Beirut weather 14.1 ° C
تاريخ النشر December 5, 2022
A A A
مدى دستورية انعقاد مجلس الوزراء في ظل حكومة مستقيلة؟
الكاتب: المحامي د. إبراهيم أسامة العرب - اللواء

 

 

في الفترة الواقعة بين استقالة الحكومة أو عدّها مستقيلة وبين تشكيل الحكومة الجديدة، لا يمكن لعجلة الدولة أن تتوقف لتحقيق مصالح أو مطامع حزب أو آخر، ولذلك تبقى الوزارة المستقيلة مولجة بتصريف الأعمال. ولذلك فإن التعديل الدستوري الأخير نص صراحة في المادة ٦٤ من الدستور على أنه لا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة، ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال.

ذلك أن زوال المسؤولية هو الذي يحدد نطاق الأعمال العادية، التي يوكل إلى الوزارة المستقيلة تصريفها، إذ أن السماح بتجاوز نطاق هذه الأعمال، يؤدي إلى قيام حكومة غير مسؤولة بأعمال تخضع للمسؤولية، مع ما يترتب من مخالفة أحكام الدستور وقواعد نظام الحكم التي يعتمدها.
الأمر الذي يثير التساؤل عما إذا كان الرئيس نجيب ميقاتي قد تجاوز حدود القواعد الدستورية عندما دعا إلى انعقاد مجلس الوزراء لحل ملف المستشفيات والبت بأمور أخرى؟
بداية يجب التفريق في تحديد نطاق الأعمال العادية بين الأعمال الإدارية وبين الأعمال التصرّفية. وفي الأعمال التصرّفية بين العادي منها وبين الاستثنائي، كما يجب أن يصار خلال النظر إلى تصريف الأعمال إلى مدى الحرص على المصالح العامة من مادية وسياسية واجتماعية، لا بل في طليعتها الصحية.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الأعمال العادية تنحصر مبدئياً في الأعمال الإدارية، وفي الأعمال اليومية التي تعود إلى الهيئات الإدارية إتمامها، ويتعلق إجراؤها في أكثر الأحيان على موافقة هذه الهيئات، كتعيين الموظفين ونقلهم، وتصريف الأعمال الفردية التي لا يخرج بطبيعته عن نطاق الأعمال العادية، الأعمال التصرّفية التي ترمي إلى إحداث أعباء جديدة أو التصرف باعتمادات مهمة، أو إدخال تدبير جوهري على سير المصالح العامة وفي أوضاع البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية تحت طائلة المسؤولية الوزارية. فلا يجوز لحكومة الرئيس ميقاتي المستقيلة من حيث المبدأ، أن تقوم بها، لأن من شأن هذه الأعمال إلزام مسؤولية الحكومة أمام مجلس النواب، وإن السماح لحكومة مستقيلة غير مسؤولة بإجرائها، يؤدي إلى ضياع المسؤولية عنها.
ولكن يستثنى من الأعمال التصرّفية التي تخرج عن نطاق الأعمال العادية، التدابير الضرورية التي تفرضها ظروف استثنائية تتعلق بالنظام العام، وأمن الدولة الداخلي والخارجي، وكذلك الأعمال الإدارية التي يجب إجراؤها في مهل محددة في القوانين تحت طائلة السقوط والإبطال. وما يبرر السماح للحكومة المستقيلة بالقيام بهذه الأعمال، ليس نطاق الأعمال العادية الموكل إليها تصريفها، وإنما الحرص على سلامة الدولة وأمن المجتمع وسلامة التشريع. وفي هذه الحالات تخضع تدابير الوزارة المستقيلة، وتقدير ظروف اتخاذها، إلى رقابة القضاء الإداري بسبب فقدان الرقابة البرلمانية وانتفاء المسؤولية الوزارية.

وهذا ما يتوافق مع اجتهاد مجلس شورى الدولة، لا سيما القرار ٦١٣ الصادر بتاريخ ١٧ كانون الأول ١٩٦٩، والذي اعتبر أن الحدود التي سبق أن أشرنا إليها تحدّد وتصنّف الأعمال العادية الداخلة في صلاحيات الوزارة المستقيلة، والأعمال التصرّفية التي لا تقضي بها العجلة والمصلحة العامة، والتي لا يجوز للوزارة إجراؤها.
والاجتهاد المستقر لمجلس الشورى مستوحى من الاجتهادات المتعددة لمجلس الدولة الفرنسي، والفقه الغالب في فرنسا الذي يعتبر:
‏Dès le renversement le cabinet n’a plus aucune capacité juridique ou politique à prendre des décisions, il doit se borner à expédier les affaires courantes, c’est-à-dire à assurer la continuité de l’Etat pour la solution des problèmes en cours.
‏(V. François Luchaire, La Constitution de la République Française, Economica, Paris, 2ème éd. 1987, p.977).
وبالتالي، تكون دعوة الرئيس ميقاتي لانعقاد جلسة مجلس وزراء في محلها القانوني، لا سيما انها تدخل في مفهوم معالجة حالات الضرورة، ودائماً تحت رقابة القضاء الإداري. وهذه الحالة ليست جديدة في الحياة السياسية والدستورية اللبنانية، فلقد سبق لحكومة الرئيس رشيد كرامي المستقيلة عام ١٩٦٩ أن مارست كل أعمالها، وفي بعض الأحيان في اجتماع مجلس الوزراء، بغية اتخاذ قرارات عاجلة.

وختاماً، فإن الدستور فرض على الحكومة أن تتولى تصريف الأعمال، والمقصود بالحكومة مجلس الوزراء كهيئة جماعية، لا مجموع أعضائه كل بمفرده، لا سيما أن الدستور ميّز بين الحكومة كهيئة جماعية ومجموع أعضائها في المادتين 64 و66 من الدستور، ففي المادة 64 خاطب المشرّع الدستوري الحكومة مباشرةً وفي المادة 66 خاطب الوزراء، وذلك عندما نص على وجوب أن يتحمل الوزراء إجمالياً تجاه مجلس النواب تبعة سياسة الحكومة العامة، وهذا ما يزيدنا قناعة بدستورية دعوة الرئيس ميقاتي لعقد اجتماع مجلس الوزراء للبت بالملفات الملحّة والضروريّة التي تصب في الصالح العام.