Beirut weather 25.77 ° C
تاريخ النشر April 23, 2025
A A A
ما هي العوامل وراء التقدّم في المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية؟
الكاتب: حسن حردان

كتب حسن حردان في “البناء”

تشير كلّ المعطيات بأنّ الجولة الثانية من المفاوضات الأميركية الإيرانية التي عقد في روما قد أحرزت تقدماً جيداً باعتراف كلا الطرفين المفاوضين، حيث تمّ الاتفاق على المضيّ قدماً نحو العمل على التوصل إلى اتفاق دائم وملزم.. فيما عكس هذه الأجواء الإيجابية بدء الخبراء من الجانبين مفاوضات حول المسائل الفنية في عُمان.. وهو ما أثار حفيظة المسؤولين «الإسرائيليين» وقلقهم من التوصل إلى اتفاق مماثل لاتفاق عام 2015… لا سيما بعد أن اكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب انّ الولايات المتحدة اجرت محادثات جيدة للغاية مع إيران.
والأسئلة التي تطرح في ضوء ذلك هي:
ما هي العوامل التي تقف وراء هذا التقدّم الإيجابي في المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، واين تكمن مصلحة الجانبين في التوصل إلى اتفاق؟
وما هي أسباب القلق الإسرائيلي؟
أولاً، على صعيد العوامل التي تقف وراء التقدّم في المفاوضات، يمكن رصد العوامل التالية:
العامل الأول، المصالح الإيرانية والأميركية،
1 ـ تحتاج إيران إلى رفع العقوبات الاقتصادية التي ألحقت أضراراً باقتصادها، خاصة مع انخفاض عائدات النفط وتراجع قيمة العملة المحلية. الأمر الذي دفع طهران إلى البحث عن مخرج دبلوماسي لرفع العقوبات، خاصة مع تزايد الضغوط الداخلية بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة.
2 ـ أما على صعيد المصلحة الأميركية، هناك رغبة واضحة من قبل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تجنّب خيار الحرب، وتفضيل الحلّ الدبلوماسي، حيث صرّح ترامب بأنه «ليس في عجلة من أمره» لضرب إيران، مع التركيز على اتفاق يضمن الحدّ من البرنامج النووي الإيراني دون تكلفة عسكرية باهظة… إلى جانب تطلع ترامب إلى الاستفادة الاقتصادية الأميركية من السوق الإيرانية الواعدة بالاستثمار في وقت يسعى جاهداً لأجل إخراج أميركا من أزمتها الاقتصادية والمالية، عبر خفض النفقات، وإيجاد مصادر للدخل تضع حداً للعجز المتفاقم في الميزان التجاري الأميركي البالغ 1.2 تريليون دولار والذي يؤدي بدوره إلى زيادة مستمرة في حجم الدين العام الذي بلغ نحو 36 تريليون دولار…
العامل الثاني، الوساطة الدولية: لعبت سلطنة عُمان دوراً محورياً في تيسير الحوار غير المباشر بين الطرفين، بالإضافة إلى دعم روسيا كحليف لإيران في المفاوضات. هذه الوساطة ساعدت في خلق أجواء بناءة رغم انعدام الثقة التاريخي بين طهران وإدارة ترامب التي انقلبت على الاتفاق النووي عام 2018 بعد توقيعه عام 2015 في عهد إدارة الرئيس باراك أوباما…
العامل الثالث، التفاوض على أساسيات متفق عليها: ركزت الجولات الأخيرة على نقاط مثل الحدّ من تخصيب اليورانيوم بنسبة 60% وضمان الطابع السلمي للبرنامج النووي، مع مطالبة إيران برفع العقوبات وضمانات بعدم انسحاب واشنطن من الاتفاق الجديد… ويبدو من الواضح حسب تصريحات الجانبين انّ الأمور تسير بشكل إيجابي ولهذا تقرّر انتقال الحوار إلى الأمور الفنية، حيث لا مشكلة لدى إيران في إعطاء الضمانات التي تؤكد سلمية برنامجها النووي، وفي نفس الوقت المحافظة على حقها في مواصلة تخصيب اليورانيوم بقدراتها الذاتية والتقدّم التكنولوجي الذي حققته وتحققه بفعل ذلك…
ثانياً، أسباب القلق الإسرائيلي من التقدّم والعودة الى توقيع اتفاق جديد يعود إلى ما يلي:
1 ـ عدم شمولية الاتفاق المسائل التي تريدها «إسرائيل»، التي تخشى من أن يركز الاتفاق على الجانب النووي فقط دون معالجة برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية أو النشاطات الإقليمية، مما يترك إيران قادرة على تهديد أمنها…
2- التجربة السابقة مع اتفاق 2015، حيث تعتبر «إسرائيل» أنّ الاتفاق النووي السابق فشل في منع إيران من تطوير قدراتها النووية، خاصة بعد انسحاب ترامب منه. وتخشى تكرار السيناريو مع اتفاق جديد قد لا يضمن تفكيكاً كاملاً للبرنامج، لأنّ «إسرائيل» لا تريد لأيّ دولة في المنطقة امتلاك قدرات تجعل منها دولة قوية، خصوصاً إيران التي تتبنى موقفاً مبدئياً داعماً لقوى المقاومة في كفاحها ضدّ الاحتلال الإسرائيلي لأجل تحرير فلسطين والمقدسات العربية والإسلامية في القدس المحتلة.
3- غياب «إسرائيل» عن طاولة المفاوضات: لم تُدعَ «إسرائيل» للمشاركة أو حتى المراقبة، مما يزيد مخاوفها من أن تتجاهل الولايات المتحدة مصالحها الأمنية. وقد حاولت تل أبيب سابقاً تعويض ذلك بلقاءات سرية مع المسؤولين الأميركيين، لكن من دون أن تتمكّن من تغيير الوجهة الأميركية في عهد أوباما، واليوم من المتوقع أن يتكرر الأمر ذاته مع أي لقاءات أميركية إسرائيلية على هامش المفاوضات.
4- الخوف «الإسرائيلي» من رفض إيران أيّ اتفاق يشبه النموذج الليبي الذي يقضي بتفكيك كامل للبرنامج النووي، لكن «إسرائيل» تعتبر هذا الشرط أساسياً لمنع طهران من امتلاك سلاح نووي…
انطلاقاً مما تقدّم فإنّ التقدّم الحاصل في المفاوضات إنما يعكس حاجة الطرفين لتجنّب الحرب وتحقيق مكاسب آنية، لكن التحدي الأكبر يكمن في التفاصيل الفنية، ومع ذلك لن يكون من الصعب الاتفاق عليها خصوصاً إذا لم يكن هناك خلافات في الخطوط الأساسية التي يريدها كلّ طرف.. أما الاعتراض «الإسرائيلي» فإنّ واشنطن كفيلة باحتوائه، لأنّ المصالح الأميركية تتقدّم على المصلحة الإسرائيلية، وعندما ترى واشنطن أمراً يصبّ في مصلحتها ويحقق أهدافها لا يمكن لـ «إسرائيل» ان تعيقه، لأنها بالأصل تابعة لأميركا ووجودها في خدمة مصالحها.. وفي هذا السياق يمكن وضع كلام ترامب لـ نتنياهو خلال لقائه معه في البيت الأبيض وإبلاغه بتغليب خيار التفاوض على خيار الحرب، بأنّ «واشنطن تدفع لإسرائيل سنوياً أربعة مليارات دولار» .. هذا طبعاً عدا عن الدعم العسكري والاقتصادي.. في تذكير لـ نتنياهو بأنه لا يستطيع الاعتراض على ما تقرّره أميركا.