Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر November 27, 2018
A A A
متظاهرو «السترات الصفراء» عازمون على الاستمرار في احتجاجاتهم
الكاتب: الشرق الأوسط

استعادت جادة الشانزليزيه أمس حلتها التقليدية، بعد يوم سبت تخللته مواجهات بين قوى الأمن و«السترات الصفراء» الذين انضم إليهم عدة مئات من «المشاغبين»، وفق وزير الداخلية كريستوف كاستانير. وبعد المتاريس التي أقيمت بما توفر للمتظاهرين، والحرائق التي أشعلت، ومعارك الكر والفر التي شبهها الرئيس إيمانويل ماكرون بـ«المشاهد الحربية»، نجحت عربات بلدية باريس في رفع السواتر والمتاريس وتنظيف «أجمل الشوارع» ومحو آثار الحرائق والمعارك. لكن الكثير من واجهات المطاعم والمخازن التي تضررت ما زالت تبدو عليها آثار التهشيم.
وبعد أن أربكت «المشاهد الحربية» التي جالت على كل قنوات التلفزيون العالمية، والسياح الذين يقصدون جادة الشانزليزيه بعشرات الآلاف كل يوم، عاد هؤلاء يتجولون فيها مستفيدين من زينة الأعياد التي اختير لها هذا العام اللون الأحمر بدفع من كارل لاغارفيلد، مصمم الأزياء الألماني الشهير.
بيد أن عودة الهدوء لا تعني أبدا أن الحركة الاحتجاجية التي انطلقت من رفض الزيادات المتواصلة على أسعار المحروقات في إطار سياسة الحكومة للتعجيل فيما يسمى بـ«النقلة البيئوية» أي الخروج من «الطاقة الملوثة» إلى «الطاقة النظيفة» قد انتهت. فمنذ صباح الأحد، انطلقت الدعوة للعودة إلى الشانزليزيه مجددا يوم السبت القادم فيما يشكل «الفصل الثالث» من تحرك «السترات الصفراء» الذين ما زالوا يحظون بتعاطف شعبي تعكسه استطلاعات الرأي. ورغم سعي السلطات لاستغلال أعمال الشغب التي حصلت يوم السبت الماضي لعزل الحركة والتشديد على تراجع التعبئة الشعبية «106 آلاف محتج السبت الماضي مقابل 288 ألفا السبت الذي قبله»، إلا أن هذا «التكتيك» لم ينجح.
ومع ذلك، فإن ماكرون، كما نقل عنه الناطق باسم الحكومة الوزير بنجامين غريفو أمس، عبر عن دهشته إزاء «تملق» بعض السياسيين لهذه «القلة من المشاغبين» في إشارة مبطنة إلى مارين لوبن، رئيسة «التجمع الوطني» وهو حزب اليمين المتطرف. وقد اتهمها وزير الداخلية بالنفخ في النار ومحاولة استغلال الأحداث الجارية لأغراض سياسية. وذهب وزير المالية جيرار دارمانين، يوم الأحد، إلى المقارنة بين «المشاغبين» و«القمصان الرمادية» أي الميليشيا النازية الهتلرية المعروفة بانتهاكاتها في ألمانيا، في الثلاثينات من القرن الماضي.
وبموازاة ذلك، لم يتأخر القضاء في التحرك ضد الأشخاص الذين ألقي القبض عيلهم في باريس يوم السبت وعددهم 103. وحتى عصر أمس، مثل منهم 47 شخصا أمام القضاء ومدد احتجاز 28 شخصا وسيمثل الآخرون بدورهم أمام القضاء الذي يتهمهم بارتكاب أعمال عنيفة أو المشاركة بتجمعات من أجل إنزال الأضرار بالممتلكات أو السرقة وإطلاق تهديدات بالموت وخلاف ذلك.
