Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر November 3, 2019
A A A
مساحات اللجنة الدستورية
الكاتب: مازن بلال - الوطن السورية

تقدم الولادة العسيرة للجنة الدستورية تصوراً واضحاً حول مستقبلها، فهي لا تشكل محطة توافق سوري بقدر كونها تحديداً لنوعية التناقض الذي خلفته الأزمة، وبقي خارج المساحة السياسية ولم يولد شكلاً من العلاقات التي تعيد طرح رسم المستقبل السوري من جديد، فالأزمة التي بدأت قبل أكثر من ثماني سنوات لا يمكن تبسيطها إلى عوامل يتضمنها الدستور الجديد، وفي الوقت نفسه فإن الوصول إلى نقطة الدستور تتطلب على أقل تقدير مساحة سورية مختلفة؛ تبدأ من قراءة مختلفة لنوعية المصالح داخل المجتمع السوري بالدرجة الأولى.
بالتأكيد فإن انعقاد اللجنة ولو لم يشكل بداية مؤسسة لحل الأزمة، لكنه رغم كل الظروف التي أحاطت بتعيين المجموعات الثلاث التي اجتمعت في جنيف؛ يطرح إطارا أوليا للبنية السياسية القادمة، فسواء تعثر تقديم دستور جديد أو سارت الأمور بشكل اعتيادي، فإن التأثيرات السياسية ستبقى محصورة ضمن الكتل الثلاث التي اجتمعت في جنيف، وهي عاجلاً أم آجلاً ستكتسب مشروعية بناء هيكلية سياسية داخل المجتمع، فمجموعة «المعارضة» لا تعبر من خلال اجتماعات اللجنة عن تصوراتها فقط، بل ستضع أيضاً حدود شكل «المعارضة السياسية» مستقبلاً، وخصوصاً أنها منذ انطلاق المفاوضات في جنيف قبل عدة أعوام، تريد رسم آليات احتكار سياسي إن صح التعبير لممارسة الشأن العام.
في المقابل فإن الوفد المعبر عن التوجه السوري الرسمي لديه نموذجه الخاص، ومهما كانت نوعية التعديلات التي يمكن أن يطرحها الدستور القادم، فإن نموذج هذه الكتلة سيبقى محتفظاً بتصوراته التي نتجت بمعظمها خلال الأزمة، وتبلورت عبر آليات من الصراع المستمر والعنيف الذي خلق تحالفات وعلاقات تملك ترابطا ربما تفتقده «مجموعة المعارضة»، والمفارقة هنا أن هاتين «المجموعتين» تشكلان طوال السنوات الماضية طرفي الأزمة، على حين يصعب فهم الموقع الثالث للكتلة التي تم إدخالها إلى اللجنة الدستورية، فحتى تسميتها بقيت هائمة في الإعلام لأنها لا تملك موقعاً واضحاً داخل الحدث السوري.
عملياً فإن الصورة المبدئية للبنية السياسية السورية وفق شكل اللجنة الدستورية تقوم على تصور دولي كلاسيكي في حل الأزمات، فهناك كتلتان عليهما إيجاد توافق بينهما لكن المشكلة أن كتلة المعارضة لا تملك تجانسا وهي تعاني من أمرين:
– الأول أن طيفها يتسع لاتجاهات سياسية متضاربة.
– الثاني عدم امتلاكها للجغرافية فأغلبها ظهر على هامش الأزمة خارج سورية.
ويوضح الأمران السابقان ضرورة وجود الكتلة الثالثة التي أطلق عليها في بعض التقارير «المجتمع المدني»، ويتم الرهان عليها كي تشكل نقطة توازن بين الطرفين السابقين، ومساحة عبور بينهما في حال التعثر وعدم الوصول إلى توافقات، فهي مجموعة «غير سياسية» ولو بشكل افتراضي، وخاضعة لتجاذبات الكتلتين السابقتين، وفي خلفية إيجادها إرث من الجهد الذي قدمه المبعوث الأممي السابق إلى سورية ستيفان دي ميستورا، عبر غرفتي المجتمع المدني والنساء اللتين كانتا تأسيساً لإدخال قوى جديدة على مساحة الأزمة السورية.
وفق البنية السابقة، علينا توقع دستور يمنح لمجموعة المعارضة تصفية حساباتها الداخلية كي تنتج تحالفا أقوى، في المقابل فإن المواد الدستورية عليها الحفاظ على قوة الترابط للكتلة الداعمة للتوجه الرسمي السوري، وفي النهاية فإن المجموعة الثالثة تبقى إشكالية لأنها أمام خيارين: فإما أن تبقى ضمن النطاق المرسوم لها حالياً وإما تنتقل لتطرح حالة نوعية مختلفة، فهي ليست كتلة لكنها تملك هامشاً لتصبح «مولدة السياسة» ليس عبر مواد دستورية، بل من ديناميكية وجودها خارج التكوين التقليدي للأزمة الذي قسم الواقع السياسي بالشكل الذي نراه اليوم.