Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر April 16, 2017
A A A
مسيحيون على درب الآلام
الكاتب: أسرار شبارو - النهار

أم طوني التي خطفها داعش، ناديا الأرملة وآخرون… مسيحيون على درب الآلام
*

“يا كافر أمامك يومان للهرب قبل أن تُذبح”.
عبارة غيّرت حياة نوأل من شاب حلم بمستقبل زاهر في بلده سوريا الى ناطور مبنى يسكن في غرفة لا تزيد مساحتها عن المترين في منطقة بادارو في لبنان. غصة وحسرة يعيشها ابن ضيعة تل شميرام التحتا وذنبه الوحيد كما قال انه” مسيحي – اشوري”.

قبل خمسة اعوام كان نوأل (45 عاماً) يرقد بسلام في منطقة صيدنايا التي قصدها للعمل، قبل ان يطرق شخص باب بيته بعد منتصف الليل، ويهدده بالذبح ان لم يغادر المكان، انتظر شروق الشمس، حمل أغراضه وقصد بلدته، ودّع أهله قبل السفر الى لبنان، لم يتوقع حجم المعاناة التي خبأتها له الأيام، وقال: “نحن كآشوريين نُغتال مرتين، الأولى بسبب مسيحيّتنا والثانية بسبب قوميتنا، ولهذا غزت داعش بلدتنا، أسرت والدتي ام طوني وشقيقي لأشهر قبل أن تعاود اطلاق سراح أمي العام الماضي مقابل فدية قيمتها 50 ألف دولار تم جمعها من قبل الكنائس في لبنان وأهل الخير، كما عاد شقيقي الى الحرية بعدها بشهر”.

منذ خمسة أشهر، تسكن أم طوني مع ولديها في غرفة في منطقة سدّ البوشرية وكما شرح نوأل: “وضعهم النفسي صعب، يرفضون الحديث عن مرحلة الأسر، رعب وخوف يبدو عليهم كلما سئلوا عن الايام التي امضوها تحت ظلم داعش، الشيء الوحيد التي اخبرتني اياه الوالدة ان التنظيم اراد ارغامها على الاسلام، لكنها اصرت ان تبقى على دينها حتى لو كلفها الأمر حياتها، كان جوابُها الوحيد لداعش انها خلقت على المسيحية وستموت عليها”. واضاف”من كثرة الضغط عليهم، اختفت ثقتهم بالناس، جميعنا نعيش اليوم في حالة ضياع، فقر وعوز لا نعرف للفرح عنوان، لا في الاعياد ولا غيرها، وكل ما اتمناه الآن مغادرة لبنان الى دولة اوروبية للبدء بحياة جديدة”.

آلام نادية
تهديدات مماثلة لكن هذه المرة من خلال أوراق كانت ترمى على باب منزل نادية سنار في بغداد، كتب عليها عبارات تشتمهم كونهم مسيحيين وتطالبهم بالمغادرة قبل ان تجز اعناقهم بالسكين، عن ذلك شرحت ناديا “عشنا اياماً صعبة، اصيب زوجي بالسرطان من كثرة الضغوطات، بعت أملاكي لمعالجته، أما الارهابيون فقد أحرقوا الشاحنة التي كان يعمل عليها”.

في مستشفى المقاصد في بيروت، بدأت رحلة علاج زوج ناديا قبل سفره الى المانيا لاجراء عملية، ولفتت سنار الى انه ” بعد 10 ايام من خضوعه للعملية توفي، كانت وصيته ان يدفن في العراق، دفعت ما تبقى من اموال لانفذ طلبه، وها انا اليوم على قيد الحياة”.

في منزل صغير في الدكوانة تسكن نادية مع ابنها صفاء رعد (25 سنة) وابنتها رنا(16 سنة) ولفتت ” مدخولي الوحيد هو راتب ابني الموظف في معمل والذي لا يكفي بدلا لايجار المنزل، اما باقي اولادي وعددهم ثلاثة فقد فرق القدر بيننا وها هم يعيشون في الخارج، اما انا فانتظر ان تتم الموافقة على طلب لجوئي الى اميركا علّي اعاود لقائهم ولو لمرة واحدة، كي اشعر فعلاً أن هناك عيد زارنا بعد سنين”.

غصة عائلة الصدي
آلاف العائلات هربت من براكين الموت في سوريا والعراق، لكل منها قصة، لكن ثمة رابط بين قصص النازحين، يتمثل في معاناة لم تنته مع الابتعاد عن شبح الموت المتنقل في بلادهم، فهم يواجهون شبحاً من نوع آخر، اتخذ صورة فقر وحرمان، منهم منصور الصدي ابن حمص الذي ترك بلدته وقصد لبنان. ويشرح منصور “أسكن مع عائلتي المؤلفة من ثلاثة شبان وثلاثة فتيات في بلدة القاع، أعمل في مجال الدهان، لأساعد والدي في تأمين اجار البيت، كوننا لا نستفيد من أية منظمة، وذلك كي نتمكن ان نعيش بكرامة الى حين عودتنا الى بلدنا”. وعن مرور الأعياد عليهم في لبنان، قال “لا عيد ونحن نازحون، أي فرحة سنشعر بها ونحن بعيدون عن وطننا واحبائنا”. بلدة القاع اللبنانية، تحتضن نحو 150 مسيحياً سورياً وبحسب رئيس بلديتها بشير حنا ” يسكن النازحون السوريون المسيحيون القادمون من قرية ربله بيننا، اوضاعهم جيدة، فرص العمل مفتوحة أمامهم فلا تمييز ضد احد منهم”.

حطة عبور لا أكثر
” 4500 عائلة كلدانية، 90 بالمئة منها عراقية والباقي سورية حطت رحالها في لبنان قبل أن تتمكن من السفر الى الخارج”، بحسب ما قاله المونسنيور رافاييل طرابلسي لـ”النهار” والذي اضاف “الكلدانيون في لبنان مشروع هجرة، لا احد سيبقى هنا، بسبب العذاب الذي يعانون منه على كل المستويات، فهم لا يعاملون من قبل الدولة كلاجئين بل كسواح، لذلك لا يستفيدون من الخدمات الصحية والاجتماعية كما لا يحق لهم العمل، ما يشكل ضغطاً على الكنيسة الكلدانية التي تحاول تأمين كل هذه الخدمات لهم”.

في حين أكد منسق الشبكة الآشورية لحقوق الانسان اسامة ادوارد لـ”النهار” أن “نحو 10 آلاف عائلة مسيحية من منطقة الجزيرة دخلت لبنان منذ العام 2011 هرباً من الوضع الأمني وعمليات الخطف التي تعرَض لها المسيحيون على يد الارهابيين”.

ولفت الى ان “الوجهة الرئيسية للعائلات الاشورية كانت بيروت وذلك لسببين اولاً كون لبنان هو العمق المسيحي لأشوريي سوريا، والسبب الثاني ان بيروت ستشكل منصة لانطلاقهم نحو دول اللجوء. أوضاعهم مزرية ونسبة قليلة منهم تعمل، أما الباقون فيعيشون على المساعدات التي تصلهم من أـقاربهم الذين سبقوهم الى الخارج، بالاضافة الى تقديمات بعض الجمعيات والكنائس”.

يعيش مسيحيو الشرق كل يوم جمعة الآلآم، على أمل أن ينتهي درب الجلجلة ويبدأون الحياة!