Beirut weather 17.99 ° C
تاريخ النشر March 15, 2022
A A A
منطق ″رجل الدولة″ يتقدم على رغبة الترشيح!
الكاتب: غسان ريفي - سفير الشمال

في العام 2000 دخل الرئيس نجيب ميقاتي الندوة البرلمانية للمرة الأولى بعدما كان أمضى سنتين وزيرا للأشغال العامة والنقل، ومع قدوم إستحقاق عام 2005، شكل حكومته الأولى التي أخذت على عاتقها إجراء الانتخابات النيابية التي نقلت لبنان من ضفة التوتر والانهيار الناتجين عن إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الى ضفة الاستقرار والانتظام السياسي.

يومها آثر الرئيس ميقاتي عدم الترشح للانتخابات النيابية بالرغم من القوة الشعبية الكبيرة التي كان يتمتع بها في طرابلس، وذلك حرصا منه على الشفافية والحيادية في الانتخابات التي جرت وكانت موضع إشادة دولية وعربية ومحلية بديمقراطيتها ونزاهتها، وحينها خسر ميقاتي مقعدا نيابيا وربح ثقة المجتمع الدولي.

في العام 2009 عندما أصبح الرئيس ميقاتي خارج الحكم خاض المعركة الانتخابية، وأعاد الكرّة في إنتخابات العام 2018 عندما خاض معركة ضد رئيس الحكومة آنذاك سعد الحريري، وحقق فوزا حصل من خلاله على أربعة نواب في طرابلس.

بالأمس، تغلب منطق رجل الدولة على رغبة الترشيح للانتخابات النيابية، وبدا واضحا أن نجيب ميقاتي لم يبدل قناعاته وظل متمسكا بمبدأ ضرورة حيادية رئيس الحكومة ليكون على مسافة واحدة من الجميع، ويستطيع الاشراف على الانتخابات وقيادتها وإدارتها بشفافية مطلقة بما يساهم في إعادة ثقة المجتمع الدولي بلبنان.

لم يلتفت الرئيس ميقاتي لأية إغراءات ونصائح، لجهة أن الساحة السياسية فارغة بعد إعتكاف الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل، وأن الطريق معبدة نحو زعامة السنة من خلال كتلة وازنة في مجلس النواب، وأن المنافسة شبه معدومة في أكثرية الدوائر، وأن الامكانات المالية واللوجستية والبشرية والشعبية متوفرة وقادرة على حصد أكبر عدد من المقاعد النيابية، بل قرر الانتصار على كل ذلك وعلى نفسه، ليقدم نموذجا مختلفا من “الزعامة السياسية” التي لا تتوسل النيابة طريقا لها، بل تترسخ من خلال العمل الوطني الانقاذي وإنجاز الاستحقاقات الدستورية التي تعيد تكوين السلطة السياسية بديمقراطية وشفافية.

يدرك الرئيس ميقاتي أن المرحلة المقبلة ستكون صعبة للغاية سواء على الصعيد السياسي في ظل محاولات إعادة إحياء قوى 8 و14 آذار وترجمتها في مجلس النواب، أو على الصعيد المالي والاقتصادي والاجتماعي، أو على صعيد أزمات المنطقة وتداعياتها على لبنان، لذلك وجد أن المصلحة الوطنية تقتضي تشكيل خيار ثالث “وسطي” بعيدا عن تلك الاصطفافات التي يبدو أن المنضوين فيها لم يتعلموا من التجارب الماضية التي جرّت الويلات على لبنان، وبالتالي التفرغ للعمل الحكومي الذي تقع على عاتقه مهمات كثيرة، ولادارة العملية الانتخابية التي تحتاج في ظل هذه الظروف الصعبة الى جهود مضنية لاتمامها.

لا شك في أن عزوف الرئيس ميقاتي عن الترشح، سيجعل إنتخابات طرابلس ـ الضنية ـ المنية من دون نكهة سياسية، خصوصا أن غياب ميقاتي وقبله تيار المستقبل من شأنه أن يفرّغ الاستحقاق الانتخابي في المدينة من العنوان السياسي والمحتوى التنافسي والمشاركة الشعبية، وسيضاعف من حجم الاحباط المسيطر على الناخبين، حيث لا يختلف إثنان أن ثمة صعوبة بالغة من قبل المرشحين في سدّ الفراغ الهائل الذي قد تعيشه طرابلس في هذا الاستحقاق، خصوصا أنه لم يسبق لها أن شهدت مثله في تاريخها السياسي القديم وكذلك الحديث.

وفي هذا الاطار يخشى بعض المراقبين من أن يكون غياب التمثيل السني الوازن في البرلمان مؤشر لأزمة عميقة مقبلة قد يصعب التكهن بتداعياتها، لأن غياب السنة بهذا الشكل ليس مسألة عابرة بل سيؤدي الى مأزق لبناني فعلي، خصوصا إذا ما شعرت الطائفة ـ الأمة بأنها أصبحت مستضعفة في لبنان من خلال تمثيلها الضعيف أمام تمثيل الطوائف الأخرى بصقور سياسية، ما قد يؤسس لصراعات ونزاعات قد لا يُحمد عقباها.