Beirut weather 19.1 ° C
تاريخ النشر August 23, 2017
A A A
مرحلة سياسية جديدة تطرق الأبواب
الكاتب: حسين زلغوط - اللواء

تؤكد التطورات الميدانية التي تُرصد في جرود رأس بعلبك والقاع بأن إعلان الجيش اللبناني الانتصار على تنظيم «داعش» في هذه المنطقة بات في قبضة اليد، بعد ان اشتد الخناق على عناصر هذا التنظيم في الساعات الماضية.

وإذا كان الجيش قد حقق انتصارين في هذه المعركة الأولى في الميدان، والثانية على مستوى الالتفاف الوطني الذي فاق المعهود حوله فإن السؤال الذي يطرح نفسه ماذا بعد الجرود بشقّيه العرسالي والقاعي؟

لا شك ان مرحلة جديدة ستبدأ على كافة المستويات لا سيما السياسية منها بعد ان افرغ الجيش الخزان الارهابي الذي كان يتهدد لبنان، وهذه المرحلة تتطلب تعاطياً مختلفاً بين كافة القوى اللبنانية وعلى وجه الخصوص الحكومة التي يقع على عاتقها تحصين هذا الإنجاز الوطني الكبير من خلال وضع الأولويات التي يتحتم عليها مقاربتها على كافة الصعد، مع ابرازها التضامن بين مكوناتها لإتمام هذه المهمة الضرورية في ظرف شديد الخطورة حيث ان المخاطر لن تنتهي مع القضاء على «داعش»، فما يجري في المنطقة وما يمكن ان يكون له من ارتدادات على لبنان لا يقل خطورة عن تلك التي كان يشكلها وجود العناصر الإرهابية على حدوده الشرقية، وبالتالي فإن هذه المرحلة الحسّاسة تتطلب ان تكون العلاقة السياسية بين مكونات أهل الحكم في لبنان إن على مستوى رئاسة أولى أو مجلس نيابي أو حكومة سليمة وخالية من أية شوائب لا بل على هؤلاء الذهاب إلى تحصين الداخل اللبناني ليس على المستوى السياسي وحسب بل على المستوى الأمني والاقتصادي والاجتماعي أيضاً.

فإذا كان الجيش اللبناني الذي أزاح من امام السلطة السياسية عبئاً كبيراً كان يمثله الواقع الأمني من خلال خوضه معركة مصيرية استطاع فيها ان يضع النصر ليس للمؤسسة العسكرية بل لكل لبنان، فإن على الحكومة ان تلاقي هذا الإنجاز الكبير بمقاربة حقيقية وجدية للملفات المطروحة وما أكثرها ونوجز منها إعادة إصلاح بعض الشوائب في سلسلة الرتب والرواتب، وكذلك معالجة قانون الانتخاب الذي يتطلب الكثير من التوضيحات كونه ما زال غير مفهوم لدى بعض السياسيين وعامة الشعب مما يُهدّد اجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وإضافة إلى ذلك معالجة الكهرباء التي تمتص أموال الخزينة حيث أعلن الرئيس سعد الحريري في معرض رده على النواب في جلسة المناقشة العامة ان تكلفة الكهرباء إلى الآن بلغت 30 مليار دولار وهو رقم مخيف بالنسبة لبلد مثل لبنان يرزح تحت مديونية فاقت السبعين مليار دولار.

وفي المقلب الآخر يحتم انتصار «الجرود» على القوى السياسية إزاحة الإشكالات الداخلية حيال الكثير من المواضيع السياسية لا سيما منها العلاقة مع سوريا إذ لا يجوز ان يبقى الموقف اللبناني مبعثراً حيال هذا الموضوع ويستخدم منصة لهذه القوى للتراشق في ما بينها، علماً أن بعض الوزراء يعدون العدة لزيارة دمشق مجدداً، بصفتهم الوزارية وليس الشخصية وربما يتعمدون ان ترافقهم في هذه الزيارة وفود إعلامية، وفي موازاة ذلك فإن الواقع اللبناني يحتم ان يكون لبنان على علاقة جيدة مع محيطه العربي لا سيما مع بعض الدول الخليجية التي وقفت مع لبنان في احلك الظروف، وهذا الأمر ربما يترجم اليوم في اللقاء المرتقب بين وزير الخارجية جبران باسيل والسفير الكويتي عبد العال القناعي، حيث من شأن هذا اللقاء ان يزيل بعض الإشكالات التي ظهرت بين لبنان والكويت على خلفية ما بات يعرف بخلية العبدلي.

وفي هذا السياق، تؤكد مصادر سياسية ان إنجاز النصر على «داعش» لا يجوز ان يجعلنا غافلين عن المخاطر الأخرى، فهناك خلايا إرهابية نائمة بالرغم من العمل الجبار التي تقوم به الأجهزة الأمنية وفي مقدمهم الأمن العام في كشف هذه الخلايا واعتقال العديد من عناصرها وتضييق الخناق عليها بشكل يجعلها محدودة الحركة وغير قادرة على تنفيذ مهام أمنية ضد لبنان، ولأن الواقع كذلك ترى المصادر وجوب تحصين الساحة الداخلية على كافة الصعد، بحيث تتم معالجة الملفات بعيداً عن الكيد السياسي والنكايات، وكذلك تأمين الدعم اللازم للمؤسسة العسكرية وعدم الاكتفاء بالمواقف السياسية المؤيدة لضباط وعناصر هذه المؤسسة التي تحتاج بعد ان تضع حرب «الجرود» أوزارها المزيد من الدعم للحفاظ على موقعها المتقدم في مواجهة المخاطر الداخلية وعلى الحدود.