Beirut weather 17.99 ° C
تاريخ النشر September 9, 2024
A A A
مشروع موازنة 2025: “حسابات التصفير” والاستدانة الداخلية!
الكاتب: سلوى بعلبكي

كتبت سلوى بعلبكي في “النهار”

ما يزيد على الألف صفحة، والكثير من الفصول والأبواب في مشروع موازنة 2025، تخبرك أن الترف في الإنفاق وفذلكاته الطموحة صار من الماضي، إلا أن آثاره وبقاياه أدرجت في بنود وفقرات أُمسك عنها التمويل، وبقيت شاهدة على عصر ولّى.

“موازنة التصفير” أو التأجيل، قد تكون من الصفات الصائبة في تقويم محتوى الموازنة، إذ كيفما قلبت الجداول المرفقة، والبرامج الموروثة من موازنات سابقة، وخصوصا 2024، تجد الكثير من إعادة جدولة المشاريع وترحيلها نحو موازنات السنوات المقبلة. الأمثلة على ذلك عدة ومنها: ترحيل برنامج لتشييد أبنية للإدارات العامة في سبيل استغناء الدولة عن الإيجارات، ترحيل مشاريع بنى تحتية ملحة لمصلحة الجيش، ترحيل برنامج صيانة مباني الجامعة اللبنانية.

وليس آخرا، لم تجد الحكومة ضرورة لرصد اعتماد لبرنامج استكمال أوتوستراد الشمال في نقطة البداوي، لإنقاذ نصف مليون لبناني يعبرون نخو طرابلس وبالعكس، ويعانون الحشر ساعات في زحمة سير خانقة، وعلى طرق لا تفي بالمطلوب منها.
وأكثر الـ”تصفيرات” دلالة، هو خلو الموازنة من أي إشارة إلى مساعدات خارجية أو داخلية، أو مساهمات متوقعة من مؤسسات دولية، ما يشي بأن لا آمال بمساعدات، ولا توقعات مستقبلية حول ذلك.

وقد يكون بند الإجازة للحكومة الاستدانة من السوق المحلية لتغطية العجز المتوقع في الموازنة، هو “النكتة” السمجة التي تبيعها الحكومة للناس، فهل من يصدّق أن مواطنا لبنانيا، أو مصرفا، سيقدم على الاستثمار في سندات الخزينة اللبنانية، مهما تم إغراؤه بالفائدة المرتفعة؟

اللهم إلا إذا كانت الدولة ترغب في العودة إلى عادتها القديمة، وإلزام مصرف لبنان شراء سنداتها، ما يعني العودة إلى المربع الأول الذي هيأ المسرح لفقاعة الانهيار .
وهذا الأمر استغربته مصادر حكومية، إذ اعتبرت أن “لا قدرة للدولة اللبنانية اليوم على سداد ديونها القديمة، وتاليا ليس مستحبا زيادة هذه الديون. وفيما القاصي يعرف والداني أن لا ثقة بهذه السندات، ففي حال طرحها للاكتتاب ستكون بفوائد مرتفعة على خلاف السندات التي يتم سدادها حاليا”.

جدل حول الأملاك البحرية؟
وفق المصادر الحكومية، فإن اللافت في موازنة 2025 أنها تحوي على عجز بنحو 200 مليون دولار، إذ إن النفقات الملحوظة هي نحو 4.8 مليارات دولار ، أما الإيرادات فناهزت 4.6 مليارات دولار، معتبرة أن “200 مليون دولار مبلغ ضئيل جدا ولا يتعدى الـ1% من الناتج المحلي، وكان من المفترض سده بفرض ضرائب على الأملاك البحرية مثلا.

ففي بند الإيرادات الضريبية وتحديدا الضرائب على الأملاك البحرية، كان لافتا عدم وجود أي رقم للإيرادات(صفر).
“النهار” استوضحت الامر من المدير العام لوزارة المال جورج معرواي الذي أكد أن التقديرات تضعها وزارة الأشغال وتوردها وزارة المال في الموازنة. واستدرك: “إذا كان ثمة سوء تقدير فيمكن الإضافة لاحقا”.

أما مدير الواردات ومدير الضريبة على القيمة المضافة لؤي الحاج شحادة، فأحال السؤال على وزارة الأشغال العامة والنقل – المديرية العامة للنقل البري والبحري لكون عملية متابعة التحصيل من مسؤوليتها.
“النهار” بدورها سألت مصادر في وزارة الأشغال، فأوضحت أن الدولة لا تستوفي ضرائب من الأملاك البحرية، بل تستوفي رسوما وغرامات، والرقم وارد في الموازنة، وتاليا من البديهي أن يكون هذا البند صفرا. وأكدت أن وزارة المال لم تلجأ حتى اليوم إلى تعديل هذا البند الموضوع منذ عشرات السنوات.

