كتب يوسف فارس في “الأخبار”
يقدّم الهدوء النسبي الذي يشهده قطاع غزة خلال ساعات النهار، صورةً خادعة عن الواقع الميداني الذي يشتعل ليلاً، خصوصاً في المناطق الشرقية من القطاع. فمع حلول الليل، تتصاعد وتيرة القصف الجوي والمجازر الجماعية التي تنفّذها قوات الاحتلال، فيما تغرق الشوارع في الظلام، وتواجه طواقم الإسعاف والدفاع المدني صعوبة بالغة في الوصول إلى المناطق المستهدفة بسبب الخراب الهائل الذي غيّر معالم الطرق، حيث تقطع الأبنية المدمّرة الشوارع الرئيسة، فيما تبدو الطرق الفرعية كأخاديد عشوائية شُقّت وسط تلال من الركام.
وليلة الثلاثاء – الأربعاء، أغارت الطائرات الحربية على منزل مكتظّ بالسكان لعائلة حسونة في شارع النفق في حي التفاح شرق مدينة غزة، كان يستضيف نازحين. ووسط القصف المتزامن على منازل وأهداف متقاربة، دخل الصحافيون وطواقم الإنقاذ في متاهة البحث عن الموقع المستهدف؛ إذ روى أحد ضباط الدفاع المدني، لـ«الأخبار»، كيف «نبحث عن المنازل المقصوفة بلا إشارات موثوقة، ونضيع في الشوارع المظلمة». وقال: «في ليلة واحدة، قصفت الطائرات منزلاً قرب مفترق السرايا، وخيمة في ملعب اليرموك، ومنزلاً في حي التفاح. المناطق قريبة، والفوضى تعمّ المكان. الاتصالات التي تردنا متضاربة، واستغرقنا وقتاً طويلاً للسيطرة على الوضع، علماً أن كل استهداف هو مجزرة تقضي على عائلات بأكملها».
تواجه طواقم الإسعاف والدفاع المدني صعوبة بالغة في الوصول إلى المناطق المستهدفة
وفي غضون 24 ساعة، ارتكبت قوات الاحتلال أربع مجازر جماعية؛ الأولى وقعت في منزل عائلة حسونة، وأدت إلى استشهاد عشرة مواطنين وإصابة ثمانية آخرين، من بينهم الصحافية فاطمة حسونة. أمّا المجزرة الثانية، فاستهدفت منزل عائلة الهسي في جباليا البلد شمال القطاع، ما أسفر عن استشهاد ثلاثة وإصابة آخرين. وفي مفترق السرايا غرب غزة، استُهدفت شقة سكنية وخيمة تؤوي نازحين، ما أدى إلى استشهاد خمسة مواطنين وإصابة ثمانية آخرين.
كذلك، تعرّضت المناطق الشرقية والجنوبية من حيّ الزيتون لقصف مدفعي مكثّف، تسبّب بتهجير عشرات العائلات من محيط شارع 10، واستشهاد طفلة وإصابة ثلاثة آخرين. وفي مدينة خانيونس، جنوب القطاع، استهدفت الطائرات المروحية خيمة تؤوي نازحين غرب المدينة، ما أوقع شهيدين وسبعة جرحى. كما استهدفت الطائرات الحربية، خلال ساعات النهار، مسجداً في مخيم الشاطئ غرب غزة، بالتزامن مع عمليات نسف مكثّفة شرق أحياء الشجاعية والتفاح.
في المقابل، أعلنت «كتائب القسام» عن استهداف ثلاث دبابات «ميركافا 4» بقذائف «الياسين 105» في حي التفاح، فيما أعلنت «سرايا القدس» عن قصف تجمعات لجنود الاحتلال في «محور نتساريم» بقذائف الهاون، والسيطرة على طائرات استطلاع استخبارية في المنطقة الشرقية لمدينة غزة. كما نشر الإعلام الحربي التابع لـ«السرايا»، مقطعاً مصوّراً ظهر فيه الجندي الأسير بارون بارسلافسكي، موجّهاً رسالة إلى رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، يقول فيها: «دمّي في رقبتك، أين وعودك بتحريرنا؟ القذائف تسقط يومياً، والقنبلة القادمة قد تكون على رأسي. هل ستعقدون صفقة لتحرير أسير أميركي وتتركونا؟». وقد أثارت الرسالة المصوّرة تفاعلاً واسعاً، وعلّق والد الأسير في تصريحات صحافية، قائلاً: «إسرائيل لا تكترث بوضع ابني، هناك من يتمنّى موته، ونأمل أن يهزّ هذا الفيديو مَن يجب أن يتحرّك».
وفي موازاة ذلك، أعلن وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، استمرار الحصار على القطاع، رافضاً أيّ ملامح لتخفيفه. ومن جهته، شدّد القيادي في حركة «حماس»، باسم نعيم، على أن الحركة «لن تقبل بأيّ صفقة لا تفضي إلى وقف كامل لإطلاق النار، وفتح المعابر، والانسحاب التام من غزة، وإعادة الإعمار»، مؤكداً أن «خديعة الصفقات الجزئية مقابل الطعام والشراب واستكمال الإبادة أصبحت من الماضي».