Beirut weather 24.1 ° C
تاريخ النشر June 24, 2025
A A A
مضيق هرمز تحت التهديد… ولبنان في مرمى الارتدادات
الكاتب: هدى علاء الدين - لبنان الكبير

يُعد مضيق هرمز من أبرز النقاط الجيوسياسية في العالم، ليس بسبب أهميته العسكرية والاستراتيجية وحسب، بل أيضاً لدوره الحيوي في الاقتصاد العالمي، إذ تمر عبره نحو خمس الإمدادات النفطية اليومية على مستوى العالم. يقع المضيق بين إيران شمالاً وسلطنة عُمان جنوباً، ويربط الخليج العربي بخليج عُمان ثم المحيط الهندي، ويبلغ عرضه في أضيَق نقطة حوالي 33 كيلومتراً، فيما لا يتجاوز عرض الممر الملاحي المستخدم فعلياً 3 كيلومترات في كل اتجاه.

ويُعد هذا الشريط المائي الضيق شرياناً أساسياً لصادرات الطاقة من الخليج، خصوصاً من دول “أوبك” مثل السعودية، الامارات، العراق، الكويت وإيران، فضلاً عن كميات ضخمة من الغاز الطبيعي المُسال تصدرها قطر، ثالث أكبر مصدر للغاز المُسال عالمياً. وتشير التقديرات إلى أن نحو 20 مليون برميل من النفط تمر يومياً عبر المضيق، إلى جانب ما يقارب خُمس صادرات الغاز الطبيعي المُسال في العالم.

أهمية استراتيجية لأسواق الطاقة العالمية
منذ مطلع الألفية، لعب مضيق هرمز دوراً محورياً في استقرار منظومة الطاقة العالمية، إذ تعتمد عليه دول آسيوية كبرى في تأمين حاجاتها من النفط والغاز. ووفقاً لشركة “فورتيكسا” لتحليلات الطاقة، تراوح متوسط حجم تدفق النفط الخام والمكثفات والوقود عبر المضيق بين عامي 2022 و2025 ما بين 17.8 و20.8 مليون برميل يومياً. وفي العام 2024، تم تصدير 84 في المئة من النفط الخام وسوائل الغاز الطبيعي، و83 في المئة من صادرات الغاز المُسال عبر المضيق إلى دول آسيوية كبرى، على رأسها الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية، والتي تُعد من أهم محركات النمو الاقتصادي العالمي.

وسيُهدد أي تعطيل لهذا المسار البحري بتقويض استقرار سلاسل التوريد، وتعطيل قطاعات الصناعة والنقل في تلك الدول، ما قد يُفضي إلى تباطؤ اقتصادي عالمي واسع النطاق. على سبيل المثال، استوردت الصين في الربع الأول من العام 2025 نحو 38 في المئة من النفط الخام الذي مر عبر مضيق هرمز، ما يجعلها من أكثر الدول عرضة لتداعيات أي إغلاق محتمل.

ووفقاً لمركز المعلومات البحرية المشترك، بلغ متوسط عدد السفن العابرة لمضيق هرمز يومياً في حزيران 2024 نحو 114 سفينة، ويبدو أن حركة الشحن في حزيران 2025 تسير بوتيرة مماثلة، إذ عبرت 122 سفينة المضيق يوم 21 حزيران وحده.

أزمة طاقة عالمية وشيكة
يُنذر قرار البرلمان الايراني بالموافقة على إغلاق مضيق هرمز، وإن كان مشروطاً بمصادقة المجلس الأعلى للأمن القومي، بتداعيات اقتصادية عميقة إذا ما تم تنفيذه فعلياً. أبرز هذه التداعيات تشمل:

ارتفاع أسعار النفط بصورة حادة: منذ بداية التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، ارتفعت أسعار النفط بنحو 10 في المئة. وتُشير توقعات “غولدمان ساكس” إلى إمكان ارتفاع سعر خام برنت إلى أكثر من 110 دولارات للبرميل، إذا استمر التوتر وحدث تعطيل فعلي للمضيق.
تهديد إمدادات الغاز الطبيعي المُسال: تُصدر قطر وحدها نحو 77 مليون طن متري سنوياً من الغاز المسال عبر المضيق، ما يعادل نحو 20 في المئة من الإمدادات العالمية. وأي عرقلة في هذا المسار ستؤدي إلى أزمة غاز عالمية، لا سيما في أوروبا وآسيا.
ضعف البدائل اللوجيستية: تمتلك السعودية والامارات خطوط أنابيب بديلة بطاقة قصوى مجتمعة تبلغ 6.5 ملايين برميل يومياً، مقارنة بتدفقات تصل إلى أكثر من 17 مليون برميل عبر المضيق، ما يعني أن القدرة التعويضية محدودة للغاية.
اضطرابات في سلاسل التوريد العالمية: لا يقتصر المضيق على صادرات الطاقة فحسب، بل يُعد ممراً مهماً لحركة الشحن البحري العالمية. وقد يؤدي تعطيله إلى تأخيرات كبيرة في واردات المواد الخام والسلع المصنعة، ما يرفع التكاليف ويُربك الأسواق.
ضغط على الاقتصادات النامية: على عكس الدول المتقدمة التي تملك احتياطيات استراتيجية، يعاني العديد من الدول النامية من الهشاشة في مواجهة صدمات الطاقة، ما يجعله عرضة لارتفاعات حادة في الأسعار، وانكماشات اقتصادية مفاجئة.
ماذا عن لبنان؟
في هذا السياق المتوتر، يبرز لبنان كأحد البلدان الهشة اقتصادياً التي قد تدفع ثمناً باهظاً لأي إغلاق محتمل لمضيق هرمز. فارتفاع أسعار النفط عالمياً سينعكس بصورة فورية على كلفة استيراد المحروقات إلى لبنان، وهو ما يعني زيادة مباشرة في أسعار البنزين والمازوت والفيول، وارتفاع كلفة النقل والإنتاج في مختلف القطاعات، لا سيما في غياب دعم حكومي أو قدرة على ضبط الأسعار.

ويُفاقم الأزمة أن لبنان يستورد أكثر من 80 في المئة من حاجاته الاستهلاكية الأساسية، ما يجعل تأثير ارتفاع كلفة الطاقة مضاعفاً. فكل ارتفاع في أسعار المحروقات سيؤدي إلى تضخم في أسعار السلع والخدمات، وسيمس مباشرة القدرة الشرائية للمواطنين الذين يرزحون أصلاً تحت ضغط اقتصادي هائل، بسبب تدهور سعر صرف الليرة، وتآكل المدخرات.

وعليه، فإن عودة الضغوط التضخمية في هذا التوقيت ستُشكل انتكاسة خطيرة لاقتصاد لم يتعافَ بعد من الانهيار الذي بدأ في العام 2019، ولن يكون قادراً على امتصاص صدمة جديدة بهذا الحجم. كما أن مصرف لبنان يفتقر إلى أدوات فعالة لاحتواء موجة تضخمية ناتجة عن عوامل خارجية، في ظل محدودية احتياطاته بالعملات الأجنبية.

كما سيؤدي ارتفاع أسعار الطاقة إلى زيادة فاتورة الاستيراد بالدولار، ما يُفاقم عجز الميزان التجاري ويزيد الضغط على سوق الصرف، في وقت لم يخرج فيه لبنان بعد من دوامة التقلبات النقدية، ولا يزال يفتقر إلى خطة إصلاح مالي واقتصادي متكاملة.