Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر July 26, 2016
A A A
من أنشاص إلى نواكشوط: 70 سنة من الهزال العربي
الكاتب: السفير

أقصر القمم العربية وأكثرها بعداً جغرافياً. وكأن التاريخ يعيد نفسه. كلما اجتمعوا انتكسنا. وكلما أصدروا بيانا أو تبنوا إعلانا من عاصمة عربية، انهالت على أمتنا الويلات. وكلما قالوا بتحرير فلسطين، كلما بادروا الى معاهدات صلح وتفاوض. وكلما قالوا اجنح الى السلم، كلما ابتلع العدو المزيد من أرضنا وحقوقنا.

لاءات موريتانيا الثلاث: لا قمة ولا قرارات ولا عمل
وهكذا وصلت القمم العربية الى حضيضها السياسي والشعبي المطلق. من مؤتمر قمة انشاص في العام 1946 في محاولة اولى لإنقاذ فلسطين، ثم في بيروت في العام 1956 بعد العدوان الثلاثي، وصولا الى قمة القاهرة في العام 1964 التي قررت تكليف أحمد الشقيري إعداد الشعب الفلسطيني لمواجهة الاحتلال، ثم قمة الاسكندرية من بعدها لتحرير فلسطين عاجلا أو آجلا وتأييد تأسييس منظمة التحرير الفلسطينية وجيش التحرير الفلسطيني ومؤتمر «لاءات الخرطوم» في العام 1967. وما تلى هذه القمم لم يكن أحسن حالا، فمن انهيار الى آخر، ومن مساومة الى تنازل، والى مبادرات عربية متتالية تقابلها اسرائيل بمزيد من الدم والاحتلال. وصرنا الآن «ننفتح» على العدو بالتنسيق الأمني والسياسي والأكاديمي ونأمل استضافتهم في عواصمنا .. وآخرها الرياض!

مشكورة موريتانيا أن بادرت الى تلقف المهمة المفاجئة التي ألقيت على عاتقها لاستضافة القمة، وهي بالتأكيد، كما استشعرت طويلا غياب العرب عنها، استشعرت بفداحة النيران التي تلتهم المشهد العربي في صورته الواسعة، ولا تلام بالتالي على هزالة الاجتماع ولا مقرراته البائسة، وغالبية الدول العربية ساقطة في متاهات الأمن والانقسام والعوز.. أو العمالة، حتى لتبدو قمة انشاص قبل 70 سنة صورة زاهية عن حال العرب وقوتهم!
ولهذا، ربما تكون القمة العربية الأولى والأخيرة التي تستضيفها موريتانيا التي لم يمض على انضمامها للجامعة العربية أكثر من ثلاثة وأربعين عاما.

تطرح قمة نواكشوط، بعد قرار المغرب عدم استضافتها، أسئلة كثيرة، منها أن القمة صارت عبئا على العرب الذين اعتادوا الهرب في خضم التحديات، فكيف الحال وهم في لحظة يجمعون فيها على أولوية مواجهة تحدي الإرهاب المركزي، لكنْ «كل على ليلاه»، خصوصا عندما تختلط الحسابات بالأحقاد وعندما تتبدل فجأة هوية «العدو»، فيصبح «الإيراني» أكثر خطرا من «الاسرائيلي»، وعندما تصبح قضية فلسطين مجرد شماعة، بينما تهرول دولة تلو دولة للتطبيع مع العدو!

وبمعزل عن بيان ختامي كتبه أهل الخليج في ديوانياتهم، قبل وصولهم الى موريتانيا، و «إعلان» صار شبه تقليد ليس بمضمونه المكرر بل في عدم اقتران القول بالفعل عربيا، وبمعزل عن خطابات بدت مملة وممجوجة، فإن القمة بدت وكأنها مسروقة، شكلا ومضمونا، بدليل أن من حضر من قادة العرب، كأميري قطر والكويت، وغيرهما من ممثلي الدول، أعطوا الأوامر بعدم إطفاء محركات طائراتهم، فكان أن ألقوا كلماتهم وشاركوا في التقاط الصورة الرسمية وعادوا من خيمة القمة الى المطار مباشرة.

