٤٧ سنة مرت على حادثة – مجزرة حصلت في اهدن في فجر ١٣ حزيران ١٩٧٨، وهي ليست الأولى في هذه المنطقة التي كانت عصية على كل من غزاها، وكانت في كل مرة تخرج أقوى واصلب وامتن.
من ٤٧ سنة لما تحول حزب الكتائب الى مجموعة عصابات تشبه عصابات الهاغانا الصهيونية، يحاول هو وكل متفرعاته التنصّل وابتكار الحجج والروايات لعله بذلك ينزع وصمة العار التي لحقته وستلحقه الى أبد الآبدين.
وانطلاقا مما تقدّم ومنعًا لتزوير الحقيقة الساطعة كنور الشمس سأعرض بعضًا مما جاء في تصاريح ومقابلات لمسؤولين كتائبيين شاركوا بشكل مباشر او غير مباشر بالتسبب في الكارثة المسيحية في اهدن في ١٣ حزيران ١٩٧٨.
في البداية سأقتبس من برنامج الرئيس سليمان فرنجيه الرئاسي خلال ترشحه الى الانتخابات الرئاسية في سنة 1988:
“لم ولن نكن في غربة عن احد في هذا الوطن وكلما مُدت لنا يد نظيفة امسكنا بها. ويدنا دائما ممدودة لاصحاب النوايا الحسنة مؤمنين بالتسامح وبعفا الله عما مضى”.
مقالي هذا ليس بهدف نكئ جراح، انما تأكيداً على المصالحة والمسامحة، اللتان لا يمكنهما ان يتحققا من دون مراجعة حقيقية لاستخلاص العبر والدروس للوصول الى تنقية حقيقية لذاكرتنا الجماعية من ويلات حروبنا اللبنانية.
والسؤال الدائم من البعض لماذا يتم استذكار حادثة اهدن بهذا الشكل واين انتم من المسامحة؟ جوابنا واضح بالشكل وليس بالمضمون ولا القدسية:” لأن لو كانت المسامحة تفرض النسيان نحن اليوم المسيحيين لم نكن نتذكر من ٢٠٠٠ سنة آلام وصلب وموت وقيامة المسيح..”
يروي جوزيف ابو خليل المسؤول من الصف الاول في الكتائب في كتابه قصة الموارنة في الحرب الصادر سنة 1990 في الصفحة 79، انه بعد مقتل جود البايع، كان الصحيح ان ضبط النفس بدأ يأخذ معنى الانهزام والتراجع. وهو امر لم يكن مقبولا بالنسبة الى حزب يحتل موقعا رياديا – ان صح القول – على الساحة اللبنانية. واشتدت ضغوط القاعدة على القيادة الحزبية. وتراءى للشيخ بشير الجميل ان ردة الفعل باتت ضرورية ولا بد منها.
في كتابه مجزرة اهدن او لعنة العرب المسيحيين الصادر سنة 2009 اورد ريشار لابيفيير في الفصل العاشر في الصفحة 155 تحت عنوان ” الاعداد العسكري ل”عملية الأرز”:
“مجزرة اهدن ليست نتيجة حملة مرتجلة سيئة المآل، وانما هي وليدة عملية عسكرية اعدت من زمان طويل” هذه هي الخلاصة الرئيسية التي باح بها احد قدامى رؤساء مخابرات حزب الكتائب.
عن دور سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية الحالي، صدرت الوثيقة الرسمية التالية عن المجلس الحربي الكتائبي:
“الى مفوضي منطقة الشمال، المفوضين المحليين لكل من زغرتا وبشري والبترون وطرابلس وعكار والكورة، كما الى الرفيق سمير جعجع، نوجه تحية كتائبية. بالنظر الى الوضع الحالي في محافظة الشمال، تقرر ما يلي:
1- تعيين الرفيق سمير جعجع مسؤولا عسكريا في محافظة الشمال بصورة استثنائية
2- منح الرفيق سمير جعجع كل الصلاحيات اللازمة على ان يعاونه مفوض محافظة الشمال وجميع المفوضين المحليين، وكلك مفوضو المكاتب الكتائبية،
3- يطبق هذا القرار اعتبارا من 7 حزيران 1978.
عاش لبنان.
رئيس المجلس الحربي بشير الجميل.”
في كتابه “أين كنت في الحرب؟” يورد الكاتب غسان شربل مقابلة مع سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية”، الذي قال في الجزء المتعلق بحادثة اهدن ما يلي:
“صباح 13 حزيران وفي الرابعة فجراً انطلقت العملية وتوزعت المجموعات حسب الخطة المعدة لها واصطدمت بمقاومة عنيفة. كنت اتحرك بين كل المجموعات العسكرية وارافق تقدمها. وكنت في معظم الوقت مع القوة المتجهة الى اهدن من جهة زغرتا – اهدن اي من المدخل الغربي (منزل طوني فرنجيه). والسبب انني كنت اعتبر ان هذه النقطة هي الأصعب. نزلت الى المحور الوسطاني لأرى الشباب. استهدفهم الرصاص من قصر طوني ودارت اشتباكات بين القوة المهاجمة والذين كانوا يطلقون الرصاص من القصر. وصلت، فوجدت احد شبابنا مقتولا على الطريق. وفيما كنت اتحرك من مكاني، شعرت وكأنني اصبت في يدي. ولم اعد قادرا على تحريكها، وكنت انزف، وفي النهاية وصلت مجموعة ثانية وراحت تؤمن لي الحماية. وكنا على طريق طورزا فوقعنا في كمين مسلح اصبت في كتفي ورجلي وفخدي وزندي. ووصلنا الى مستشفى اوتيل ديو حيث عرفت ان طوني فرنجيه وعائلته قد قتلوا.
