Beirut weather 19.1 ° C
تاريخ النشر March 4, 2017
A A A
مخيّم عين الحلوة.. مرحلة صعبة ونار تحت الرماد
الكاتب: الأفكار

اشتعل مخيم عين الحلوة قصفاً وقنصاً وترهيباً، بين التنظيمات في داخله وبالتحديد بين حركة فتح وفصائل أصولية مُتشددة تتخذ من المخُيّم مقراً لها وتعمل لحساب أجندات خارجية أبرزها تنظيم داعش. وقد اندلعت الاشتباكات بالتزامن مع زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس للبنان، الأمر الذي اعتُبر تشويشاً مُفتعلاً من قبل الجماعات المُتشددة على هذه الزيارة خصوصاً وأنها تضمنت في جدول أعمالها البت بمصير المخيم ومنح الدولة اللبنانية تفويضاً كاملاً بالتصرّف مع كافة المجموعات الخارجة عن القانون.

أسباب الفلتان الأمني
ينقسم مخيم عين الحلوة إلى أربعة عشر جزءاً، يتقاسم فيها النفوذ عدد من الفصائل الفلسطينية والتنظيمات المسلحة والاسلاميين، ومع هذا التوزيع، تستمر الخلافات والتصفيات بين الأطراف المتصارعة فكرياً وعقائدياً في المخيم الذي يعيش على وقع الاهتزازات الأمنية بين الحين والآخر وتحت وطأة العنف والقتل والمعارك غير المحدودة لا شكلاً ولا مضموناً. وهذا ما حصل بالفعل مع نهاية الاسبوع الماضي، حيث دارت اشتباكات عنيفة توزّعت على عدة محاور بين عناصر من حركة فتح وآخرين من مجموعات إسلامية متشددة على محور الصفصاف – البركسات، وأدت إلى سقوط قتلى وجرحى بالإضافة إلى ترويع السُكّان الآمنين الذين نزحوا باتجاهات مُختلفة، إما نحو العاصمة بيروت وتحديداً باتجاه المخيمات، وإما صوب العمق الجنوبي وخصوصاً مخيمات صور.
والحديث حول أسباب اندلاع الاشتباكات في عين الحلوة يقودك تلقائياً بحسب أبنائه، إلى أن سبب تردي الوضع بين فترة وأخرى واشتداد المعارك، يعود إلى وجود تراخ ملحوظ تجاه الجماعات المتشددة التي ثبّتت العديد من المواقع الاسمنتية واستحدثت مربعات أمنية داخل المخيم تمنع الدخول إليها إلا بموجب بطاقات أو استمارات تُعرّف عن هوية أصحابها وأماكن سكنهم. ومن المعروف أن هذه الجماعات تقوم بأعمال تخريبية، ولها دور بالتواصل مع تنظيم داعش في محافظة الرقة في سورية وتقوم باغتيالات وأعمال تزوير، وتأمين الأمور اللوجستية، وتجهيز الانتحاريين بالأحزمة الناسفة. ولذلك فإن معظم السكان يعتبرون أن التراخي مع هذه الجماعات جعلها تتمادى كثيراً في ترويع المخيم وتهديد الاستقرار والإساءة إلى العلاقة مع الجوار، من دون وضع حد لها.

تضارب التوجهات بين فتح والمتشددين
في كل مرة تخرج فيها تصريحات على لسان قادة من حركة فتح، تؤكد فيها وقوفها إلى جانب الشرعية اللبنانية، ينقلب حال مُخيم عين الحلوة من سيّئ إلى أسوأ، إذ سرعان ما يفرض الفلتان الأمني نفسه على الأرض وينقلب الوضع الهادئ، إلى معركة تُستعمل فيها الأسلحة المتوسطة والصاروخية، ينتج عنها ضحايا أبرياء. وفي ظل هذا التدهور المُستمر وتحديداً مع اشعال فتيل المعركة الاخيرة من قبل المُتشددين، خرج اللواء منير المقدح بتصريح شديد اللهجة قال فيه: إذا لم ينجح تشكيل القوة الامنية بمشاركة كلّ الفصائل خلال الـ 48 ساعة المقبلة، فسيتم حسم الوضع الامني داخل مخيم عين الحلوة من قبل حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية ومن يريد ان يشاركها. وقد لاقى تصريح المقدح، ارتياحاً واسعاً وترحيباً من الدولة اللبنانية التي تعتبر ان فتح هي الجهة التي تُمثل السلطة الفلسطينية في لبنان، والتي يتم التعامل معها كمنظمة شرعية تُمثل الفلسطينيين في الشتات.
في مقابل الشرعية او المظلة التي تحظى بها حركة فتح على الصعيد السياسي في لبنان، هناك جزم بأن مجموعات متشددة من الخارج، بدأت بالدخول إلى مُخيم عين الحلوة خلال الاسابيع الماضية، وبدأت هذه المجموعات بعقد لقاءات مُكثفة مع تنظيمي جند الشام وفتح الإسلام بقيادة أسامة الشهابي وبلال بدر وهيثم الشعبي الذين هم على تواصل دائم مع قيادة داعش في الرقة. ومن جملة ما تقوم به هذه المجموعات، إغلاق مناطق نفوذهم بشكل مُحكم مع منع بقية الفصائل من الدخول اليها، حماية المطلوبين للقضاء اللبناني، التحضير للبدء بالدعوة الى الجهاد وإلى اعلان حالة الطوارئ تمهيداً لإعلان دويلتهم الخاصة داخل المخيم. وقد تزامنت هذه المعلومات مع اخبار تتعلق بوضع خطة لاستقطاب شباب المخيم ضمن حلقات دينية وتدريبية شبيهة بالتجنيد العسكري.

