Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر April 4, 2018
A A A
مستقبل نساء داعش… أدوار إرهابيّة أكبر
الكاتب: جورج عيسى - النهار

خلال سيطرته على مساحة واسعة من الأراضي السوريّة والعراقيّة، عمد داعش إلى تدريب قسم من النساء على استلام بعض المناصب الرقابيّة فشكّل فِرقاً خاصّة منهنّ أوكل إليها مهامّ داخليّة متفرّقة. على سبيل المثال، برزت “كتائب الخنساء” التي اهتمّت بمراقبة التزام النساء بالأحكام التي أصدرها التنظيم داخل دولته المفترضة. شكّلت “كتائب الخنساء” بشكل أو بآخر “الشرطة الدينيّة” (الحسبة) داخل داعش، حيث تولّت نساؤها معاقبة اللواتي لم يلتزمن بقواعد التنظيم. ومن جملة ما تضمّنته أحكامه منع النساء من مغادرة المنازل وحدهنّ، تحريم ارتدائهنّ الكعب العالي، فرض ارتداء جلباب باللون الأسود فقط، وغيرها من الفروض المطلقة. لم يكن الجلد العقوبة الوحيدة التي فُرضت على المخالفات، إذ تضمّن العقاب استخدام عضّاضات حديديّة يحمل قسم منها أسناناً سامّة بحسب بعض التقارير.

داعشيات في كتائب الخنساء – الصورة عن الإنترنت

لكن سرعان ما سيتغيّر دور النساء في العصر الذي سيلي الانهيار الميدانيّ والتنظيميّ لداعش. وإذا كانت مهمّة هؤلاء تتشكّل أساساً في رقابة ومعاقبة من يراهنّ التنظيم كمخالفات لقوانينه الخاصّة، فإنّ تلك المهمّة ستتغيّر بطبيعة الحال في عصر ما بعد الهزيمة الكبيرة. لم يعد هدف داعش اليوم إعطاء النساء لواءً كاملاً لهنّ كما كان الحال مع “كتائب الخنساء” لأنّ الهمّ لم يعد تنظيميّاً بل انتقاميّاً. لذلك، ومنذ بدت الهزيمة حتميّة، بدأ داعش في الربع الأخير من السنة الماضية يدعو نساءه إلى المشاركة في القتال.

“غير مسبوق”
وذكرت صحيفة “الإندبندنت” البريطانيّة في تشرين الأوّل الماضي، أنّ التنظيم الإرهابيّ دعا “لأوّل مرّة” النساء إلى شنّ هجمات إرهابيّة بعدما كان يحضّهنّ فقط على الزواج من مقاتليه وزرع أفكاره في أولادهم. وإن شكّلت دعوة داعش “أمراً غير مسبوق” في هذا الإطار كما قال للصحيفة نفسها الباحث البارز في المركز الدوليّ لدراسة التطرّف والعنف السياسيّ شارلي وينتر، إلّا أنّ تنفيذ النساء للعمليّات الإرهابيّة بدأ قبل ذلك. في تمّوز الماضي، قامت امرأة تحمل طفلاً بتفجير نفسها على أحد الحواجز، ممّا أدّى إلى مقتلها وطفلها على الفور وجرح جنديّين عراقيّين. وكانت المرأة تخرج من الموصل كواحدة من الهاربين من المعارك قبل تفجير نفسها.

صورة التُقطت في أيار 2016 لمقاتلتين كرديتين تتدربان استعداداً للمعارك ضد داعش – “أ ب”

