Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر September 11, 2022
A A A
مع انكماش دورة المال العالمي.. كيف يمكن للاقتصادات الناشئة حماية نفسها من تبعات صعود الدولار؟
الكاتب: عربي بوست

ترتفع قيمة الدولار الأميركي حالياً، مدفوعةً برفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة من أجل تحديد التضخم، وتراجع شهية المخاطرة لدى المستثمرين. مما قد يُسبب حالة ركود في العديد من الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، وفقاً لورقةٍ بحثية جرى نقاشها في مؤتمر دورية Brookings Papers on Economic Activity العلمية في 9 سبتمبر/أيلول 2022.

وكتب مؤلفا الورقة، موريس أوبستفيلد، من جامعة كاليفورنيا بيركلي، وهوانان تشو، من جامعة برينستون: “ازدادت قوة الدولار بشدة منذ منتصف عام 2021، ونشهد حالياً مرحلةً انكماشية في دورة المال العالمية”.

 

 

الآثار العكسية لازدياد قوة الدولار
تحمل الورقة البحثية اسم “دورة الدولار العالمية”، وتستخدم نموذجاً إحصائياً لتتبع المتغيرات في 26 من الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، وذلك بغرض توثيق الطريقة التي تؤدي بها صدمات ارتفاع الدولار إلى حدوث الانكماشات الاقتصادية، والتي أصبحت سمةً للاقتصاد العالمي منذ أوائل السبعينيات بعد انهيار اتفاقية بريتون وودز لتثبيت أسعار الصرف.

وبحسب معهد Brookings الأميركي، تشير نتائج الورقة إلى السياسات التي يمكن للدول تطبيقها من أجل تخفيف الآثار العكسية لازدياد قوة الدولار.

أدت زيادة ديون القطاعين العام والخاص، إبان جائحة كوفيد-19، إلى ترك الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية عُرضةً للخطر على نحوٍ خاص بسبب ارتفاع الدولار الآن، وفقاً لمؤلفي الورقة. حيث تحصل غالبية هذه الدول على قروض كبيرة بالدولار، مما يعني أن زيادة قوة الدولار تزيد من أعباء الديون على ناتج اقتصاداتهم المحلية.

أضف إلى ذلك مزيج ارتفاع أسعار الفائدة مع تباطؤ النمو الاقتصادي، مما يؤدي لتآكل الإيرادات الضريبية الحكومية وأرباح الشركات، ويزيد صعوبة سداد الديون على الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية.

وقال أوبستفيلد في مقابلةٍ مع معهد Brookings Institution إن ارتفاع الدولار الأخير لم يكن كبيراً بدرجةٍ استثنائية حتى الآن، لكنه يأتي في وقتٍ يواجه خلاله اقتصاد العالم تعطيلات مستمرة لسلاسل التوريد نتيجة الجائحة، بالإضافة إلى الحرب في أوكرانيا، وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء. وأردف: “ربما تصبح نهاية حلقة صعود الدولار الحالية نهايةً قاتمة على نحوٍ كبير”.

كيف يمكن للاقتصادات الناشئة حماية نفسها من تبعات ارتفاع الدولار؟
تشير الورقة البحثية إلى أن الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية تستطيع تقوية دفاعاتها ضد ارتفاع الدولار عن طريق تقليل ديونها المربوطة بالدولار أولاً، وزيادة مرونة أسعار صرفها، وتأسيس بنوك مركزية تتمتع بموثوقيةٍ أكبر في مكافحة التضخم.

وبدأت العديد من البنوك المركزية في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية رفع أسعار فائدتها العام الماضي، لتسبق الاحتياطي الفيدرالي وغيره من البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة. ومن المفترض أن يؤدي هذا إلى منح تلك الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية نوعاً من الحماية ضد الأزمة المالية الراهنة، بحسب أوبستفيلد، ولكن على حساب تباطؤ النمو المحلي.

وقالت الورقة البحثية إن الإجراءات التي اتخذها الاحتياطي الفيدرالي مع بداية الجائحة كانت “مهمةً للغاية من أجل إحلال الاستقرار في الأسواق المالية العالمية”، ومنها خطوط مقايضة العملات مع البنوك المركزية الأخرى والتسهيلات التي سمحت للبنوك المركزية الأجنبية ببيع سندات الخزانة الأميركية التي تمتلكها. لكن الورقة لاحظت أن “الاحتياطي الفيدرالي تأخر” في رفع أسعار الفائدة على المدى القصير لمكافحة التضخم، حيث جاءت أول زيادة في مارس/آذار عام 2022.

