Beirut weather 22.99 ° C
تاريخ النشر February 2, 2017
A A A
«متطرفون» يتهمون «فتح» بالتعامل مع «الاستخبارات»
الكاتب: ناجي سمير البستاني - الديار

الأحداث والتوترات الأمنيّة ليست بجديدة على مخيّم «عين الحلوة»، لكنّ تصاعد وتيرتها في خلال الأسابيع القليلة الماضية طرح أكثر من علامة إستفهام بشأن الأسباب والخلفيّات، وكذلك بشأن التداعيات والإرتدادات التي يُمكن أن تنتج من ذلك. فهل ما يحدث من تجاوزات يندرج في سياق الثغرات الأمنيّة التي تعايش معها أبناء المُخيّم وقياداته، أم أنّ هناك مؤامرة ما تُحاك؟
أوساط سياسيّة قريبة من مُمثّلي حركة «فتح» التي تُسيطر على ما لا يقلّ عن خمسين في المئة من مساحة المخيّم، لفتت إلى أنّ ما يحدث لا يندرج في خانة المشاكل الفرديّة، ولا في خانة الخلافات الأمنيّة العابرة بسبب تداخل «مناطق النفوذ» – إذا جاز التعبير، بفعل كثافة وتزاحم مباني وأزقّة المخيّم الذي يُعاني أصلاً من كثافة سُكانية كبيرة ضُمن مسَاحة جغرافيّة ضيّقة لا تتجاوز الكيلومتر المربّع الواحد.
وأوضحت هذه الأوساط أنّ وتيرة المشاكل الأمنيّة زادت في المخيّم، نتيجة تكاثر عدد التنظيمات المُستحدثة نسبيًا ضُمن بيئة المخيّم، مثل «داعش» و«النصرة» و«جند الشام» و«الشباب المُسلم» والتي تحاول كلّها توسيع دائرة سيطرتها الميدانية وتعزيز نفوذها، على حساب قوى تقليديّة وقديمة في المخيّم، مثل حركة «فتح» و«منظّمة التحرير» و«الديمقراطيّة» و«الشعبيّة»، وحتى مثل «عصبة الأنصار» و«الحركة المجاهدة» وغيرها من الفصائل التي لا يقلّ عددها الإجمالي عن العشرين فصيلاً، ولوّ بقُدرات أمنيّة وبأحجام مُتفاوتة. وأضافت أنّ تكرار الأحداث الأمنيّة، مُفتعل ومتعمّد، وهو ناتج من قرار بالتصعيد من جانب بعض التنظيمات الدخيلة على المخيّم، والتي نجحت في التغرير بعدد من أبنائه بحُكم واقع البؤس الذي يُعانون منه والفقر الذي يرزحون تحته، وكذلك بفعل إستغلال العامل الديني والأحداث في المنطقة، لا سيّما في سوريا. وعزت الأوساط نفسها الأسباب الرئيسة وراء قرار التصعيد، إلى إتهام هذه الجماعات الإسلاميّة المُتطرّفة، القوى المحسوبة على السُلطة الفلسطينيّة، بالتنسيق الأمني والإستخباري مع السُلطة اللبنانية،  حيث تعتبر هذه التنظيمات المُتشدّدة أنّ حركة «فتح» لا تغضّ الطرف عن «الجدار» الذي يُزنّر جزءًا من المخيّم وعن الإجراءات الأمنيّة المُشدّدة في محيطه فحسب، وإنّما تتعامل سرًّا مع الإستخبارات اللبنانيّة، للإيقاع بأنصار الجماعات الإسلاميّة المُتشدّدة، وهي تُعمّم أسماءهم على حواجز الجيش التي تُحيط بالمخيّم، وتعمل على إستدراج الكثيرين منهم إلى خارج المخيّم بذرائع مُختلفة، تحضيرًا لأرضيّة توقيفهم وسجنهم بتهمة الإنتماء إلى «خلايا إرهابيّة»، وتعمل أيضًا على تسهيل دخول أفراد من إستخبارات الجيش إلى داخل المخيّم لتنفيذ عمليّات إعتقال بحقّ مطلوبين للقضاء اللبناني. وأضافت هذه الأوساط أنّ أكثر من رسالة وصلت إلى «فتح» بضرورة وقف التعامل مع الأجهزة الأمنيّة اللبنانيّة، وإلا فلتتحمّل مسؤولية وتبعات أعمالها.