ليست الخسارة هي وحدها ما فرض التغيير على أساليب عمل داعش ودراسته لكيفيّة تحويل المرأة إلى الأداة الفضلى لتحقيق أهدافه. في دراسة أطلقها “المركز الهولّنديّ الدوليّ لمكافحة الإرهاب”، خلص عدد من الباحثين المتخصّصين في شؤون الإرهاب سنة 2016 إلى أنّ نسبة 17% من مقاتلي 11 دولة أوروبّيّة ممّن انضمّوا إلى داعش هي من النساء. هذه الدول الإحدى عشرة تشكّل 80% من مصدّري المقاتلين الأجانب إلى التنظيم الإرهابيّ في العراق وسوريا. وبالتالي، من بين خمس مقاتلين أوروبّيّين انضمّوا في فترات سابقة إلى داعش كانت هنالك امرأة من بينهم كمعدّل عام تقريبيّ. بناء على ذلك، كان على التنظيم أن يستفيد بشتّى الطرق من وجود 20% من النساء المنضويات في صفوفه، بحسب الظروف المفروضة عليه: بداية عبر تشكيل فرق نسائيّة كاملة في الشرطة الدينيّة ولاحقاً عبر حثّهنّ على القتال في أراضيه ثمّ في الغرب. لكنّ الاستراتيجيّة الجديدة لداعش لم تقتصر على الطلب أو الحضّ فقط.

تدريب
مع اقتراب التنظيم من نهايته المحتومة، راح مقاتلوه يدرّبون النساء على إطلاق العمليّات الإرهابيّة في الدول الغربيّة. ففي كانون الثاني الماضي، نقل موقع “أن أل تايمس” الهولندي عن صحيفة “هيت لاتست نيوز” البلجيكيّة إشارتها إلى حصولها على نسخة من محضر تحقيق أجراه جنود أميركيّون مع إرهابيّ بلجيكيّ ألقت قوّات سوريا الديموقراطيّة القبض عليه في آب. واعترف الإرهابيّ بأنّ التنظيم درّب النساء على أن يصبحن إرهابيّات مضيفاً: “لقد تعلّمن كيفيّة التعامل مع المتفجّرات، وبعدها تمّ تحضيرهنّ للسفر إلى أوروبّا من خلال تركيا”. كما ذكر استخدام داعش لثلاث نساء في هذا المجال، واحدة هولّنديّة واثنتان بلجيكيّتان. وهذا يعني أنّ العبء الملقى على الأجهزة المخابراتيّة سيتضاعف مع عدم حصر التركيز على العائدين من ساحات القتال وفقاً لتقسيم جندريّ واحد. هواجس أمنيّة كهذه ستزيد أيضاً من تعقيدات عمليّات جمع المعلومات والتعقّب والاعتراض وربّما عمليّات التصفية.

خطورة الانحياز المسبق
يرى ثلاثة باحثين متخصّصين في شؤون الأمن والتطرّف ضمن دراسة أصدرها اليوم الثلاثاء موقع “وور أون ذا روكس” الأميركي أنّ دور نساء داعش المستقبليّ يفرض أيضاً على الأجهزة المخابراتيّة ألّا تقع ضحيّة انحياز تحليليّ مسبق مفاده أنّ هؤلاء قد وقعن في شباك داعش عن بساطة قلب. فلو تمكّنت داعشيّات من الوصول بسلام إلى أوروبّا التي يفيد الباحثون بأنّ بعضاً من دولها لا يجرّم مجرّد السفر إلى سوريا والعراق، فسيكون بإمكانهنّ تشكيل خطر كبير داخل القارّة العجوز. وقد يعمد التنظيم إلى تشغيلهنّ ضمن شبكاته العنكبوتيّة أو كمجنّدات أو كمخطّطات أو حتى كعميلات ميدانيّات.

وفقاً لصحيفة “هيت لاتست نيوز” البلجيكيّة، كان هنالك امتعاض لدى إرهابيّي داعش من صور نساء حملن علناً بنادقهنّ الحربيّة لكي يطلقن التهديدات ضدّ الغربيّين. فهذا هو دور تقليديّ للمقاتلين داخل التنظيم.
لكن ليس لدى قيادة داعش ما يظهر احتفاظها بتوزيع مبدئيّ صارم للأدوار الحربيّة داخل صفوف التنظيم بمقدار ما هو توزيع وفقاً لمقتضيات الظروف المتغيّرة. ولهذا ليس مستبعداً أن يولي التنظيم النساء أدواراً أكبر ضمن العمليّات الإرهابيّة في المستقبل القريب.