ووفق المصادر الحكومية، فإن “القسم الأكبر من الإيرادات هو من استيفاء الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 11%، وصل مجموعها إلى نحو 1.6 مليار دولار أي 45% من مجمل العائدات الضريبية، وهو “أمر جيد”، مؤكدة أهمية “زيادة الضريبة على القيمة المضافة على السلع التي لا تستهلك من الطبقة الفقيرة والوسطى. وكذلك زيادة الرسوم الجمركية، خصوصا على السلع الفاخرة كالسيارات الفخمة وغيرها، وعلى السلع الضارّة بالصحة كالتدخين والكحول، أسوة بالدول الغربية كفرنسا والولايات المتحدة الأميركية”.
وسجلت المصادر بعض الإيجابيات في الموازنة، خصوصا حيال تركيزها على زيادة النفقات الاستثمارية على مشاريع الطاقة والمياه وصيانة الطرق والمرافق العامة بنسبة وصلت إلى 10% من مجمل النفقات”.

الأكاديمي والباحث الاقتصادي الدكتور أيمن عمر اعتبر “الموازنة تقليدية، تتناسب مع مرحلة الانهيار المالي ومع العقلية المالية التي تدار بها المالية العامة في هذه المرحلة القائمة على زيادة واردات الدولة المالية وخفض نفقاتها العامة أو ترشيدها عند أدنى حد ممكن”.
وقد تضمن الفصل الثالث من مشروع الموازنة 34 مادة تحتوي على تعديلات ضريبية جديدة تسهم بشكل فعال في زيادة واردات الخزينة العامة. فالإيرادات الضريبية المقدرة لعام 2025 هي نحو 326,416 مليار ليرة، بينما قدرت في 2024 بنحو 243,089 مليار ليرة، أي بزيادة نسبتها 34%”.

واعتبر أن “موازنة 2024 قد أتت مفعولها، والفلسفة التي قامت عليها نجحت في تحقيق هدفها، لناحية زيادة واردات الدولة عبر الرسوم والضرائب الكثيرة التي تضمنتها. وقد زادت قيمة الموازنة من 295,113 مليار ليرة (3.297 مليار دولار) إلى 427,695 مليار ليرة (4.778 مليار دولار) بزيادة نسبتها نحو 45%. ولكن هذه الزيادة في الواردات في رأيه “لم تترجم عمليا في المشاريع الاستثمارية أو ما يعرف بالموازنة بقوانين البرامج الوادرة في الفصل الثاني من الموازنة”.

الى ذلك، يبلغ حجم موازنة 2025 المقترح نحو 31% من موازنة 2019 والبالغة نحو 15.482 مليار دولار. ويعتبر أن “مشروع موازنة 2025 أكثر عقلانية ومنطقية من موازنة 2024 التي أظهرت عدم وجود عجز مالي فيها، فيما بلغ العجز المالي في الموازنة المقدر بنحو 17,566 مليار ليرة (196.274 مليون دولار).

“الفلسفة المالية نفسها لا تزال تتحكم في مشروع موازنة 2025 حيال تركيزها على تحصيل ضرائب ورسوم أكثر وأكثر، من دون تحقيق أي أهداف اجتماعية أو اقتصادية، والتي يفترض أن تكون الأهداف الرئيسية لأي موازنة، أقله استخدام هذه الزيادة في الواردات لمعالجة مشكلة انقطاع التيار الكهربائي”، وفق عمر الذي يعتبر أن ما هو مقترح سيذهب القسم الأكبر من الإيرادات منه إلى احتياط الموازنة الذي سيزيد من 26,558 مليار في العام 2024 إلى 55,855 مليار ليرة في العام 2025”.

وعلى الرغم من أنها القضية الجوهرية في الشفافية المالية والحكم على صحة أرقام الموازنات السابقة، والتي على أساسها تبنى تقديرات مشروع الموازنة للسنة المقبلة، لم يتم تنفيذ قطع حسابات السنوات السابقة.
ويلفت عمر الى أن المادة 95 من موازنة 2024 نصت على إنجاز عملية إنتاج جميع الحسابات المالية المدققة منذ العام 1993 وحتى سنة 2202 خلال مهلة لا تتعدى السنة وإحالة مشاريع قوانين قطع الحساب على مجلس النواب للمناقشة. وهذا ما لم يحدث وأغفله مشروع موازنة 2025.

وفي حين لم يلحظ المشروع أي مادة تتناول تعديلات على تعويضات نهاية الخدمة من الضمان الاجتماعي والتي كانت مذكورة في مشروع موازنة 2024 وفق المادة 93، وقد تم إلغاؤها عند مناقشة الموازنة آنذاك، فإن ذلك يعني وفق عمر أن “لا نيّة لإقرار أي من مشاريع القوانين المقدمة من نواب في هذا الإطار”.

ولا يتضمن مشروع الموازنة أي تعديل لسلسلة الرتب والرواتب رغم زيادة واردات الدولة وارتفاع مؤشر أسعار الاستهلاك وانخفاض القدرة الشرائية لموظفي القطاع العام بكل مسمياتهم.
ويشير عمر الى أن “الوضع سيبقى على ما هو باعتماد سياسة المساعدات الاجتماعية وربط زيادة رواتب الموظفين بإنتاجيتهم، إذ إن مخصصات الرواتب المقترحة لعام 2025 هي 31,255 مليار ليرة، في حين كانت في موازنة 2024 نحو 30,011 مليار ليرة، أي بزيادة لا تذكر”.