وعن دور جهاز الموساد يذكر المسؤول المخابراتي الكتائبي للابيفيير أن هدف عملية الارز كان احتلال المنطقة مؤقتا، طيلة الوقت اللازم لاقامة الحكم الكتائبي السياسي-العسكري بشكل مديد في كل مناطق الشمال. ويضيف ان العملية العسكرية نفذت بتعاون وثيق مع اجهزة المخابرات الاسرائيلية بمن فيهم دايفيد كيمحي الذي كان مسؤول جهاز الموساد في لبنان.
ويقول احد مساعدي دايفيد كيمحي المسؤول في الموساد والملقب بـ كساس والذي التقاه لابيفيير، في الصفحة 193: كان المقصود بالتأكيد مساعدة هذه “العشيرة” لبسط سيطرتها على معامل الترابة، ومن وراء ذلك، النظر في الطريقة التي تسمح لنا، بكيفية شل طوني فرنجيه، وبمعنى اخر، النظر في كيفية استغلال جو الازمة التي فتحتها شكا من اجل انجاز اول اغتيال منتقى يقوم به جهاز عملنا في لبنان. ويضيف كساس في مكان اخر، انه “بقي علينا ان نجد او ان نفتعل الحادث المفجر الذي يبرر حصول رد عسكري يطيح بهذا التوازن”. فكان اغتيال جود البايع.
وعن دور السوريين في حادثة إهدن ينقل الكاتب نبيل يوسف في كتابه بلاد البترون من الشرارة الى الانتفاضة في الصفحة 297 ما قاله له احد الضباط السابقين في مخابرات الجيش اللبناني: ” قيل الكثير يومها عن تسهيلات قدمتها القوات السورية بطريقة غير مباشرة ليتمكن الكتائبيون من العبور على طرقات الشمال، واتذكر انه قبل مجزرة اهدن بثلاثة اسابيع تقريبا ازالت القوات السورية حاجزها على طريق كوسبا-بشري عند مفترق طورزا
ويضيف الضابط السابق:” ازالة الحاجز السوري عند مفترق طورزا قد يكون سهل انتقال المسلحين الكتائبيين باتجاه سرعل ومنها الى كرمسده او صعودا الى اهدن. لكن كان هناك طريق يسلكها مسلحو الكتائب منذ انتهاء حرب السنتين من جرود البترون الى بشري عبر دير بلا، ومنها الى قنات فبشري من دون المرور على اي حاجز سوري، وعلى هذا الطريق مرت معظم المجموعات الكتائبية.
وعن دور بشير الجميل سأورد ما ذكرته الصحافية بربارة نيومن في كتابها “حب وموت في بيروت”، في الصفحة 148 فتقول: ” ونحن نعبر معا عبر الجبال رددت على مسامع بشير ما قاله لي الاسرائيلي. استمع بشير صامتا، كان وجهه منقبضا ومتجهما، وعندما انتهيت قال بشدة:
* لم آمر بموت طوني، ولا بموت عائلته، كان عليك معرفة ذلك؟”.
* “من فعل هذا؟”، سألت. (…) ،”انت تبرر..”
* انا لا ابرر شيئا، ما فعله رجالنا بفرنجيه كان خطأ.
* وقلت، “هل عاقبت المسؤولين؟”
* كانت لدينا مشاكلنا مع المجموعة التي قامت بالعملية انهم قوة مستقلة، واكثر ولاء لقائدهم سمير جعجع”.
* “وهل طردت قائدهم؟”
* كانت عينا بشير كالفولاذ وقال: اصيب جعجع بجراح في بداية العملية، كانت مخابراتنا سيئة وفشل كل شيء، ان جعجع هو من افضل واشجع المقاتلين عندنا. لدينا مشكلة في التحكم به، ولكن لا استطيع طرده، نحن بحاجة اليه ولرجاله، نحن بحاجة لكل رجل يرغب بالمخاطرة بحياته من اجل القضية.”
* قلت ” لماذا يظن الاسرائيليون انك فعلت ذلك؟”.
* لأنهم اعطوني الضوء الأخضر للقيام بذلك”.
وفي ختام هذا العرض الموجز، وتبيانا للحقيقة بلسان مرتكبي واحدة من أسوأ الحوادث التي حصلت في حرب لبنان لكن الأكثر تأثيرا سلبيا على المسيحيين في لبنان، اريد ان انهي بما قاله سمير جعجع في المقابلة التي اجراها معه غسان شربل في كتابه اين كنت في الحرب؟ في الصفحة 159 قائلا: كان رأي ان نقول حقيقة ما حدث. لقد حاولنا تجنب اي مفاجأة، فوقعت مفاجأة غير سارة، وكان علينا ان نتحمل المسؤولية. بعد عملية اهدن سال دم كثير. قتل من قتل، وهجر من هجر، وتعرض ابرياء كثيرون للتنكيل. روجت روايات كثيرة، لكن هذا ما حصل.