Beirut weather 18.54 ° C
تاريخ النشر May 20, 2016
A A A
مكافحة الإتجار بالبشر والدعارة… تبدأ من (الزبون)
الكاتب: نهلا ناصر الدين - البلد

يُسجل للدولة اللبنانية اقرار قانون معاقبة الاتجار بالاشخاص رقم (164)، ويسجّل عليها التناقض الصريح بين هذا القانون والقوانين الأخرى التي تهتم بالموضوع نفسه، حاله كحال باقي القوانين التي أقرت بعد العام 2000 والتي لا تزال تعاني (على مستوى التطبيق) من بعض الانفصام عن الواقع. كما وغاب عن الدولة اللبنانية تجريم الزبون الذي يسهم بشكل اساسي في استدامة الاتجار بالبشر والدعارة ويحول كغيره من عناصر الجريمة دون مكافحتها.

انطلاقا من ايمانها بإلغاء الثقافة التسليعية للمرأة، وبالتالي مكافحة الاتجار البشر، عقدت منظمة “كفى عنف واستغلال” ندوة حول “الاتجار بالبشر والدعارة ودور الزبون في استدامتها” بالتعاون مع نقابة المحامين في بيروت. وتضمنت الندوة مداخلات لكل من نقيب المحامين في بيروت ممثلا برئيس محاضرات التدرج الاستاذ زاهر عازوري، والقاضي المنفرد في جب جنين فادي العريضي الذي تطرق الى التحديات امام تطبيق قانون الاتجار بالاشخاص في لبنان (القانون رقم 164/ 2011) ومسؤولة وحدة الاتجار بالنساء في منظمة كفى غادة جبور التي اضاءت على واقع الدعارة في لبنان والترابط بين الاتجار بالبشر والدعارة ودور المشتري والفرق بين المقاربات الثلاث السائدة اليوم في موضوع الدعارة.

وجهان لجريمة واحدة
وشدّدت غادة جبّور، مسؤولة قسم مكافحة الاتجار بالنساء في منظمة “كفى” على اعتبار ان ظاهرة الدعارة والاتجار بالبشر وجهان لجريمة واحدة، واعتبار الاتجار وسيلة لاستغلال النساء جنسيا (الدعارة) وبالتالي جريمة تؤدي للوصول الى جريمة أخرى، بمعنى ان هدف الاتجار هو الدعارة، وذلك للعوامل الكثيرة المتشابهة بين الجريمتين. كالاسباب التي تسهل ظاهرة الدعارة والتي هي نفسها الاسباب التي تسهل الاتجار بالبشر، وتتوزع هذه العوامل المساهمة على عدة مستويات، “مستوى الفرد” اي ان تكون الضحية نفسها تعاني من الفقر او العوز الاقتصادي، او تكون ضحية عنف أسري خلال الطفولة أو شاهدة عليه، أو ضحية عنف جنسي، اغتصاب ، تحرش جنسي، تشرّد، او تنتمي الى الاقليات العرقية، او تعاني من وضع غير قانوني كعدم امتلاك اوراق ثبوتية، او الادمان على المخدرات او الكحول، أو تكون صغيرة السن. وعلى “مستوى العلاقة العائلية الزوجية الثنائية” كفرض السلطة والسيطرة على الضحية وسلب القرار الحر، إجبارها على ممارسة الدعارة من قبل الشريك او الحبيب او الزوج او الام او الاب او القريب، او اجبارها على الزواج. وعلى “مستوى المجتمع” ان تنتمي الضحية لظروف مجتمعية هشة، كتفشي البطالة والفقر على الصعيد الوطني، أو مجتمعات تعاني من الحروب والنزاعات، والنزوح. وانعدام المساواة بين الرجل والمرأة وعدم تأمين الوصول المتساوي الى صناعة القرار والى الفرص والموارد، وثقافة تمييزية ضد المرأة وادوار تقليدية اجتماعية تكرس دونية المراة وتسليعها، اضافة لادوار اجتماعية منسوبة الى الذكور تبرر وتشجع شراء الخدمات الجنسية.