وأكّدت الأوساط السياسيّة القريبة من مُمثّلي حركة «فتح» في «عين الحلوة» أنّه وعلى الرغم من أنّ عديد حركة «فتح» لا يقلّ عن ألف مُقاتل نظامي، فإنّ لا قُدرة لها على الردّ على هذه الإستفزازات التي تدخل في سياق «الترهيب الأمني»، ولا على فرض الأمن بالقوّة على كامل مساحة المخيّم، لأنّ عديد مُناصري «داعش» و«النصرة» و«جند الشام» و«الشباب المُسلم» صار لا يقلّ عن 300 مُسلّح، والرقم في إزدياد مُستمرّ، نتيجة نجاح هذه التنظيمات المُتشدّدة في إستمالة العديد من مُناصري التنظيمات الإسلاميّة المُتواجدة في المخيّم منذ سنوات طويلة. وبالتالي إنّ أيّ إشتباك مُسلّح بين الطرفين على نطاق واسع سيطول ولن يكون قابلاً للحسم في خلال فترة زمنيّة قصيرة، خاصة وأنّ توزيع القوى في مخيّم «عين الحلوة» يشمل أيضًا تنظيمات مثل «عصبة الأنصار» التي يُقدّر عديدها بنحو 250 مُسلّحًا، ما يجعلها قادرة على لعب دور «بيضة القبّان» في أيّ مواجهة مسلّحة داخل المخيّم.
وأضافت الأوساط أنّ التنظيمات الإسلاميّة المُتشدّدة التي تعلم تمامًا هذا الواقع لا تتردّد في القيام بتصرّفات إستفزازيّة بشكل دوري، كونها متأكّدة أنّ مُواجهتها عسكريًا غير مُمكنة ميدانيًا، لأنّ نتائج أي معركة ستكون مدمّرة تمامًا للمخيّم ومُشرّدة لأهله ولسُكانه الذين إرتفع عددهم مع النزوح من سوريا إلى نحو مئة ألف نسمة! ولفتت الأوساط نفسها إلى أنّ التنظيمات الإسلاميّة المُتشدّدة تُواصل سياسة القضم البطيء للشوارع وللأزقّة داخل المخيّم، واستقطاب المُناصرين الجُدد، مستفيدة من غياب أيّ خطّة فعليّة لمُواجهتها، غير المُعالجات المَوضعيّة والجزئيّة.
وختمت الأوساط السياسيّة القريبة من مُمثّلي حركة «فتح» كلامها بالتشديد على أنّ «علاج المُسكنات» المُستمرّ منذ نحو أربع سنوات في مخيّم «عين الحلوة»، يُمكن أن يُرجئ المعركة الكبرى، لكنّه لا يُمكن أن يُزيل أسبابها التي تنمو بشكل مُستمرّ ولوّ تحت الرماد. ودعت هذه الأوساط الجهات الأمنيّة اللبنانيّة الرسميّة إلى عدم تحميل مئة ألف مدني وزر إرتكابات بضع مئات من المُسلّحين الخارجين على القانون، والرافضين للسُلطة الفلسطينيّة قبل أن يكونوا رافضين للسُلطة اللبنانيّة. كما دعتها إلى وضع خطة مُتكاملة لإضعاف هؤلاء، لا تقتصر على شقّ الإجراءات والتدابير الأمنيّة والإستخباريّة، إنما يجب أن تشمل شقّ مُراقبة مالية لمصادر تمويل هذه الجماعات لقطعها تمهيدًا لتقليب أنصارها عليها، إضافة إلى شقّ إنمائي وإقتصادي وإجتماعي لتحسين أوضاع سُكّان «عين الحلوة»، وتحديدًا جيل الشباب فيه، لسحب الذرائع من أيدي المُغرّرين بهم، ومُحرضيهم على السلطة اللبنانيّة.