Beirut weather 20.41 ° C
تاريخ النشر February 18, 2022
A A A
مشروع المنافسة وضع على جدول الجلسة المقبلة للمجلس.. أين تكمن أهميته؟
الكاتب: ابراهيم بيرم - النهار

بعد فترة من السجال والتباين بين أعضائها، أنجزت اللجان النيابية المشتركة قبل أيام قليلة، الصياغة النهائية لما أطلق عليه تلطيفاً وتخفيفاً مشروع قانون المنافسة. وأخذ هذا المشروع طريقه تلقائياً الى جدول أعمال الهيئة العامة لمجلس النواب المقرّر أن تجتمع يومي 21 و22 شباط الجاري وفق تأكيد نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي.

ورشة البحث بتشريع قانوني جديد ينهي عهد “الوكالات الحصرية” انطلقت منذ أواسط عقد التسعينيات وأخذت مداها من التصارع بناءً على خلفيات متعدّدة على غرار الصراع الذي ينفتح تلقائياً عند أيّ تطوير أو تحديث سياسي أو اقتصادي. وأخيراً صار بإمكان أعداء “الوكالات الحصرية” أن يكشفوا أنهم نجحوا في إخراج “هذه الحصرية المرذولة” من حصنها التاريخي ومن كونها أحد تابوهات النظام والتركيبة في لبنان، ونجحوا في المقابل ‒ كما يروّجون ‒ في استيعاب هجمة المعترضين على إلغاء الوكالات الحصرية بشكلها الصارم القديم من خلال نجاحهم في إدخال تعديلات أساسية على القوانين القديمة ذات الصلة التي تحصّن الحصرية، الى أن كانت المحصّلة إقرار مشروع قانون المنافسة في اللجان المشتركة بعد مخاض عسير وبعد إدخال مواد “تسووية” عليه ليستقرّ أخيراً مشروعاً جاهزاً للإقرار أمام الهيئة العامة للمجلس، مع احتمال معزز بأنه سيُقرّ، لتأتي بعدها المراسيم التنفيذية اللازمة له ليصير ساري المفعول وتنتهي معه “الوكالات الحصرية” بمفهومها الحاد والصارم على غرار ما طُبّق سابقاً في أكثر الدول حرصاً على قيم الليبرالية واقتصاد السوق.

يؤكد أحد المشاركين الأساسيين في إنضاج هذا المشروع، النائب ياسين جابر، لـ”النهار” أن المشروع كبير وعلى قدر من الأهمية، وقد أخذ مداه من النقاش الى أن تم الاتفاق على الصيغة التي وصل بها الى الهيئة العامة وهذا ما يرجّح إمراره ليأتي بعدها دور الخطوات الإجرائية التي تؤهّله للنفاذ وللاتفاق على مخرج للمادة الخامسة من القانون القديم.

وفي المحصّلة، يضيف جابر، يمكن القول من الآن إن حصرية استيراد الوكلاء الحصريين لأيّ شيء شخصي وتغريم المخالفين وفق ما كان معمولاً به سابقاً، ستُلغى حتماً.

ورداً على سؤال أجاب جابر “أعتقد أن جشع بعض الوكلاء الحصريين وتعنّتهم ومخالفاتهم قد سهّل على النواب الساعين لرفع هيمنة الوكلاء الحصريين المضيّ في مساعيهم. ففي عقد التسعينيات فرضت الدولة عبر وزارة الاقتصاد على كلّ وكيل حصري أن يبادر الى تسجيل وكالته وفق الأصول المتبعة في وزارة الاقتصاد لكي تمنحه وثيقة وبراءة ذمة تبيح له تسجيل وكالته تلك في السجل التجاري. ولكن الذي حصل أنه من أـصل 3413 وكالة حصرية سُجلت في سجلات وزارة الاقتصاد لم يبق عملياً إلا أقل من 300 وكالة يمكن اعتبارها قانونية ومستوفية الشروط إذ إن الباقين (أي 3 آلاف وكيل) تخلفوا مثلاً عن دفع الرسوم الواجبة والتصريح عن الأرباح فضلاً عن أن قسماً منهم ألغيت وكالاتهم الحصرية بخلاصات دعاوى رُفعت في وجههم. ومع ذلك استمرّ هؤلاء في التحايل على القوانين وفي استغلال الوثائق القديمة المنتهية الصلاحية، مستفيدين طبعاً من غفلة المسؤولين المعنيين أو من تلكئهم عن القيام بواجباتهم الوظيفية.