وفي الاطار القانوني للاتجار بالنساء بهدف الاستغلال الجنسي وارتباطه بصناعة الدعارة في لبنان، نرى قانون معاقبة الاتجار بالاشخاص رقم (164 2011)، الذي يعرف الاتجار بالاشخاص على أنه جريمة لها ثلاثة عناصر اساسية يوضحها كالتالي:
1-اجتذاب شخص او نقله او استقباله او احتجازه او ايجاد مأوى له (الفعل).
2-بواسطة التهديد بالقوة او استعمالها، او الاختطاف او الخداع، او استغلال السلطة او استغلال حالة الضعف، او اعطاء او تلقي مبالغ مالية، او استعمال هذه الوسائل على من له سلطة على شخص آخر (الواسطة).
3-بهدف استغلال او تسهيل استغلاله من الغير (الهدف).
ويشترط القانون وجود عناصر الجريمة الثلاثة معاً لتكن الجريمة قائمة، والايجابي به انه يعتبر المرأة “المُستغلة” ضحية حتى لو مارست الدعارة بموافقتها، ويعتبرها ضحية سواء تمت معرفة المُتاجر بها ام لا. ومن ايجابياته ايضاً الغرامة العالية الكلفة التي يفرضها على المجرم، فالاتجار بالاشخاص جناية تتراوح عقوبتها بالحبس من 5 سنوات الى 15 سنة، وغرامة مالية تتراوح من 100 ضعف الحد الادنى الرسمي للاجور الى 600 ضعف.
أهداف القانون
وتتلخص الاهداف من اقرار القانون 164 2011 المتعلق بمعاقبة جريمة الاتجار بالاشخاص بإيجاد نص جزائي يجرم ويعاقب جريمة الاتجار بالاشخاص على النحو الرادع، يحد من تفاقمها وانتشارها وازديادها باعتبارها غالبا ما تكون من الجرائم المنظمة العابرة للحدود، حماية ضحايا الاتجار ومساعدتهم مع احترام حقوقهم الانسانية كافة لاسيما النساء والاطفال والتشديد على تصنيفهم كضحايا لا مجرمين او مرتكبين ما لم يثبت قانونا انهم قد ارتكبوا جرم الاتجار بالاشخاص، ايجاد نصوص تشريعية واتخاذ آلية تدابير تعليمية او اجتماعية او ثقافية بهدف صد الطلب الذي يحفزجميع اشكال استغلال الاشخاص بخاصة النساء والاطفال، تجريم شراء الجنس والخدمات الجنسية والاعلام عن هذه الامور والترغيب بها والحث عليها، على اعتبار أن “السبب الجذري لوجود الدعارة والاتجار بالاشخاص بهدف الاستغلال الجنسي هو (الطلب) كون الدعارة نظاما يشمل ثلاثة اطراف هم مشترو الخدمات الجنسية، مقدمو الخدمات الجنسية، القوادون او المستغلون ومختلف اطراف صناعة الجنس”.

