Beirut weather 21.41 ° C
تاريخ النشر December 18, 2018
A A A
ما هي النتائج “الإخفاقية” لعملية “درع الشمال” الإسرائيلية؟
الكاتب: ابراهيم بيرم - النهار

فيما تقترب عملية “درع الشمال” الاسرائيلية على الحدود مع لبنان من نهاية شهرها الاول، اعلنت القيادة الاسرائيلية قبل يومين ان جيشها اكتشف نفقاً رابعاً على الجانب الاسرائيلي من تلك الحدود. وهذا يعني في قراءة الجهات المعنية بالموضوع وفي مقدمها “حزب الله”، امراً اساسياً هو ان تل ابيب اخفقت الى الآن في حصد النتائج والرهانات التي عقدتها اصلاً على هذه العملية لحظة خططت لاطلاقها من جهة، وانها على ما يبدو ماانفكت في صدد اطالة أمد هذه العملية عسى ولعل تتولد معطيات ووقائع مثيرة يمكن ان تبني عليها للعبور الى مزيد من الضغوط على لبنان و”حزب الله”.

وترى الجهات المعنية عينها ان الاخفاقات التي منيت بها تلك القيادة متعددة، في مقدمها:

  • طول مدة هذه العملية المزعومة، اذ يُفترض مبدئياً ان يكون “العقل العسكري الصهيوني الاستراتيجي” الذي يدّعي التفوق الدائم، قد أنجز هذ العملية بسرعة قياسية وحاسمة، لا ان يبلغ الرأي العام الداخلي والخارجي على السواء انه اكتشف اربعة أنفاق خلال نحو شهر يُفترض ان مقاتلي “حزب الله” قد بادروا الى حفرها طوال اشهر وربما اكثر من سنة في غفلة من أعين القوات الاسرائيلية التي تعرف انها مستنفرة ويقظة ومتحسبة دوماً.
  • انه لا يمكن تل ابيب حتى الآن ان تقدم اي دليل مادي وحسّي يثبت بما لا يدع مجالاً للشك ان لهذه الانفاق المكتشفة للتو امتدادات في الجانب اللبناني، او ان طرفها الآخر يبدأ من الاراضي اللبنانية، وتحديداً من الجانب اللبناني من الحدود. واذا صحّ ان اسرائيل عثرت على أنفاق أُعِدَّت اصلاً لأغراض عسكرية، فهي اكتُشفت في الاراضي الفلسطينية المحتلة. وهذا لا يمكن تقديمه اطلاقا على اساس انه دليل وبرهان عملي يؤكد ان “حزب الله” هو مَن بادر الى حفرها، وبالتالي ليس لدى اسرائيل وحتى القوة الدولية العاملة في الجنوب (“اليونيفيل”) اي دليل يُعتدّ به يثبت ان لهذه الانفاق المكتشفة حديثاً امتدادات في الجانب اللبناني من الحدود. وهذا الامر يسقط عملياً كل المقولات والمزاعم الاسرائيلية التي اثيرت حول هذا الموضوع منذ بداياته.

ان هذه الواقعة العنيدة تحول دون رغبات رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في المراكمة على معطيات ووقائع ميدانية معقولة ومنطقية تمهد لتقديم شكوى ضد لبنان الى مجلس الامن، تطلب فيها اسرائيل تعديل مهمات قوة “اليونيفيل”، وإن استطاع ان يدفع مجلس الامن الى وضع القرار الرقم 1701 المتَّخذ في صيف عام2006 تحت الفصل السابع . ومعلوم ان اسرائيل لم تترك اي فرصة منذ زمن بعيد لبلوغ هذه الغاية المحورية عندها.

  • أما على المستوى الداخلي اللبناني، فان الاخفاقات الاسرائيلية، وفق الجهات عينها، تتبدّى في شكل اكثر حضوراً ووطأة. اذ يُسجَّل بوضوح ان الحملة الاعلامية – السياسية الاسرائيلية العارمة والمستمرة منذ اسابيع لم تفلح اطلاقاً في إثارة اية ردود فعل استثنائية ولم تفجر اية حساسيات او تناقضات في العمق اللبناني.

وتلك حالة مطمئنة بالنسبة الى الجهات اياها توحي باستنتاجات ثلاثة:

الاول: رسوخ حال الاطمئنان الضمني لدى شريحة واسعة من اللبنانيين الى ان اسرائيل عاجزة عن تحويل حملتها الى مقدمة معقولة من شأنها ان تبرر اي عمل عدواني على لبنان.

الثاني: لان الرأي العام لم يعد قابلاً للانقسام والدخول في سجالات وتناحرات حيال قضية وطنية بامتياز بمستوى حملات العدوان الاسرائيلي في مختلف صورها والوانها.

والثالث: اليقين اكثر فاكثر بان اسرائيل باتت عاجزة اكثر من اي وقت مضى عن ممارسة ضغوط داخل اروقة المنظمة الدولية او حتى خارجها بهدف تعديل مهمات “اليونيفيل” المعمول بها منذ 12 عاما في الجنوب اللبناني، واستطرادا ادخال تعديلات على القرار1701 بحيث يؤول الى وضعه تحت الفصل السابع. فاسرائيل التي عجزت وهي في ذروة حربها على الاراضي اللبنانية في صيف عام 2006 عن ان تفرض وضع هذا القرار الاممي تحت الفصل السابع رغم كل الدعم الغربي الواسع لها في ذلك الحين، لن يكون في مقدورها الآن تحقيق رغبتها العارمة تلك، اذ ليس مفاجئاً ان ثمة عوامل ومستجدات قد فرضت نفسها وهي ليست لمصلحتها ولا تساعدها على المضي قدماً لبلوغ مرادها المزمن ولاسيما بعد تعاظم الدور الروسي المناهض للاطماع الاسرائيلية في الامم المتحدة. وقد تجلّى ذلك اخيراً في اعلان موسكو قبل يومين رفضها العلني والصريح لأي تفكير بالمسّ بالقرار1701، فضلاً عن ان الوقائع والظروف الداخلية في لبنان قد تحولت بشكل جذري، وخصوصا بعد تبدل المعادلات السياسية الداخلية.

وفي كل الاحوال، ترى الجهات عينها ان نهج “الصمت المطبق” الذي اتبعه “حزب الله” منذ انطلاق عملية “درع الشمال” ورفض خلالها التعليق سلبا او ايجابا على الادعاءات الاسرائيلية (وجود أنفاق)، بدد الى حد بعيد رهانات اسرائيلية على استدراج الحزب الى سجالات وردود فعل من شأنها ان تثقل الوضع الداخلي اللبناني وتدفعه الى التأهب والاستنفار، في حين ان سياسة “الثرثرة” والاكثار من الكلام التي اتبعتها القيادة الاسرائيلية قد أثقلت الوضع الداخلي الاسرائيلي ورفعت وتيرة تناقضاته الداخلية. ولم يكن كلام نتنياهو عن الأنفاق مفراً له من تهمة الفساد التي تلاحقه، اذ ما زال في نظر الرأي العام الاسرائيلي محاصراً بهذه التهمة.

وسواء كان الكلام الاسرائيلي عن اكتشاف الانفاق صحيحا ام غير صحيح، فانه قد تعزز في ذهن الاسرائيلي اكثر فاكثر اتساع القدرات الردعية للحزب وقدرته على تجاوز المنظومة الامنية الاسرائيلية الى درجة انه حفر اربعة أنفاق وربما اكثر ولم يتم الكشف عنها إلا بعد زمن.