Beirut weather 12.41 ° C
تاريخ النشر October 19, 2021
A A A
“مصل” التحويلات والمساعدات عاجز عن معالجة المجاعة الآخذة بالتفشّي
الكاتب: خالد أبو شقرا - نداء الوطن

استفاد نحو 1.7 مليون شخص من توزيعات WFP في شهر أيلول الفائت (الصورة من صفحة برنامج الأغذية العالمي – زياد رزق الله)
الطموح بالتعافي الاقتصادي والعمل على الخروج من الأزمة بالاصلاحات، يتحول يوماً بعد آخر إلى جموح لتأمين الحد الأدنى من الغذاء للمقيمين، من أجل البقاء فقط على قيد الحياة. فالارتفاع الهائل بالاسعار يوسّع شريحة العاجزين عن الوصول إلى مصادر الطعام، ويهدّد بالمجاعة في المقبل من الأيام.

تشير أرقام “برنامج الأغذية العالمي” WFP إلى أن 22 في المئة من اللبنانيين، و50 في المئة من اللاجئين السوريين، و33 في المئة من اللاجئين من جنسيات أخرى يعانون من انعدام الأمن الغذائي. وبحسب “التقرير القُطري الموجز” للوكالة الدولية التابعة للأمم المتحدة، فان سعر الجزء الغذائي من “سلة إنفاق الحد الأدنى للبقاء” SMEB بلغ 387 ألف ليرة لبنانية في آب الفائت. وهو ما يمثل زيادة بنسبة 628 في المئة عن تشرين الأول 2019. ومن المتوقع أن يرتفع سعر السلة بمعدلات كبيرة مع رفع الدعم الكلي عن المازوت والجزئي عن البنزين، وارتفاع سعر الصفيحة الواحدة منها من حدود 82800 ليرة و107300 ليرة على التوالي في شهر آب الماضي، إلى حدود 235200 و242800 في آخر تسعيرة صادرة في 13 هذا الشهر.

نسبة المهددين بالجوع ترتفع

إستناداً إلى تقديرات البنك الدولي حول عدد السكان البالغ 6.8 ملايين نسمة، 25 في المئة منهم من اللاجئين، نستطيع الاستنتاج أن هناك مليوناً و122 ألف لبناني (22%) لا يستطيعون الوصول إلى الحد الأدنى من الطعام، وهم يعيشون على أقل من 19 دولاراً في الشهر الواحد، أي بحدود نصف دولار يومياً. هذا الواقع “المخيف”، بحسب عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي صادق علوية، “قد يكون أخطر بكثير في حال استبعدنا هامش التفاؤل، أو التقليل من المصيبة، بنسبة 10 إلى 15 في المئة الذي عادة ما تتضمنه التقارير الدولية. حيث من المتوقع أن يكون الرقم الحقيقي للعائلات العاجزة عن تأمين احتياجاتها من الطعام مضروباً بـ 1.5 مرة، أي بحدود 1.7 مليون شخص”. ومع هذا فان النقاش السياسي الذي يجب أن تضطلع فيه كل من السلطة التنفيذية والتشريعية ما زال بعيداً عن التصدي للأزمات والمشاكل. فـ”لم نر أي معالجة جدية للأزمة الصحية والغذائية والاستشفائية والتعليمية… واللائحة من المتطلبات الأساسية تطول بسبب عجز الحكومات عن الاهتمام بالأولويات، رغم ما أعطيت من إمكانيات”، يقول علوية، “فأُقر قانون للانفاق على أساس القاعدة الإثنتي عشرية مثل العام الذي سبقه، وأقر ايضاً قانون البطاقة التمويلية في المجلس النيابي. ولكن لا نتيجة تُذكر على ارض الواقع. حتى وصلنا إلى مرحلة يناشد فيها البنك الدولي السلطة البدء بتوزيع البطاقة التمويلية”. وعلى الرغم من أن البطاقة التمويلية ليست الخلاص للمشاكل، خصوصاً بعدما امتص ارتفاع سعر صرف الدولار وتحليق أسعار المحروقات قيمتها الشرائية، إلا أنها “تقي مئات الآلاف من الموت من الجوع”، بحسب علوية، و”هي تشبه من حيث المبدأ المعالجات التي تقوم بها المنظمات الدولية برمي أكياس الرز والقمح في مجاهل الدول المتخلفة تحت عنوان “إن لم تصل إلى كل المستحقين فلا بد أن تصل إلى جزء كبير من المعوزين”.

