Beirut weather 17.43 ° C
تاريخ النشر December 13, 2025
A A A
مناخ الحرب بدلاً من الحرب
الكاتب: ناصر قنديل

كتب ناصر قنديل في “البناء”:

في أوكرانيا وحدها لا زالت تدور حرب كاملة المواصفات، حيث القصف البري والجوي التدميري يتصاعد، والصواريخ والطائرات المسيّرة تعبر خطوط التماس بالاتجاهين، والقوات البرية بواسطة وحدات المشاة والمدرعات تتقابل وجهاً لوجه، ويسقط الجنود قتلى وجرحى وأسرى في جبهات القتال الممتدة على طول مئات الكيلومترات، ويعيش المدنيون المقيمون في مناطق القتال وبالقرب منها ظروفاً شديدة الخطورة، ويدفع كثير منهم أرواحهم ثمناً لذلك، ويرفع الطرفان المتحاربان شعارات وأهدافاً تنسجم مع حقيقة ما يسعى كل منهم إلى تحقيقه، وجوهره السيطرة على الأرض والجغرافيا، بينما توقف هذا النوع من الحرب على جبهتي لبنان وغزة، بعدما خاضت كل من الجبهتين مع جيش الاحتلال حرباً ضروساً لشهور طوال، وكانت التكلفة عالية جداً، وحلّ مكان الحرب مناخ الحرب، المتمثل بالغارات والعمليات النارية المتواصلة بتقطع والتي تترك خلفها خسائر أقل بكثير من الحرب التي كانت تحصد المئات يومياً وتدمر عشرات الأبنية.

تنذر حال التصعيد التي تشهدها المواجهة بين أميركا وفنزويلا باندلاع حرب، بمبادرة أميركية معلنة تربط التصعيد بالسعي لإسقاط النظام الحاكم في فنزويلا، وتقدم مبررات للتصعيد بحرب أميركية على شبكات المخدرات، لتطرح في وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأميركي أسباباً أكثر واقعية تكشف الأهداف الفعلية، وتتصل بسعي واشنطن لإحكام السيطرة على القارة الأميركية كتعويض عن الفشل في استعادة موقع المهيمن على العالم، وتضع الوثيقة الأميركية هدفاً للحد الأدنى المقبول وهو إخراج الصين من أميركا الجنوبية، ولا يخفي الخبراء الأميركيون أهمية النفط الفنزويلي في الحسابات الأميركية الواقفة وراء صيحات الحرب.

السؤال هو هل تذهب واشنطن الى الحرب الكاملة المواصفات، بما فيها من قصف تدميري متواصل يتبعه دخول قوات المشاة والمدرعات الى احتلال فنزويلا والسيطرة عليها وتنصيب حكم موال لواشنطن فيها، أم أنها تكتفي بحال الحرب بدلاً من الحرب نفسها، وحال الحرب أو مناخ الحرب ليس خياراً انتقائياً، بل هو تعبير عن معادلة مختلفة عن المعادلة التي تأخذ صاحبها إلى الحرب، ومعادلة حال الحرب ومناخ الحرب هي معادلة الخوف من التورط في الحرب، ولا حرب تحسم دون حروب البر، وحال الحرب تتفادى حروب البر ولو لجأت الى بعض العمليات البرية الخاصة، وما يجري على جبهتي لبنان وغزة من حال حرب أو مناخ حرب ثمرة فشل الحرب البرية لجيش الاحتلال، وواشنطن خاضت اختبار الحرب البرية في العراق وخاضت اختباراً آخر في أفغانتسان، والحصيلة كانت فشلاً ذريعاً لا يقبل عنتريات دونالد ترامب للقول لو كنت موجوداً لما فشلنا، وهو قال عن اليمن إنه سوف يفتح عليه أبواب جهنم ويجبره على الانكفاء عن إسناد غزة، ثم طلب وقف النار بلا شروط غير الانسحاب الآمن، فيما اليمن كان يواصل إسناد غزة وبقي يفعل ذلك شهوراً بعد الانسحاب الأميركي.

تفادي الحرب البرية المكلفة بأرواح الجنود التي تفتح السجال السياسي الداخلي، وتثير النقاش حول دستورية قرار الحرب، يتلاقي في قرار حال الحرب ومناخ الحرب بدلاً من الحرب نفسها، مع وظيفة تفاوضية للحرب، وتبدو الوظيفة التفاوضية هنا مطروحة بقوة لمناخ الحرب على فنزويلا، سواء ما يتصل بالنفط الفنزويلي الذي تحتاجه المصافي الأميركية، أو ما يتصل بشكل الحكم في فنزويلا والسعي لتسوية بين نظام الرئيس نيكولاس مادورو ومعارضية المدعومين من واشنطن، لكن التفاوض الأهم الذي يتحدث عنه كثير من الخبراء الأميركيين وغير الأميركيين، وهو التفاوض مع الصين، وهؤلاء يقولون إن استحقاق سداد ثلاثة تريليون دولار خلال شهور قليلة قادمة يضغط على إدارة الرئيس ترامب، والمموّلون التقليديون ليست لديهم القدرة على تمويل سندات الخزينة الأميركية بما يحقق وجود هذا المبلغ الضخم في الخزينة قبل حلول الاستحقاق، حيث استنزفت أوروبا قدراتها في شراء النفط الأميركي المرتفع السعر وتمويل الحرب الأوكرانية، بينما يعاني اليابان من ركود كبير، والخليج دفع ما يلزم وهو لا يغطي الزمن الداهم لبرمجته على سنوات قادمة، تناسب تدفقات المال النفطي على خزائن الخليج، ولا يبقى الا الصين صا

الفشل في الحروب يجعل حال الحرب ومناخ الحرب والتلويح بالحرب أفضل بكثير من التورط بخوض الحرب. هذه خلاصة واشنطن، التي تعترف بها “إسرائيل”، لكنها تقوم بتطبيقها.