الصديق بالخير ودوام الاستقرار والنجاح. كما تطرق البحث الى اوضاع النازحين السوريين في لبنان وضرورة عودتهم الى بلادهم، بعدما عاد الاستقرار والامن الى معظم المناطق السورية.

كما التقى لاريجاني في عين التينة رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي قال أمام ضيفه: “في الوحدة قوة ولا خيار أمام اللبنانيين وأمام شعوب المنطقة والأمتين العربية والإسلامية سوى الاحتكام الى منطق الوحدة والتلاقي والحوار”. كما التقى رئيس الحكومة حسان دياب. واستعرض مع السيد حسن نصر الله في حضور السفير الإيراني محمد جلال فيروز نيا، آخر الأوضاع في المنطقة، والتطورات الجارية وسبل مواجهة التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية.

في غضون ذلك، بقيت الهموم الاقتصادية والمالية والمعيشية محل اهتمام اللبنانيين، وسط ترقب وحذر إزاء تعامل لبنان مع استحقاق الديون المستحقة في آذار المقبل، وسط معلومات عن وصول وفد من صندوق النقد الدولي الى بيروت مساء اليوم على أن يبدأ اجتماعاته مع المسؤولين اللبنانيين الخميس المقبل.

وتكثّفت الاجتماعات في السراي الحكومي قبيل وصول الوفد، في محاولة للتوصل الى رؤية واضحة وموحّدة لملف الديون، واجتمع دياب بعيداً عن الإعلام مع وفد البنك الدولي، ولفتت المعلومات الى أن “الاجتماعات المالية أمس، دارت حول موضوع ​الكهرباء​ وموضوع المخصّصات المالية، حيث ناقش وفد البنك الدولي ​خطة الكهرباء​ التي أدرجت في ​البيان الوزاري​ مع وزير ​الطاقة​ ريمون عجر»، واشارت المعلومات الى ضرورة وقف الهدر في ملف الكهرباء واعتماد معالجة دقيقة لهذا الملف، وخطة سريعة، ومعرفة كيفية الخروج من هذه ​الأزمة​ بالحلول الفضلى.

وقالت كريستالينا جورجيفا مديرة صندوق النقد الدولي، إن لبنان بحاجة لإصلاحات هيكلية عاجلة وعميقة. وأضافت أن الصندوق سيرسل فريقاً فنياً صغيراً «ليعطي توصية تشخيصية بخصوص ما يمكن اتخاذه من إجراءات»، لكن اتخاذ القرارات بيد لبنان.

وعلى الرغم من أن دور صندوق النقد يقتصر على المشورة التقنية إلا أن المخاوف تتزايد مما يُخفيه من شروط وطلبات في اطار الاستشارة، وما اذا كان ذلك مقدمة لطلب الدعم المالي. ورأت أوساط مطلعة لـ«البناء» الى أن «وصفات صندوق النقد الدولي هي تمهيد لاستدراج لبنان للرضوخ لشرط الصندوق مقابل شروط سياسية ومالية».

إلا أن مصادر نيابية في كتلة التنمية والتحرير​ اوضحت لـ«البناء أن ​«الحكومة​ أمام خيارات عدة بشأن استحقاق اليوروبوندز منها الدفع المنظم أي التفاهم مع الجهات الدائنة حول إعادة البرمجة، او الدفع وفق المواعيد المحددة سابقاً»، لافتة الى أن «صندوق النقد​ سيقدّم اقتراحاً، وبناء عليه ستتخذ الحكومة القرار المناسب، الذي يحمي البلد، دون ان يعني ذلك الالتزام بما سيقوله الصندوق».

وشددت على ان «بيع سندات اليوروبوندز تشبه عملية الاحتيال، وهذا ما يجب التوقف عنده بجدية ومسؤولية». مضيفة أنه «لا يمكن معالجة ملف الديون وإن اختار لبنان إعادة جدولة الدين دون معالجة ملف الكهرباء الذي يرتّب على الخزينة 2 مليار دولار سنوياً».

وفيما يستمر حاكم البنك المركزي على موقفه بضرورة سداد الديون مدعوماً من جمعية المصارف واعتماد سياسة التهويل والتخويف بالإفلاس والانهيار إذا تخلّف لبنان عن السداد مقابل التوجّه الرئاسي والحكومي لتجميد السداد والبحث عن بديل، عادت التحركات الاحتجاجية الى الواجهة ضد سياسات المصرف، والبارز إعلان التيار الوطني الحر النزول الى الشارع والتظاهر أمام المصرف المركزي في الحمرا الخميس المقبل، رفضاً لسياسة سلامة المشبوهة والمطالبة باستعادة الأموال المنهوبة والمحوّلة الى الخارج، وشهدت باحة المصرف أمس تظاهرة حاشدة جابت شارع الحمرا الرئيسي بمواكبة أمنية رفضاً لسياسات سلامة ولم يسجل أي اشتباك مع القوى الأمنية.

وفيما سجّل سعر صرف الدولار أمس، رقماً قياسياً منذ بداية الأزمة حيث بلغ 2400 ليرة لبنانية للشراء والبيع وسط صمت حاكم المصرف المركزي وجمعية المصارف، عادت أزمة المحروقات الى الواجهة مع إعلان نقيب أصحاب المحطات سامي البركس اللجوء الى إعلان الإضراب أو التسعير يوم الجمعة إن لم يأخذ مجلس الوزراء قراراً في جلسته الخميس المقبل.