حمود: هؤلاء يجب استئصالهم
في اليوم الثاني لاندلاع الاشتباكات في عين الحلوة عُقد اجتماع في السفارة الفلسطينية في بيروت ضم مسؤول المخابرات في الجيش اللبناني العميد خضر حمود وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح المشرف العام على الساحة الفلسطينية في لبنان عزام الأحمد، والسفير الفلسطيني اشرف دبور للبحث عن حل للمخيم الذي أخذ منحى خطراً بفعل تمدد هذه الجماعات التي تحاول فرض أمر واقع على المخيم، من دون حسم هذه المشكلة. وبحسب التسريبات، أن حمود أكد خلال الاجتماع انه لا يجوز إدارة الظهر للمشكلات التي تتفاقم فيما الناس داخل المخيم تعيش حال قلق بسبب الفلتان والفوضى السائدة. وحين قدم ممثلو الفصائل الفلسطينية مذكرة ببعض الاسماء التي يتم التداول بها بقوة في المخيم، وضعها حمود جانباً وقال لهم: هؤلاء يجب استئصالهم، انهم يخطفون المخيم ويهددون  من يقيم فيه.
لكن وعلى الرغم من هذا التوتر الذي لم يعد يُعتبر مُفاجئاً في ظل الأوضاع المتهورة في عين الحلوة، ثمة من يعتقد بأن الوضع في الداخل لا يزال تحت السيطرة وان هناك استبعاداً كاملاً لحصول تطور خطير في المدى المنظور، لكن من دون الاعراب عن خشية فعلية من تطور الأوضاع، لاسيما أن المتشددين داخل المخيم، يتحركون على وقع التصعيد الحاصل في سوريا بين النظام وحلفائه من جهة، وبين بعض الفصائل المسلحة من جهة اخرى. وفي السياق نفسه، يعتبر سكان عين الحلوة أن فرداً واحداً من هؤلاء المتشددين، يُمكن له أن يورط المخيم في إشكال كبير حتى ولو كان يوجد متابعة لكافة التحركات التي تحصل على أرض الواقع من قبل الاجهزة الامنية اللبنانية وبعض الفصائل في الداخل.
أما أبرز ما يُمكن استنباطه من آراء سكان عين الحلوة، هو تأكيد معظمهم على أن ثمة معلومات يتم الحديث بها، تُفيد عودة التداول باسم قائد الكفاح المسلح الفلسطيني سابقاً العميد محمود عبد الحميد عيسى المعروف ب (اللينو)، وأنه سيبرز بشكل لافت في الفترة المقبلة في إطار متابعة هذا الموضوع. ويعتبرون أن ظهوره قد لا يكون بشكل علني، لكن الجميع يعلم بأن هذا الرجل هو الأكثر قدرة على معالجة هذه الظواهر داخل المخيم، لاسيما بعد النجاح الذي حققه في السابق على هذا الصعيد. كما وانه معروف عنه، كرهه الشديد للحركات الأصولية المتشددة.

أنفاق تصل مخيم عين الحلوة بالخارج
في ظل الوضع المأزوم، كان لافتاً استعادة موضوع بناء الجدار عند حدود المخيم. وفي هذا السياق فقد برزت معلومات تشير الى ان هذا الجدار كان أقيم حول المخيم والذي جمد العمل به، لم يكن ضد الشعب الفلسطيني، إنما لوجود أنفاق تصل الداخل بالخارج وكان له دور أمني، وقد جمد على أساس قيام اللجنة المشتركة للفصائل بالعمل لحسم الأمر مع هؤلاء المتشددين الذين يعملون على قضم مناطق جديدة، لكن هذه الفصائل لم تفعل شيئاً في هذا الخصوص. بل اكثر من ذلك، فإن جزء من هذه المجموعات المتشددة، قد تمدد في الفترة الاخيرة إلى منطقة الصفصاف بقيادة كل من عبد فضة وعلي نجمة.
وواقع الحال يقول، انه يوماً بعد يوم، يزداد عدد فلسطينيي مخيم عين الحلوة الذين يسقطون في المعارك الدائرة في سوريا بشكل مخيف، وقد استدعى هذا الامر من القوى الامنية اللبنانية تكثيف جهودها وفرض رقابة كاملة على اسماء الشبان الذين يُدفنون داخل المخيم او في سوريا وإعداد تقارير مفصلة عنهم وعن طبيعة تحركاتهم قبل مغادرتهم المخيم وبعدها. والاكثر استغراباً، ان هناك اكثر من 180 فلسطينياً من مخيمات جنوب لبنان وبيروت، التحقوا بداعش وجبهة النصرة، وذلك في ظل تنامي ظاهرة هاتين المنظمتين الإرهابيتين في مخيمي عين الحلوة والمية ومية، وهذا ما تعمل القوى الفلسطينية على منع توسيعه حتى لا يضع المخيمين في دائرة التصويب والاستهداف من الجوار، بالتعاون مع الاجهزة الامنية اللبنانية. وأخطر ما في الموضوع، أنه وخلال الفترة القليلة الماضية رصدت بعض الاتصالات بين عرسال وبعض امراء الدولة الاسلامية داعش عرف من فحواها ان هناك نية مبيتة على تعكير صفو الامن في الايام المقبلة.