وهكذا، لم يكن منتظرا إلا أن تكون النتائج هزيلة لقمة الساعات السبع المبتورة الحضور والمناقشات برغم الجهد الجبار الذي بذلته موريتانيا لعقد القمة العربية السابعة والعشرين على أراضيها، بعد اعتذار المغاربة لأنهم لا يريدون أن يكونوا شهود زور «على توصيات عادية وإلقاء خطب تعطي الانطباع الخاطئ بالوحدة والتضامن العربي»!

شارك في القمة سبعة زعماء ورؤساء (الكويت وقطر واليمن وموريتانيا والسودان وجيبوتي وجزر القمر) وستة من رؤساء الحكومات ونواب الرؤساء، فيما تمثل باقي الدول بوزراء الخارجية، وانعقدت في خيمة بلاستيكية كبيرة قرب قصر المؤتمرات الذي لم ينته العمل به بعد، وفي ظروف بالغة التعبير كانقطاع الكهرباء والانترنت وتعذر الاتصالات وانقطاعها، فيما كانت البلاد تشهد مطرا صيفيا وحوادث معبرة على هامش القمة مثل إصابة أحد الوزراء العرب بنوبة قلبية مفاجئة.

المشاركون في الدورة الـ27 للقمة العربية في نواكشوط أمس (أ ب أ)

غاب أكثر الزعماء العرب تأثيرا في سير المناقشات واتخاذ القرارات، بمن فيهم الرئيس السابق للقمة عبد الفتاح السيسي الذي لم يكلف نفسه عناء تسليم الراية لنظيره الموريتاني محمد ولد عبد العزيز الذي ألقى كلمة افتتاحية أعلن فيها استنكار بلاده للتدخلات الخارجية في الشؤون العربية. أما حضور الرئيس السوداني وأمير الكويت وأمير قطر والرئيس اليمني المختلف على شرعيته، فقد كان من باب اللياقة ومحاولة إثبات الحضور لا أكثر ولا أقل. أما الغائب الأكبر، فكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مع أن الموضوع الأساس للقمة، هو القضية الفلسطينية!
حتى أن الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون نأى بنفسه عن قضايا العرب وغاب عن القمة التي دُعي إلى حضورها وكلّف ممثله في اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد تمثيله وإلقاء كلمة عنه.

ولم تكن «قمة الأمل» بمستوى عنوانها، لا بل إن الأمل تراجع الى حد كبير في تحقيق ولو خطوة نوعية واحدة باتجاه وقف حمامات الدم السائلة في أكثر من بلد عربي، ووقف حالات الانقسام والتفتت وتدمير الذات العربية.

وحده أمير الكويت المخضرم أضفى بحضوره على القمة تأثيرا لكنه بدا مشوبا بعجز بلده عن إنجاز المصالحة اليمنية وتقديم مبادرات في باقي الاتجاهات العربية والاقليمية. لكن الجو العربي الضاغط، ووجود أمين عام جديد للجامعة (أحمد أبو الغيط) مكبّل اليدين، لم يؤد إلى ما ينتظره الشارع العربي، برغم أن كلمته في افتتاح أعمال القمة أكدت وجوب التغيير الجذري في بنيان الجامعة العربية.

وعلى جاري العادة، فإن ما كتبه وزراء الخارجية العرب قبل سنة ونيف في قمة القاهرة هو ذاته ما كُتب في اجتماعاتهم التمهيدية للقمة في نواكشوط، وهو ما ضغطوا لتضمينه في القمة الإسلامية التي عقدت في اسطنبول قبل أشهر، وهو نفسه ما عبّر عنه البيان الختامي للقمة، بما يؤكد «استيطان» حالة الانقسام ربطاً بالتطورات الإقليمية المتسارعة والخطيرة في آن معا.