Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر November 23, 2018
A A A
معضلة سلسلة الرتب والرواتب.. كيف ستدفع الدولة الرواتب؟ ومن أين؟
الكاتب: إلهام سعيد فريحة - الأنوار

الأمور المالية، كالأمور الصحية، لا مزاح فيها ولا مسايرة، والمعالجة لها لا استهتار فيها ولا تريث، والعلاج المتأخر لا يعود ينفع، فكل شيء يجب ان يكون في وقته وإلا تتلاشى فاعلية الدواء.

مناسبة هذا الكلام ما بدأ يُحكى عن سلسلة الرتب والرواتب من الزاوية التالية:

كيف سيكون بالإمكان دفع الرواتب وفق سلسلة الرتب والرواتب في غياب القدرة على تمويلها؟

ما هي الخطط البديلة التي يجب ان تعتمد؟ هل بتجميد تطبيقها؟ هل بتقسيطها؟ هل بخفض نسبها؟ وفي حال اعتماد واحد من هذه البدائل، ماذا ستكون عليه ردات فعل النقابات والقطاعات التي بدأت تقبض الرواتب وفق هذه الزيادات؟ هل ستنزل الى الشارع للمحافظة على مكتسباتها؟

كيف سيكون عليه وضع الدورة الاقتصادية ككل والذي سار وفق السلسلة ثم قد يسير وفق تعليقها أو خفض نسبتها أو تقسيطها؟

من يتحمل مسؤولية تقديم “داتا” خاطئة عن عدد المستفيدين من السلسلة وعن كلفتها؟ حيث تبين ان الأرقام التي قدمت لا تطابق الواقع على الإطلاق: لا لجهة الكلفة ولا لجهة عدد المستفيدين منها؟

من يتحمل مسؤولية خرق القانون لجهة التوظيفات التي اعقبت السلسلة على رغم القرار بوقف التوظيفات؟

لماذا لم يتم تطبيق البنود المتعلقة بكيفية التمويل؟ ومن يتحمل مسؤولية التراخي؟

هذه الاسئلة مرعبة بحد ذاتها، وعدم الإجابة عنها من قبل المعنيين بالسلسلة، سواء في السلطة التشريعية أو في السلطة التنفيذية، يعني ان هناك مشكلة كبيرة آتية على البلد، ولم يعد بالإمكان التغاضي عنها ودفن الرؤوس في الرمال.

بدأت القصة في صيف 2017 حين صدر قانون رفع الحد الادنى للرواتب والاجور واعطاء زيادة غلاء المعيشة للموظفين والمتعاقدين والاجراء في الادارات.

سلسلة من الثغرات والعورات شابت هذا القانون ومن ابرزها:

هو قانون لموظفي القطاع العام لكنه في المادة 13 منه اعتبر انه “تسري احكامه على افراد الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة”. المشكلة هنا ان تمويل الزيادات للقطاع العام، وبحسب هذا القانون، تتم وفق ما يلي “يُجاز للحكومة بمراسيم تتخذ في مجلس الوزراء، بناء على اقتراح وزير المالية والوزير المختص، فتح الاعتمادات اللازمة لتنفيذ احكام هذا القانون، وتغطى الاعتمادات المجاز فتحها بالواردات المرتقبة لتغطية كلفة اعطاء زيادة غلاء معيشة وتحويل سلاسل الرتب والرواتب لموظفي القطاع العام”.

الثغرة هنا هي التالية: حدد القانون مصادر تمويل السلسلة للقطاع العام، وترك تمويلها للقطاع الخاص، مما جعل المدارس الخاصة ترفع الصوت لتقول: انتم وفرتم تمويلكم ولكن نحن من أين نمول الزيادة اذا لم نفرض زيادة على الاقساط؟ واذا كان الأهل غير قادرين على دفع الزيادة فكيف نستمر؟ (في هذا السياق، ووفق أحد المعطيات، فإن هناك خمسين مؤسسة تربوية خاصة تلوح بالإقفال وإرسال الطلاب الى بيوتهم).

الطامة الكبرى في القانون انه ورد في المادة 21 منه انه “تمنع حالات التوظيف والتعاقد في كل القطاعات بما فيها القطاع التعليمي والعسكري بمختلف مستوياته واختصاصاته وفي المشاريع المشتركة مع المنظمات الدولية، إلا بقرار من مجلس الوزراء بناء على تحقيق تجريه ادارة الابحاث والتوجيه”.

لكن هذه المادة لم تنفذ على الإطلاق إذ تبين ان التوظيف تم على قدم وساق وفاق العشرة آلاف حالة توظيف.

كان يفترض بدء تطبيق السلسلة بعد شهر من إقرار القانون، أي في ايلول من العام 2017، لكن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تريث في التوقيع الى حين اعطائه جواباً مفصلاً عن كلفة السلسلة ومصادر تمويلها، لأنه استشعر ضخامة وجسامة الموقف، فكان الجواب عن الكلفة أنها في حدود الـ 800 مليون دولار.

(ليتبين لاحقاً ان هذه الكلفة تتجاوز المليار و200 مليون دولار، والرقم الى ارتفاع).

ماذا عن مصادر التمويل؟

تم وضع 22 ضريبة، وكان التوقع ان تؤمن مليارا و200 مليون دولار، أي أكثر من الرقم الذي تم وضعه لكلفة السلسلة الذي هو 800 مليون دولار. لكن الذي حصل على أرض الواقع جاء معاكساً: ارتفعت كلفة السلسلة من دون ان تتحقق ايرادات تمويلها، وهكذا بات الوضع اليوم على الشكل التالي:

سلسلة لم يعد بالإمكان دفعها.

ايرادات لم يعد بالإمكان تحصيلها.

قروض لم يعد بالإمكان توفيرها.

ما الحل إذا؟

حتى اليوم لا أحد يملك الحل، أما كيف تكون ردات الفعل، فالعلم عند الله.