أوامر بضرب جند الشام
جولة بعد جولة من القتال في مخيم عين الحلوة بين حركة فتح وجند الشام وأخواتها في الحركات الأصولية المتشددة ترسم معالم المعركة المرتقبة من كل جوانبها. فعلى رغم محاولات التهدئة المتواصلة والتي تحصل في كل مرة تندلع فيها الاشتباكات، فإن معلومات غاية في الاهمية تؤكد أن قراراً نهائياً قد اتخذ لانهاء تنظيم جند الشام من المخيم مهما كلف الأمر خصوصاً في ظل بناء الدشم وتدعيم المحاور والسواتر الترابية. وكانت حركة فتح عمدت الاسبوع الماضي الى <فتح> مستودعات ومخازن السلاح امام عناصرها سواء من الداخل او اولئك الذين وصلوا لدعمها من مخيم الرشيدية استعداداً لمواجهة تنظيم جند الشام الذي يتزعمه المدعو بلال بدر والذي بات يشكل حالة خطيرة في المخيم حيث استقطب في الآونة الاخيرة عدداً كبيراً من الشبان، في وقت حصلت فيه فتح على الضوء الاخضر من من أبو مازن، لإنهاء وجود جند الشام. وتؤكد مصادر من داخل عين الحلوة ان المجموعات الاسلامية المسلحة داخل المخيم باتت تضم في صفوفها عشرات السوريين المعارضين وعلى رأسها تنظيمي جند الشام وفتح الاسلام اللذان يقوما بإرسال عناصر فلسطينية لدعم المسلحين السوريين في الزبداني ودمشق والقلمون الغربي مقابل مده بالسلاح والمال، ولذلك فإن ما يحصل اليوم في المخيم خطير جداً وينذر بمرحلة سوداء مقبلة عليه من معارك لن تتوقف قبل السيطرة على إحياء الطوارئ وطيطبا والبركسات ورأس الاحمر والشارع الفوقاني وقد ينعكس هذا الامر على أهالي المخيم من نزوح وتعطيل مصالح وتدمير منازل وربما تهجير أبدي على غرار ما سبق ان قام به تنظيم فتح الاسلام الذي يتزعمه شاكر العبسي في مخيم نهر البارد.

دعوة لإخراج فضل شاكر من المخيم
وضمن سياق التدهور الأمني في المخيم، برز تصريح شديد اللهجة لمسؤول عصبة الأنصار أبو شريف عقل دعا خلاله كل لبناني مطلوب للدولة ان يسلم نفسه أو أن يخرج من مخيم عين الحلوة لأن الوضع لم يعد يحتمل. وقد فسّر البعض أن هذه الدعوة موجّهة بشكل مباشر للفنان المطلوب فضل شاكر، الذي يؤكد عدد من أبناء المخيم، أنه يسكن ضمن مناطق خاضعة لسيطرة اسلاميين متشددين ويخضع لحماية مباشرة منهم.
أما عن دور حركة فتح مستقبلاً لجهة تعاطيها مع الخضات الامنية التي تستنزف المخيم وناسه، تؤكد أوساط مقربة من الحركة أن تنسيقاً يجرى الإعداد له بين فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية لإنهاء الحالة الشاذة في عين الحلوة بالتنسيق مع الجيش، وقد يكون الخيار العسكري احد ابرز الخيارات التي يُمكن اتخاذها للقضاء على المجموعات الارهابية التي تعتمد على داعش في تمويلها المادي وبالسلاح. كما تقضي الخطة بأن تستعيد حركة فتح سيطرتها بشكل كامل على المخيم واعادة الامساك به من جديد بعد سنوات من التراخي والتي شهدت تصاعداً صاروخياً لكافة الحركات المتشددة. والابرز في الموضوع، أن اتفاقاً شبه محسوم بين فتح والجيش اللبناني، قضى بسماح دخول الجيش الى المناطق المحظورة في المخيم وللأجهزة الامنية اللبنانية بالدخول الى المخيم للقبض على المطلوبين، وهذا ما بدء العمل عليه بشكل جدي وتمثّل مؤخراً، بدخول قوة من مخابرات الجيش والقائها القبض على احد المطلوبين البارزين بقضايا ارهابية.