Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر January 17, 2025
A A A
مجازر بالجملة عشية الهدنة: العدو ينتقم من «فرح» الغزيين
الكاتب: يوسف فارس - الأخبار

لم ترُق، لجيش الاحتلال، مشاهد احتفال الفلسطينيين وفرحهم العفوي والتي بثتها القنوات الفضائية؛ إذ كان ينبغي للفلسطيني العائد من الإبادة، وفق التصور الإسرائيلي، أن يكون مكسوراً مهزوماً ذليلاً، لا أن يجوب الشوارع مهلّلاً مكبّراً، فيما لا تزال الطائرات الحربية المعادية تحرث السماء.

ومن هنا، لا نبالغ حين ندرج كل المجازر الجماعية التي ارتُكبت، منذ الإعلان عن وقف إطلاق النار مساء أمس، وحتى كتابة هذه السطور، في إطار الانتقام وتهشيم صورة النشوة والفرح، بعد أن أعلنت «مصلحة إدارة» السجون أنها لن تسمح بتكرار صورة أسرى صفقة شاليط عام 2011، حيث خرج هؤلاء وهم يرفعون شارات النصر من نوافذ الحافلات. وعليه، قررت سلطات الاحتلال أن تكون نوافذ الحافلات التي ستقلّ الأسرى المُفرج عنهم مغلقة، أو مطلية باللون الأسود القاتم.

ويعكس التفصيل المشار إليه، فشل الضخ الإعلامي الإسرائيلي الذي كان موجّهاً ضد الغزيين طوال الحرب، وشمل عشرات الآلاف من التقارير والصور المتكررة للمواقع العسكرية التي أقيمت حديثاً في «نتساريم» و»فيلادلفيا»، ومئات المشاهد المصوّرة لحجم الدمار في المدن والمخيمات، وتلك التي تظهر اعتقال المدنيين عراة، وتهجير عشرات الآلاف من الأهالي. وأراد العدو، من خلال مثل هذه الممارسات، الإيحاء بأن المقاومة التي نفّذت عملية «طوفان الأقصى»، من أجل تحرير القدس، خسرت غزة، وأنه بعدما اختطفت 250 جندياً ومستوطناً لتحرر أربعة آلاف أسير من السجون، تسببت في اعتقال أضعافهم.

قرّرت إسرائيل أن تكون نوافذ الحافلات التي ستقلّ الأسرى الفلسطينيين مغلقة، أو مطليّة باللون الأسود

وفي مقابل محاولة تحويل الغزيين الخارجين من الإبادة، إلى مواطنين راكعين وحيارى وتائهين، جاءت الصفقة الأخيرة مغايرة لآمال الاحتلال وما اشتهى؛ إذ أجبرت العدو على الخروج من محوري «نتساريم» و»فيلادلفيا»، واللذين وصفهما رئيس وزراء الاحتلال بأنهما «أصول أمنية قومية لإسرائيل»، وفرضت عليه، كذلك، تحرير نحو 2000 أسير في المرحلة الأولى، بما يشمل أولئك الذين وصفهتم السلطات الإسرائيلية بأصحاب «الأيدي الملطّخة بالدماء». كما لم تنجح خطط الحكومة المتطرفة في تهجير سكان القطاع وإنهاء القضية الفلسطينية. وعلى الرغم من أن خسائر أهالي غزة تبدو، حتى اللحظة، أكبر من أن تقارن بأي منجز قد تكون هذه الحرب قد ساهمت في تحقيقه، فإن مساحة الحوار والنقد حول جدوى هذا النسق من السلوك المقاوم، والمؤجلة إلى ما بعد انتهاء الحرب، ستظهر أنّ إجهاض ما ترتّب على «الطوفان» من وقائع مهولة، هو إنجاز، أو في حد أدنى، إنهاء لكابوس كان سيستدام طويلاً.

وبالعودة إلى محاولة سرقة فرح الغزيين، كانت الساعات التي أعقبت الإعلان عن توقيع اتفاق وقف إطلاق النار الذي سيدخل حيز النفاذ ظهر الأحد المقبل، قاسية للغاية، بعدما شنت طائرات الاحتلال عدواناً مكثفاً على كل مناطق شمال القطاع وجنوبه، قضى فيه نحو 90 شهيداً وأكثر من 200 جريح، معظمهم من المدنيين. وكان لافتاً تعمّد جيش العدو تدمير المربعات السكنية، بأسلوب انتقامي شبيه بذلك الذي انتهجه في الأيام الأولى من الحرب. وعليه، يحبس الفلسطينيون أنفاسهم في انتظار اللحظة التي سيتوقف فيها إطلاق النار بشكل عملي، إدراكاً منهم بأنّ محاولة الاحتلال قتل الفرح بالموت، لن تتوقف حتى الدقيقة الأخيرة من عمر الحرب.