 

 

“مصل” المساعدات

في الوقت الذي خسرت فيه الليرة اللبنانية حوالى 90 في المئة من قيمتها، وارتفعت الأسعار بأكثر من 700 في المئة فان معظم اللبنانيين أصبحوا يعيشون على المساعدات التي تتأتى من مصدرين رئيسيين:

الأول دولي، ويتمثل في المساعدات التي تقدمها المنظمات العالمية، ومنها برنامج الأغذية العالمي WFP. حيث استفاد في شهر أيلول الفائت حوالى 492 ألف لبناني من أصل 1.7 مليون مستفيد من البرنامج. وذلك عن طرق التحويلات النقدية أو الطرود الغذائية. وقد زاد البرنامج ابتداء من أيلول الفائت قيمة التحويلات النقدية للبنانيين واللاجئين على حد سواء من 100 ألف ليرة لبنانية إلى 300 ألف ليرة (17.6 دولاراً) للفرد شهرياً للطعام. ومن 400 الف ليرة إلى 800 ألف ليرة (47 دولاراً) لكل أسرة شهرياً للاحتياجات الأخرى. وبمبلغ إجمالي وصل إلى 47 مليون دولار. واستفاد من التقديمات النقدية لـ”البرنامج الوطني لاستهداف الفقر” (NPTP) 35626 أسرة (215،891 فرداً)، منهم 679 أسرة (4025 فرداً) تلقوا مساعداتهم لأول مرة. حيث بدأ البرنامج اعتباراً من أيلول الماضي توزيع المساعدات النقدية في إطار برنامج استهداف الفقر الوطني بالدولار الأميركي، حيث يمكن للمستفيدين سحب مستحقاتهم من أجهزة الصراف الآلي بالدولار الأميركي أو الليرة اللبنانية بسعر تفضيلي. وقد خصص البرنامج 191.9 مليوناً من أجل تمويل المتطلبات لمدة ستة أشهر ابتداء من تشرين الأول الحالي ولغاية آذار 2022.

الثاني دولي أيضاً، ويتمثل في تحويلات المغتربين اللبنانيين. وبحسب آخر الأرقام فان التحويلات السنوية عبر شركات تحويل الأموال وما يحمل نقداً من المسافرين تراوحت بين 8 و10 مليارات دولار. وبالتالي هذه التحويلات تشكل حوالى 50 في المئة من حجم الناتج المحلي، إذا اعتمدنا توقعات البنك الدولي بان يكون الناتج 20.8 مليار دولار هذا العام. إما إذا اعتمدنا تقديرات أخرى تشير إلى أن الناتج هذا العام لن يتعدى 10 مليارات دولار بسبب التباطؤ الاقتصادي الحاد، وانهيار سعر الصرف وتراجع الانتاج فان التحويلات تشكل 100 في المئة من الناتج المحلي.

 

 

 

الكساد ليس بعيداً

والسؤال إلى أي متى يستطيع البلد العيش على “مصل” المساعدات؟ وهل سيبقى هذا المصل كافياً مع تدهور الوضع أكثر؟

المشكلة أن “الأمور لا تنحصر في التدهور السريع والحاد في الداخل فحسب، إنما بقدرة الخارج على الدعم أيضاً”، يجيب الباحث الاقتصادي والقانوني في “المعهد اللبناني لدراسات السوق”، كارابيد فكراجيان، فـ”التراجع الإقتصادي نتيجة وباء كورونا والاقفالات الطويلة في دول الانتشار اللبناني، أرخت بثقلها على أوضاعهم المادية. وبالتالي ستؤثر خلال المرحلة القادمة على تحويلاتهم المالية من جهة، وإبقاء الداخل رهينة التبدلات الاقتصادية في الدول التي يعيشون فيها من جهة ثانية”.

في الحالتين لا يمكن للبلد أن يعيش على المساعدات الخارجية لوقت طويل، و”لا سيما أنه متجه بخطوات ثابتة نحو التضخم المفرط”، برأي فكراجيان، و”ذلك من دون استبعاد احتمال العجز في وقت قريب عن تأمين أبسط المتطلبات الغذائية لشريحة واسعة من المواطنين. وقد بدأ يظهر بوضوح تقشف شرائح من المجتمع في عمليات الشراء، وإحلال السلع الأقل جودة والمتدنية القيمة الغذائية في دورة الاستهلاك. كما يلاحظ لجوء قسم كبير من المواطنين إلى إجراءات أكثر حدة لتخفيض النفقات، كأن يعمدوا إلى عدم تسجيل أطفالهم في المدارس وارسالهم إلى سوق العمل، والتخلي عن الكثير من الخدمات الأساسية في الحياة”.

الانخفاض الحاد في الاستهلاك في المرحلة المقبلة سيترافق مع تراجع في الانتاج والاستيراد على حد سواء. الأمر الذي يثير المخاوف من الدخول في مرحلة كساد عميق. إذ “كلما تأخر الحل الشامل كلما أصبح الخروج من الأزمة أصعب”، من وجهة نظر فكراجيان، و”دخول لبنان في مرحلة غير مسبوقة في تاريخه، تشبه إلى حد كبير ما تعانيه دول مثل فنزولا والزيمبابوي من مجاعات، وازدياد هائل بنسب الاشخاص غير القادرين على تأمين كفايتهم من الطعام”. وبرأيه فانه “كما كان فشل السياسات النقدية سبب المشكلة، فان الخروج من الأزمة يبدأ بالاصلاح النقدي”.