تناقض صريح
ويسجل على هذا القانون أنه عقابي وليس حمائيا ووقائيا، فـ” مسؤولية الحماية لطالما كانت ولا تزال تقع على الجمعيات المعنية وليس على الدولة”، اضافة الى انه يضع على الضحية عبء الاثبات أنها ضحية. وهو في تناقض صريح وواضح مع قانون البغاء لحماية الصحة العامة (العام 1931) “الذي ينطق بعزل الاشخاص الذين يعملون بالدعارة في مكان معين” ومات هذا القانون عمليا بعد ان نسفت الحرب كل بيوت الدعارة الشرعية، وامتنعت الدولة عن اعطاء أي تصاريح جديدة للدعارة بعد العام 1977، الا ان هذا القانون فعلياً لا يزال موجوداً ما بين القوانين اللبنانية. فـ”كان يجب على القانون 164 أن يلغي ما قبله من قوانين تناقضه”. كما ويتناقض القانون مع المادة 523 التي “تطبق في كل القضايا الخاصة بالدعارة، وهي تساوي ما بين المُستغِل والمُستغَل”، ومع نظام الفنانات (الامن العام) ونظام النادلات (الامن الداخلي)، الذي يقوم خلالهما أصحاب المقاهي باستقطاب فنانات ونادلات من جنسيات عربية واجنبية، وتوقع الفتيات بعد مجيئهن على عقود توقعهن تحت الدين، ليصبح وجودهن في لبنان لتسديد الدين الذي لا خيار لديهن الا ان يقبلن بالاستغلال الجنسي لتسديد الدين خلال فترة العقد التي تكون لمدة لا تتجاوز الـ6 اشهر، كونهن لا يستطعن تقديم اي شكوى ضد المستغلين لأن القانون اللبناني يجرم الدعارة بالمادة 523 منه.

يُسجل للدولة اللبنانية اقرار قانون معاقبة الاتجار بالاشخاص رقم (164)،

توصيات
وكان من التوصيات التي ركز عليها المتحدثون تعديل اي نصوص تشريعية او تنظيمية قد تُفسر على نحو يتيح استغلال الاشخاص والاتجار بهم او يمكّن المتاجرون من الدفع امام الجهات القضائية بمشروعية افعالهم، تعديل قانون الاتجار بالبشر وإعفاء الضحية من عبء الاثبات أنها ضحية، تعديل كل القوانين التي تتناول الاتجار بالبشر وضمّها للقانون 164 مع التشديد على عدم تجريم الضحايا، وتفعيل حمايتهم، وإلغاء كلمة “ارغام” الواردة في تعريف الاستغلال في نص المادة 586 (1- عقوبات) لكونها تتعارض مع المادة 3 من بروتوكول منع وقمع معاقبة الاتجار بالاشخاص الدولي المكمل لاتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والمصادق عليه في لبنان بموجب القانون 682 2005، لأنه يتقدم في التطبيق على ما يعارضه من احكام القانون اللبناني، وتجريم الشاري (الزبون) من أجل مكافحة الاتجار بالبشر والدعارة انطلاقا من دوره الاساسي في استدامتها.

المقاربات المعتمدة
وتم عرض أبرز التوجّهات العالمية لمقاربة مسألتَي الاتجار والدعارة، عالمياً، التي تتمحور حول ثلاث مقاربات، وهي:
1-المقاربة الحظرية التي تقول بأن الدعارة شرّ وتحظرها.
2-المقاربة التنظيمية التي تقول بأن الدعارة مهنة فتلجأ لتنظيمها وتشريعها، او تقول بأن الدعارة شر لا بد منه فتلجأ لتنظيمها بطريقة غير مباشرة عبر أسماء معينة، وهذا ما يحصل في لبنان، تحت عنوان “نظام الفنانات والنادلات” وهي مقاربة سلبية بشقيها، تشرّع بشكل مباشر او غير مباشر الاستغلال، وتسهّل عمل المستغلّين.
3-المقاربة الإلغائية وهي “الأنجع” في التخفيف من الدعارة والاستغلال، وتقول بأن الدعارة هي عنف ولا يمكن ان تؤسس لعلاقة مساواة مهما كان النظام، وهي تقوم على تجريم الصناعة والمشتري ولا تجرم الضحية.
وكانت مداخلة للمدير التنفيذي للتحالف العالمي لالغاء الدعارة ودعم الضحايا وتجريم المتاجرين والمشترين، وهو قانون يعتمد المقاربة الالغائية للدعارة التي تؤمن منظمة كفى بأنها الاجدى في مكافحة صناعتي الدعارة والاتجار العنفيتين تجاه النساء. وفي ختام الندوة تم عرض فيلم كفى الوثائقي “أقدم عنف” الذي يلقي الضوء على واقع الدعارة في لبنان من خلال شهادات حقيقية.