وبناءً على ذلك، استطرد جابر، “خاطبنا وزارة الاقتصاد عبر الآلية القانونية لاتخاذ ما يلزم من إجراءات عاجلة لشطب المخالفين من سجلاتها والحيلولة دون المضيّ في التلاعب على القانون ولكي تفتح الابواب أمام عهد جديد كان يُفترض أن يبدأ منذ أعوام بعيدة”.

وقال رداً على سؤال آخر: “نحن لسنا ضدّ شيء اسمه الوكالة الحصرية مبدئياً، فذلك عقد موقّع عليه بين المستورد (شركة أو تاجر) وبين الشركة المصدّرة أو المصنعة، تنطبق عليه “شريعة المتعاقدين” ولكن للأمر أصوله وآلياته القانونية ومقاصده التي تقدّرها الدولة من خلال تقديرها لمصلحة الشريحة الأوسع من المواطنين. لذا ليس من حق الدولة مثلاً أن تتدخل لتحجز على بضاعة أو سلعة مستوردة من خارج الوكلاء الحصريين ما دامت الشركة هي التي أباحت بيع تلك السلعة وتصديرها مع علمها بأن هناك وكيلاً حصرياً لها في ذلك البلد، فالمسؤولية تقع على عاتقها لا على عاتق المستورد لتلك السلعة”.

إضافة الى ذلك، يشير جابر الى أن في مشروع القانون المدرج على جدول أعمال الهيئة العامة للمجلس إعادة نظر في أمور وتفاصيل تتصل بالوكالة الحصرية نفسها ومنها مسألة نسبة الحصة التي يسيطر عليها الوكيل من سوق السلعة التي يملك حق استيرادها. فعندما كنت وزيراً للاقتصاد شكلنا هيئة فنية طلبت من الوكلاء بيانات الاستيراد. وقد اكتشفت الهيئة على سبيل المثال أن مستورداً واحداً يسيطر على 80 بالمئة من استيراد حليب الأطفال فيما باقي المستوردين لهم فقط الحصّة الباقية أي الـ20 بالمئة. وبناءً على ذلك طالبنا المستورد الأكبر بأن يقدّم بيانات جديدة يوضح فيها نسبة أرباحه لنحدّد ما يجب أن يدفعه من رسوم للخزينة.

ويقرّ جابر بأن نقط الخلاف التي ما زالت ماثلة في مشروع القانون هي حق الوكيل الحصري في تقديم شكوى يطلب فيها بموجب وكالته الحجز على سلعة استوردها سواه وواجب الدولة عندها فرض إدخال السلعة الى السوق. وهناك شريحة لا يستهان بها من الزملاء اعتبروا أن في الامر تعسفاً.. وحسب علمنا فإن ثمة حلاً جاهزاً وممكناً لهذه الاشكالية قد ورد في تعديل تقدّم به الزميل النائب سمير الجسر، ونفترض أن يؤخذ به ليصير المشروع نافذاً.

وفي رأيه، إن إقرار مشروع المنافسة من شأنه إجمالاً أن يفتح أبواباً موصدة في الدورة الاقتصادية والمالية من شأنها أن تصبّ في مصلحة المستهلك وتخفف الأعباء المعيشية عليه ولمصلحة إنهاء الاحتكار والتحكم وهو أمر اشتدّت الحاجة إليه بعدما ارتفعت الأصوات المطالبة به في أعقاب الانهيارات المالية والاقتصادية وبعد التلاعب بأسعار المواد الاستهلاكية المستوردة وخصوصاً الأدوية والتجهيزات الطبية.