حقيقة الأمر أن «مفتاح الحل» موجود بيدي الرئيس ماكرون الذي حذر خلال انعقاد جلسة مجلس الوزراء أمس من «تبعات» مشاهد العنف على صورة باريس وجاذبيتها للمستثمرين وثقتهم. ومشكلة السلطات أنها واقعة في ورطة: فهي من جهة لا تستطيع التراجع عن سياستها ومنها زيادة الرسوم على المحروقات تحت ضغط الشارع الأمر الذي سينظر إليه على أنه «علامة ضعف»، وسيفتح الباب أمام الحركات الاحتجاجية مستقبلا لدى كل عملية إصلاحية. لكن أن تصم الحكومة أذنيها، بالمقابل، فسيزيد من تصميم «السترات الصفراء» على الاستمرار وسيوفر لهم حجة إضافية فحواها أن الحكومة «لا تستمع لمطالبهم»، وأن سياستها الاقتصادية والاجتماعية لصالح الأغنياء.
وفي هذا السياق، أكد رئيس الحكومة إدوار فيليب وأعضاء آخرون في الحكومة أن الزيادة الإضافية المقررة على المحروقات بداية العام القادم ستبقى قائمة ما يعني أن الدولة لا تأخذ بالاعتبار المطلب الأول الذي كان في أساس انطلاق الحركة الاحتجاجية بينما تتكاثر الدعوات من سياسيين يمينيين ويساريين ومن بينهم الوزيرة السابقة سيغولين رويال في الدعوة للتخلي عنها. يضاف إلى ذلك كله أن الحركة الاحتجاجية التي انطلقت قبل 11 يوما قد «تحولت» ولم تعد محصورة فقط بأسعار المشتقات النفطية بل أصبحت «وعاء» لمجموعة من المطالب التي تتناول عبء الضرائب والرسوم وتراجع القدرة الشرائية وغياب العدالة الاجتماعية وغياب النتائج المتوخاة من الإصلاحات «الثقيلة» التي أجرتها الحكومة منذ ربيع العام الماضي… وبالتالي، فإن المطلوب، وفق الكثيرين، ليس «الرد التكنوقراطي» بل «الاستجابة السياسية». وقال أمس جوزيه اسبينوزا، أحد «منسقي» الحركة الاحتجاجية إنه «إذا لم تستجب الحكومة بشكل ملموس «للمطالب»، فسوف تصبح الحركة أقوى فأقوى» وندد أسبينوزا، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية أمس أن الفقراء تولد لديهم انطباع بأنهم «يعملون لصالح الأغنياء» وأنه يتعين على الحكومة أن «تأتي بأجوبة ملموسة». أما لوران بيرجيه، الأمني العامل لنقابة الكونفدرالية العامة للشغل القريبة من الحزب الاشتراكي فقد شدد على أن هذه الحركة تعكس «التشققات الاجتماعية» التي يتعين على الدولة مداراتها بالتركيز على القدرة الشرائية للشرائح الوسطى أو الأضعف وتحسين الخدمات العامة في مجال النقل…
ما الذي سيقوله ماكرون بمناسبة الخطاب الذي سيلقيه اليوم للكشف عن خطة الحكومة في موضوع الطاقة حتى العام 2028؟ ما تسرب أنه سيعمد إلى شرح «النهج» الجديد الذي سيتبع لتكون النقلة البيئوية «أكثر عدالة» وسيضع حدا للقرارات الفوقية ولضم ممثلي المواطنين من أحزاب ونقابات ومسؤولين محليين إلى دائرة اتخاذ القرار. وفي هذا السياق، سيعلن ماكرون إنشاء «المجلس الأعلى للمناخ» الذي سيتشكل من 13 خبيرا وعالما لمساعدة الحكومات على اتخاذ القرارات ومتابعتها فيما خص «النقلة البيئوية». كذلك يفترض أن يعلن عن «تدابير مصاحبة» لمساعدة المواطنين الأكثر هشاشة إن في عملية تغيير سياراتهم الملوثة أو وسائل تدفئة المنازل وغير ذلك من المساعدات المالية التي شرح بعضها رئيس الحكومة ولكن من غير أن ينجح في إقناع الناقمين على السياسة المتبعة.
هل سينجح ماكرون في مهمته؟ المؤشرات لا تبدو حتى الآن أنها مشجعة. لكن ماكرون يريد أن يغلق هذا الملف سريعا، وأن يتوجه نهاية هذا الشهر إلى بيونس أيريس للمشاركة في قمة العشرين من غير أن يثقله عبء «السترات الصفراء».