Beirut weather 15.21 ° C
تاريخ النشر August 23, 2025
A A A
مشروع برّاك: يا عيب الشوم يا لبنان!
الكاتب: ناصر قنديل

كتب ناصر قنديل في “البناء”:

هل كنا نتخيّل أن يأتي يوم على بلدنا لبنان تكون فيه الدولة بشخص رئيس الحكومة صاحبة دعوة علنية للتعايش مع بقاء الاحتلال والاعتداءات الإسرائيلية، والسعي في الوقت ذاته لنزع سلاح المقاومة، والتنصل من وضع أي استراتيجية للدفاع عن لبنان، بعد شهور قليلة من خطاب قسم لرئيس الجمهورية وبيان وزاري للحكومة يتعهدان بوضع استراتيجية للدفاع، وبجيش يحمي ويحرّر ويدافع، وحكومة تتخذ قرار الحرب، وإذا برئيس الحكومة يقول إن بوضوح قاطع إن لا نية لدى الحكومة أن تواجه وهذه مغامرة لا تريد الحكومة الخوض بها، وليس بيدها إلا أن تستعين بالعرب والأوروبيين لمساعدتها في الضغط على أميركا لفرض الانسحاب الإسرائيلي ووقف الاعتداءات الاسرائيلية، وهو طبعاً ما فعلته وتفعله الحكومة السورية ذات الوزن الأهم في حسابات العرب والأوروبيين والأميركيين لكن من دون جدوى، وعند السؤال وماذا لو ينفع ذلك، لا يتردّد رئيس الحكومة في قول معادلة يعتبرها استثنائية وغير متخيلة، وما هي؟ إنها موافقة أميركا على إصدار إدانة من مجلس الأمن الدولي لـ”إسرائيل”، وكيف تستردّ الأرض وتحمي القرى ويعود المهجرون؟ لا جواب لدى رئيس الحكومة إلا فرك اليدين وزم الشفاه.

على مسافة يومين من كلام رئيس الحكومة عن التأقلم مع الاحتلال والاعتداءات، ينقل الإعلام الأميركي عن المبعوث الرئاسي توماس برّاك خطة يناقشها مع الإسرائيليين بدلاً من مطالبتهم بالانسحاب ووقف الاعتداءات، تقوم على منع أبناء الجنوب من العودة إلى قراهم، وإبقاء بيوتهم مدمّرة وإقامة شريط أمني عازل من أرض لبنان وبيوت اللبنانيين وحقوقهم، تحت شعار منطقة دولية للاستثمار العقاري والتجاري، والتمهيد الإعلامي هنا هو بداية تسويق للمشروع، الذي لم يعد لدى أهل الجنوب خصوصاً واللبنانيين عموماً أي ضمانة أن لا يلقى موافقة الحكومة، والقيام بتسويقه باعتباره أفضل الخيارات المرّة، على قاعدة أن المواجهة هي مغامرة لا جدوى منها، وأن قبول ما يقبله الأميركي والإسرائيلي ولو على حساب لبنان وسيادته وحقوق أهله بالعودة إلى قراهم وبيوتهم آمنين في ظلال دولة تحمي وتدافع وتحرّر كما ورد في خطاب القسم الرئاسي والبيان الوزاري للحكومة.

مَن كان يتخيّل أن القرى والبلدات التي كان أهلها يسهرون حتى الفجر قرب الشريط الذي يفصلهم عن فلسطين المحتلة يتسامرون آمنين، في زمن المقاومة، ويبنون بيوتهم وقصورهم على خط الحدود الفاصل عن فلسطين، سوف تأتي حكومة لبنانيّة تقول بأن هذا الزمن قد ولّى ولن يعود، وأن ما تعرضه الدولة على هؤلاء المواطنين اللبنانيين هو أن تغدر بمقاومتهم وتعاملها كمجرمين مطلوبين للعدالة لأنهم قدموا نموذجاً للتحرير فضح عجز وتخاذل حكومات العرب التي تدين لها الحكومة اللبنانية بالولاء، وتعاقبهم لأنّهم حرروا ودافعوا وحموا، ووفروا أمناً عجزت كل حكومات العرب عن توفير مثله لسكان المناطق الواقعة على تخوم فلسطين مثلما فعلت المقاومة، والأكيد أن أحداً لم يكن ليطلب من الحكومة التخلّي عن مطالبتها بحصر السلاح بها، لو أنّها وفرت ما كانت توفره المقاومة، وأمنت للجيش “ما يلزم لتحمل مسؤوليته الوطنية في مواجهة اعتداءات وأطماع العدو الإسرائيلي”، كما ورد في اتفاق الطائف الذي تتغنى به الحكومة عندما تحتاج إلى استعارة فقرة معزولة عن سياقها اسمها بسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية بقواها الذاتية، وبسط السيادة طبعاً لا يشمل المناطق المحتلة ولا المناطق التي يسرح ويمرح فيها الاحتلال ويقتل السكان وينسف البيوت.

صارت حدودنا منطقة عقاريّة يتجرأ تاجر عقارات اسمه توماس برّاك على عرضها في سوق المزاد، ويؤسس شركات لأصدقاء “إسرائيل” بهدف تمويل شرائها وتحويلها منطقة أمنيّة لحماية كيان الاحتلال، وتهجير أهلها واستباحة السيادة الوطنية فيها، ويسمّيها منطقة اقتصادية، ومَن كان يتخيّل أن يصل لبنان إلى هذا الدرك الذي لم يبلغه حتى في ايام اتفاق 17 أيار، وإذا كان ذلك الاتفاق المشؤوم قد أنتج انتفاضة شعبيّة غيّرت وجه لبنان، فإن ما يجري سوف يتسبّب بما هو أعظم، لأن غضب الشعب لم يبلغ بعد المرتبة التي تطيح الأخضر واليابس، ولا زال أمام العقلانيّة والحكمة مكان، وأمام الحكومة فرصة، أن تقول طالما أن الاحتلال لم ينفذ شيئاً ولن ينفذ شيئاً فإن ورقة توماس برّاك ساقطة، والقرارت التي بُنيت عليها كأنّها لم تكن، وتدعو الحكومة لحوار وطنيّ لوضع استراتيجيّة للدفاع الوطني، كما تعهّدت في بيانها الوزاري وتعهد رئيس الجمهوريّة في خطاب القسم.

يا عيب الشوم على حال اللبنانيين، حيث صار بيع الوطن عملاً تجارياً عقارياً، وصارت الخيانة خطة لحماية الوطن، ومن لا ينتبه إلى أن ما يجري تجاوز كل الخطوط الحمراء، سوف يستفيق ذات يوم وقد انفجرت المواجهة مع الاحتلال من دون قرار من المقاومة، لأنّها هكذا بدأت وعندما لن تجد المقاومة خياراً إلا اللحاق بأهلها، وعلى الحكومة عندها أن تقرّر موقعها مع شعبها وأهلها أو مع الاحتلال ورعاة الاحتلال.