Beirut weather 14.41 ° C
تاريخ النشر January 6, 2025
A A A
مناورات الرئاسة.. الخارج في دوامة الأسماء والداخل “يمانع” بالانتخاب
الكاتب: منير الربيع

كتب منير الربيع في “المدن”:
في العام 1970 انتُخب الرئيس سليمان فرنجيه رئيساً للجمهورية بفارق صوت واحد أو بالمعنى الدستوري الأوحد بفارق نصف صوت، لأن المجلس النيابي يومها كان مؤلفاً من 99 نائباً، حاز فرنجيه على 50 صوتاً مقابل 49 لم يصوتوا له. فلو كان عدد نواب المجلس 100 نائب لكان يفترض بفرنجيه أن ينال 51 صوتاً لتتكرس الأكثرية المطلقة. أما ما جرى فقد نتج عنه سجال دستوري بأن نصف الصوت لا يعتبر صوتاً كاملاً، لتتدخل المرجعيات الدستورية في حينها وتحسم الرئاسة لصالحه.

توصيف سيكولوجي
مناسبة هذا الكلام اليوم، الإشارة إلى أن استحقاق 1970 شهد معركة انتخابية رئاسية فعلية، ولم يكن الاسم محسوماً بفعل توافق دولي إقليمي، والدليل هو الصوت الوحيد الذي وفر الفوز لفرنجيه. يمكن لجلسة 9 كانون الثاني أن تشهد مساراً مشابهاً، لا سيما في حال استمرت المناورات اللبنانية بين الأفرقاء الذين يجيدون إضمار مواقف لا يعلنون عنها.

في توصيف سيكولوجي للساسة اللبنانيين، يمكن تسجيل ثلاثة أنماط تتصل بالتفكير، الفعل والقول. فما يفكر به الساسة لا يتطابق مع ما يقولونه أو يفعلونه. وما يفعلونه لا يتطابق مع ما يقولونه ويفكرون به. وما يفعلونه لا يتطابق مع ما يقولونه ويفكرون به. وهذه جدلية لبنانية لا تنتهي وتتفاعل أكثر في مثل أكثر اللحظات حراجة، عند الوصول إلى الاستحقاق الجدي. هنا تتضارب آليات التفكير مع الأفعال والأقوال. لذلك يغرق الجميع في مناوراتهم. يستندون على أن ما يمكن أن ينتجوه سيتعاطى معه الخارج بواقعية. ويستندون على محاضر جلسات مديدة عقدت بينهم وبين شخصيات ديبلوماسية معنية بالملف اللبناني، على قاعدة “عدم التدخل بالأسماء” ومساعدة اللبنانيين على انتخاب من يتجلى التوافق حوله. ليصطدم المسؤولون ببعض المتغيرات، بين جهة خارجية تزكي مرشحاً على حساب الآخر.
صورتان..

ينقسم اللبنانيون في تقييم المواقف الدولية، علماً أن الاهتمام بالملف الرئاسي قد انحصر بمجموعة الخماسية المعنية بلبنان. هنا تبرز صورتان. الأولى، تشير إلى ما يعلنه سفراء الخماسية حول التطابق في وجهات النظر. والثانية، وهي أكثر واقعية، تشير إلى التضارب في الرؤى والمقاربات. إذ يظهر أن كل دولة لديها المرشح الذي تفضله. ففرنسا التي أعطت إشارات إيجابية بأنها تتماهى مع دول أخرى حول ترشيح قائد الجيش جوزيف عون، سارعت إلى إيفاد مرشحها العلني والمضمر في آن، سمير عساف، ليجول على المسؤولين ويسعى إلى تحسين ظروفه. السعودية لديها مرشح جرى الإعلان عنه بوضوح خلال زيارة الموفد يزيد بن فرحان، وهو قائد الجيش جوزيف عون. ولكن ضمناً تفكر أيضاً بخيار آخر، والذي قد يكون الأفضل بالنسبة إليها، وهو جهاد أزعور. قطر تعلن أنها على تماه مع الخماسية، وهي التي كان أول من رحب بترشيح قائد الجيش جوزيف عون، وأبلغت الجميع بأنها على انسجام تام مع الخماسية في التوافق على اسمه. لكن بواقعية، ثمة قراءة تفيد بأن التوافق حول اسم قائد الجيش قد يكون متعذراً، لا سيما في ظل عدم حماسة الثنائي الشيعي والثنائي المسيحي له، فيتم طرح اسم بديل جرى التداول به طوال الفترة الماضية وإلى اليوم، وهو مدير عام الأمن العام الياس البيسري. الولايات المتحدة الأميركية تقول إنها لا تضع فيتو على أي مرشح، لكن ما يتسرب من معلومات يشير إلى تفضيلها لخيار قائد الجيش أيضاً.

مناورات جعجع وحزب الله

كل هذه الوقائع تفرض على اللبنانيين القيام بالمزيد من المناورات. فرئيس حزب القوات اللبنانية لا يؤيد أو لا يفضل وصول قائد الجيش جوزيف عون للرئاسة، لا سيما أن الأخير لم يتعاط بجدية مع القوات، ويسعى إلى تأسيس حزب مسيحي يطلق عليه اسم “حزب الجمهورية”، يسعى من خلاله إلى استقطاب كل النواب المنشقين عن التيار الوطني الحرّ. وهذا ما لا يمكن لجعجع أن يرتضيه. يناور جعجع في رمي كرة عدم الموافقة على وصول عون إلى الرئاسة لدى الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحرّ. في المقابل، يخرج رئيس وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا ليعلن أن حزب الله ليس لديه أي فيتو على اسم قائد الجيش، ولكن الحزب يؤكد أنه لن ينفصل في هذه الانتخابات عن رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وأن هناك حرصاً على إثبات الموقف الشيعي الموحد. وطالما أن برّي لا يؤيد خيار عون فإن الحزب يلتزم بذلك.
هوكشتاين والسعودية

ستستمر هذه المناورات حتى الدخول إلى القاعة العامة يوم جلسة الانتخاب، وستستمر خلال الجلسة وما بعدها، لا سيما أن رئيس المجلس طلب إغلاق أبواب المجلس لعدم خروج النواب، وجهز طلبات الطعام لمكوث النواب لأطول فترة ممكنة لانتخاب الرئيس. وهنا ستشتعل لعبة لبنانية تقليدية في عرض الأصوات على مسارح وبازارات كثيرة. وهي عادة لبنانية مورست كثيراً في السابق، ومن خلالها يمكن توفير الأصوات اللازمة لفوز أحد المرشحين. مناسبة العودة بالذاكرة إلى استحقاق 1970، تتصل بالمساعي لتوفير الأصوات اللازمة لانتخاب أحد المرشحين الذي يحتاج إلى 86 صوتاً، مع ما سينجم عن ذلك من سجالات حول الحاجة إلى تعديل الدستور أو تعديل القانون لمرشح آخر.. لا سيما أن اللبنانيين ينتظرون المزيد من الضغوط التي سيمارسها المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين. ومعلومات أخرى تفيد بأن وفداً سعودياً ثانياً سيزور لبنان في الأيام المقبلة. إنها المناورات التي قد تنتج رئيساً، وإن لم يرغب كثر في انتخابه أو في انتخاب بديله.