Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر December 26, 2019
A A A
مرض غامض أصاب الملايين بعد الحرب العالمية الأولى وجعلهم تماثيل حيّة لسنوات
الكاتب: عربي بوست

في عشرينيات القرن العشرين، أودى وباء غريب بحياة حوالي مليون شخص، وترك ما يقرب من أربعة ملايين آخرين في حالة بدت وكأنها حالة إغماء استمرت لعقود، كانوا أثناءها عاجزين عن التحدث أو حتى الحركة.

 

كانوا أشبه بتماثيل حيّة
ظل هؤلاء المرضى على هذا الحال لعقود، حتى «أيقظتهم» تجربة طبية في أواخر الستينيات، غيرت التجربة المعروفة باسم «الإيقاظ» فهمنا للحالات العصبية، وأحدثت ثورة في رعاية المرضى، فما هو هذا الوباء؟

منذ عام 1917 وحتى عام 1927، انتشر الوباء الغريب في جميع أنحاء العالم بعد الحرب العالمية الأولى مباشرة، وكان يهاجم المخ ليترك الضحايا عاجزين عن الكلام والحركة.

وحسب هيئة الإذاعة البريطانية (BBC Mundo) وُصفت أعراض المرض بأنها «حمى، ورعاش، وضعف جسدي شديد، ويصيب الأفراد الأكبر من 25 عاماً، وخاصة في أوقات البرد، ويمكن أن يؤدي إلى الوفاة بسبب الالتهاب الرئوي المزمن».

في بدايات القرن العشرين التي كانت أيضاً أولى فترات التعامل مع علم الأعصاب كاختصاصٍ علميّ، كان يُطلَق على هذا المرض التهاب الدماغ النُّوّامي أو «مرض النوم»، وكان أدق من كَتَب مخطوطات عن هذا المرض هو النمساوي كونستانتين فون إكونوميكو، بأن «مَن بقي على قيد الحياة ظل محبوساً في الزمن، محاصراً في أجساد ليس بها حياة على مدى أعوام».

 

«هل يعيشون داخل أجسادهم؟»
في عام 1966، وصل أوليفر ساكس، وهو طبيب أعصاب بريطاني شاب، إلى مسشفى بيث أبراهام، بنيويورك، وهناك كان عشرات المرضى المصابين بالتهاب الدماغ النُّوّامي.

كثير من المرضى كانوا في حالة جمود تامة، وبدأ ساكس بمراقبة مرضاه الجدد ولاحظ وجود أنهم في حالة إدراك… خاصة عندما عزفت إحدى المساعدات في المستشفى على البيانو للمرضى.

 

معجزة
بدأ أوليفر ساكس تجربة بدواء جديد يستخدم لعلاج المصابين بمرض باركنسون «وهو مرض اضطراب في الجهاز العصبي يصيب بالشلل»، إذ اعتبر أن هذه الأعراض هي شكل متطرف من مرض باركنسون، لذا أعطاهم عقار ليفودوبا، وكانت الآثار مثيرة.

يقول ساكس: أمضت واحدة منهم عقوداً في حالة جمود واستيقظت في ثوانٍ، قفزت من على الكرسي وبدأت في التحدث وكأن آخر مرة تحدثت فيها كانت من ثوان وليس عقوداً، كان مشهداً لا يصدّق وبدا الأمر وكأنه معجزة

كثير من هؤلاء الأشخاص أصيبوا بمرض النوم وهم أطفال، واستيقظوا وهم بالغون في منتصف العمر وفي عالم مختلف كلياً.

وحين حاولوا استيعاب الوقت الذي مر عليهم كان الشيء أشبه بالصدمة النفسية، فبعضهم كانوا يشعرون بالمرارة لأنهم فقدوا وقتاً طويلاً (من حياتهم)، لكن معظمهم أرادوا عيش كل لحظة متبقية لهم.

شعر ساكس بمسؤولية كبيرة تجاههم، لكنه بدأ في توجيه التساؤلات لنفسه عما إذا كان فعل شيئاً صحيحاً أم لا.

 

نهاية السحر
لم تدُم النشوة سوى لوقت قصير. بدأ عقار ليفودوبا يفقد تأثيره، فبعد بضعة أسابيع، توقف الدواء عن العمل مع بعض الحالات وبدأت صحة مرضى الدكتور ساكس في التدهور.

خلال ذلك الاستيقاظ القصير، شجع ساكس مرضاه على وصف كيف كان العيش في عالم دون حراك، وفيما بعد، كانت شهاداتهم ثمينة جداً في فهم العديد من الأمراض العصبية.

 

ظلّت الموسيقى حلاً
أظهرت الأبحاث اللاحقة أن العلاج بالموسيقى يمكن أن يُحسّن ويساعد في إصلاح تلف الدماغ، لأن الموسيقى معقدة للغاية -نغمة وإيقاع وأنماط معقدة من الأصوات تحدث في وقت واحد- وعليه فإن المخ وأثناء الاستماع إلى لحنٍ ما، تجد العديد من شبكاته مثارة وتتشارك هذه الشبكات في أشكال أخرى من الوظائف الإدراكية.

نشر أوليفر ساكس العديد من الكتب، بما في ذلك كتاب بعنوان «Awakenings» أي «اليقظة»، شرح فيها تجربته مع هذا المرض النادر، قبل أن يتوفى في عام 2015.