Beirut weather 14.1 ° C
تاريخ النشر December 8, 2025
A A A
ما يعجز عنه مجلس الأمن لن تستطيع “الميكانيزم” والمبعوثون الدوليون إلى لبنان تحقيقه!
الكاتب: غسان ريفي

كتب غسان ريفي في سفير الشمال:

تزامنت زيارة وفد سفراء وممثلي الدول المشاركة في مجلس الأمن إلى بيروت مع الذكرى السنوية الأولى لإعلان وقف إطلاق النار الذي لم تلتزم به إسرائيل التي خرقته أكثر من خمسة آلاف مرة عاش الجنوب والبقاع تداعياتها ومآسيها قتلا وتدميرا ومزيدا من تهجير العائلات ومنع أبناء المناطق الحدودية من العودة إليها أو إيجاد منازل مؤقتة بديلة لتلك التي دمرها العدو.

ورغم الرمزية الكبيرة لهذه الزيارة التي أعطت بالشكل إهتماما بلبنان وأمنه وإستقراره، وبوضع الجنوب بعد إنسحاب قوات اليونيفل، فإنّ مضمونها جاء مخيّبًا للآمال، إذ بدا الوفد الذي إلتقى الرؤساء الثلاثة وزار المناطق الحدودية كمن يكتفي بجمع الانطباعات وتكرار الدعوات التقليدية إلى “التهدئة”، من دون أي استعداد لتحديد المسؤوليات أو الاعتراف بوضوح بمسؤولية إسرائيل بإشعال الجبهات يومًا بعد يوم.

كان منتظرًا من وفد يمثل أعلى سلطة دولية مكلّفة بحفظ السلم والأمن الدوليين أن يملك شجاعة توصيف الواقع كما هو: إسرائيل تواصل خرق السيادة اللبنانية يوميًا، جوًا وبحرًا وبراً، وتنفّذ هجمات تؤدي إلى سقوط ضحايا مدنيين، فيما تتوسع عملياتها العسكرية في الجنوب بما يتجاوز كل حدود القرار 1701.

ومع ذلك، اكتفى الوفد بعبارات “القلق” و“ضرورة ضبط النفس” والدعوات إلى التهدئة وإلتزام جميع الأطراف بوقف إطلاق النار، من دون الإشارة إلى الطرف الذي يخرق ويعتدي ويحوّل الجنوب إلى ساحة مفتوحة، علما أن لبنان ومقاومته إلتزما بكامل بنود الإتفاق.

هذا التجاهل لممارسات إسرائيل ليس جديدًا، لكنه هذه المرة بدا فاضحًا، لأنّ الوقائع الميدانية لم تعد قابلة للتأويل، ولأنّ لبنان رؤساء وقائد جيش وضع أمام الوفد ما تم إنجازه في جنوب الليطاني إضافة إلى ملفات موثقة بالصور والتواريخ والانتهاكات. ومع ذلك، غاب أي تعليق واضح أو موقف حازم، وكأن مهمة الوفد ليست حماية القانون الدولي، بل تجنّب إغضاب إسرائيل ومن خلفها أميركا.

ما يحصل يعمّق شعور اللبنانيين بأنّ المؤسسات الدولية تتعامل مع أزمات المنطقة بمنطق المعايير المزدوجة. فحين يعرقل العدو لبنان في تلبية المطالب والشروط، تتحرك الإدانات بسرعة البرق. أما حين تخترق الطائرات الإسرائيلية الأجواء اللبنانية آلاف المرات منذ إعلان وقف إطلاق النار، وتستهدف بنى تحتية، فالصمت يصبح هو القاعدة.

هذه الازدواجية لا تضعف فقط الثقة بجدوى العمل الدولي، بل تعطي إسرائيل ضوءًا أخضر لمواصلة اعتداءاتها، لأنها تدرك أنّ المحاسبة لن تأتي، وأنّ مجلس الأمن سيكتفي بالتذكير ببنود القرارات من دون تسمية من ينتهكها.

من حق لبنان دولة وشعبًا أن يسمع من مجلس الأمن موقفًا واضحًا يحمّل إسرائيل المسؤولية عن التصعيد، وأن يتلقى دعمًا لحماية حدوده وسيادته، لا مجرد نصائح “فضفاضة” تطالب الطرف الأضعف بضبط النفس. كما أن حماية المدنيين في الجنوب والبقاع لا يمكن أن تتحقّق ببيانات حيادية تُساوي بين المعتدي والمعتدى عليه، بل بموقف أو بقرار دولي يضع حدًا للانتهاكات المستمرة.

زيارة وفد مجلس الأمن لم تكن بلا أهمية، لكنها جاءت منقوصة بغياب الجرأة على تسمية الأشياء بأسمائها. وإذا كان المجتمع الدولي يريد بالفعل مساعدة لبنان على تجنّب الانزلاق نحو حرب واسعة، فعليه أن يبدأ بالاعتراف بواقع أن إسرائيل تتحمل المسؤولية الكاملة عن التصعيد وعن الحرب المستمرة، في حين أن دعم أميركا وصمت مجلس الأمن وتغاضي المجتمع الدولي يشكل جزءًا من المشكلة وليس جزءًا من الحل، وبالتالي ما يعجز عنه مجلس الأمن لن تسطيع فعله لجنة الميكانيزم ولا المبعوثون الدوليون، ولا إتصال الرئيس الأميركي دونالد ترامب برئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لتفعيل الدبلوماسية على حساب الاعتداءات، خصوصا أن من واجب ترامب بحسب التعهدات الأميركية للبنان أن يضغط على العدو لتنفيذ بنود إعلان وقف إطلاق النار لاسيما الانسحاب الكامل ووقف الاعتداءات، لتمكين السلطة السياسية من القيام بواجباتها.