 

هل يمكن مكافحة التضخم؟ أم يكون الركود أسرع؟
توقعت الورقة البحثية أن ينجح الاحتياطي الفيدرالي وغيره من البنوك المركزية بالاقتصادات المتقدمة في احتواء التضخم. لكنها حذرت أيضاً من “وجود خطر يكمن في أن تتسبب البنوك المركزية معاً في خلق حالة ركود عالمي حاد وغير ضروري”.

ويجري تقديم ورقة أوبستفيلد وتشاو مع اقتراب الذكرى الـ50 لانهيار اتفاقية بريتون وودز في مارس/آذار من عام 2023. حيث تبنت العديد من الدول آنذاك تعويم أسعار الصرف؛ لفصل عملاتها واقتصاداتها عن الدولار. لكن الدولار والنقد الأمريكي لا يزالان القوى المحركة الرئيسية للأوضاع المالية والنتائج الاقتصادية الدولية.

ويقف الدولار الآن عند أعلى مستوى له على الإطلاق، وفقاً لبعض المقاييس. ارتفع بنسبة 15% مقابل سلة من العملات منذ منتصف عام 2021. ومع إصرار بنك الاحتياطي الفيدرالي على الاستمرار في رفع أسعار الفائدة للسيطرة على التضخم- حتى لو كان ذلك يعني إغراق الولايات المتحدة والاقتصادات العالمية في الركود- فليس هناك الكثير مما يراه معظم مراقبي العملات منذ فترة طويلة للحد من ارتفاع الدولار، كما يقول تقرير لوكالة Bloomberg الأميركية.

كل هذا يذكرنا قليلاً بحملة مكافحة التضخم التي قادها بول فولكر، الرئيس السابق لمجلس الاحتياط الفيدرالي الأميركي، في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي. وهذا هو سبب تزايد الأحاديث حول إمكانية إعادة “اتفاقية بلازا”، وهي الاتفاقية التي قطعها صانعو السياسات الدولية لكبح جماح الدولار بشكل مصطنع في ذلك الوقت. قد تبدو صفقة مماثلة، وكأنها فرصة سانحة في الوقت الحالي، ولكن مع بعض مقاييس السوق التي تشير إلى أن الدولار يمكن أن يتسلق بسهولة نفس المبلغ مرة أخرى- المكاسب التي من شأنها أن تزعج النظام المالي العالمي وتسبب كل أنواع الألم الإضافي- من المحتمل أن تكون مجرد مسألة قبل أن يسخن هذا الحديث.

 

“حلقة من العذاب”
تقول بلومبيرغ إن الصعود السريع للعملة الأميركية محسوس في الحياة اليومية حول العالم؛ لأنه مادة التشحيم اللازمة للتجارة العالمية، حيث تُسعَّر 40% تقريباً من التجارة العالمية السنوية المُقدَّرة بـ28.5 تريليون دولار بعملة الدولار. وصعوده الذي لا هوادة فيه “يهدد بإطلاق حلقة من العذاب”.

وتعاني العديد من عملات الاقتصادات الكبيرة والناشئة، وبالإضافة إلى تراجع اليورو، انخفض الين الياباني إلى أدنى مستوى له في 24 عاماً، حيث يتدفق المستثمرون على عوائد أعلى.

بالنسبة للعديد من الأسواق الناشئة، كان الضرر أسوأ. وصلت الروبية الهندية والليرة التركية والبيزو التشيلي والروبية السريلانكية إلى مستويات منخفضة قياسية هذا العام، على الرغم من جهود بعض البنوك المركزية لمحاولة إبطاء الانخفاض. اشترت السلطة النقدية في هونغ كونغ الدولارات المحلية بوتيرة قياسية للدفاع عن ربط العملة بالمدينة، بينما بدأ البنك المركزي التشيلي تدخلاً بقيمة 25 مليار دولار بعد أن غرق البيزو بأكثر من 20% في 5 أسابيع.

ما الذي يمكن أن يكسر الحلقة؟ يقوم المستثمرون من سنغافورة إلى نيويورك بوضع نظريات حول المحفزات مثل التباطؤ، والوضوح بشأن متى سيتوقف بنك الاحتياطي الفيدرالي عن رفع أسعار الفائدة، أو الانتعاش المادي في النمو الاقتصادي الصيني، لكن ليس من الواضح متى سيحدث أي منها.