Beirut weather 20.41 ° C
تاريخ النشر December 3, 2018
A A A
ما هي الابعاد الاستراتيجية للمواجهة البحرية بين روسيا واوكرانيا؟
الكاتب: العميد شارل ابي نادر ـ موقع المرده

في الظاهر ، جاء إعتراض وتوقيف البحرية الروسية لبواخر عسكرية اوكرانية في بحر ازوف، تحت عنوان دخولها المياه الإقليمية الروسية دون ابلاغ موسكو، حيث يقضي بذلك اتفاق سابق بين الدولتين، ولكن في الحقيقة، لا يمكن وضع الحادثة الا في خانة ارتباطها باشتباك استراتيجي دولي، ابعد من حادثة بحرية عابرة بين الدولتين الجارتين اللدودتين، وذلك على الشكل التالي :

في نظر موسكو، إن القطع العسكرية الاوكرانية اخترقت السيادة الروسية لناحية مرورها في مياهها الاقليمية، على اعتبار ان هذه المياه قد تم احتسابها انطلاقا من كون شبه جزيرة القرم هي اراضٍ روسية، اما بالنسبة للمجتمع الدولي، فان النظرة الروسية غير صحيحة، كون شبه جزيرة القرم هي ارض محتلة من الروس، و تخرج المياه التي عبرت فيها القطع الاوكرانية من تحت سيادتهم، وبالتالي يعتبر توقيف روسيا لتلك القطع اعتداءً واضحاً يجب انهائه واطلاقها.

هذه الاشكالية لناحية السيادة على المياه الاقليمية في البحر الاسود وفي بحر ازوف المتفرع من الاول عبر مضيق كيرتش، نشأت بعد ان ثبتت روسيا تواجدها في شبه جزيرة القرم وضمتها الى سيادتها، بالرغم من اعتراض المجتمع الدولي باغلبه على ذلك، الامر الذي سبب المشكلة الروسية – الاوكرانية الحالية، والتي اخذت طابعا دوليا، تُرجِم بتنديد اوروبي واميركي واسع لتوقيف القطع الاوكرانية، وتُرجِم مؤخرا امتعاضا اميركيا مباشرا الغى بموجبه الرئيس ترامب اجتماعا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كان مقررا على هامش قمة العشرين الحالية في الارحنتين.

في الواقع، يأخذ الاشتباك الروسي بمواجهة حلف شمال الأطلسي طابعا حادا، ارتفعت حرارته مؤخرا بعد انسحاب الاميركيين من اتفاقية خفض الصواريخ المتوسطة والقريبة المدى، مبررين ذلك بتجاوز الروس الاتفاقية من خلال نشرهم لصواريخ وقدرات دفاعية وهجومية متطورة غرب روسيا، قادرة على عزل و الغاء مفاعيل اغلب قدرات حلف شمال الأطلسي الدفاعية في اوروبا الشرقية وفي بحر البلطيق.

عطفا على هذا الاشتباك الدولي المفتوح، والذي اخذ طابع قريب من سباق التسلح والحرب الباردة، جاءت المواجهة الروسية – الاوكرانية لتكون في الحقيقة مواجهة روسية – غربية بامتياز، ميدانها البحرين الاسود و ازوف وشبه جزيرة القرم واوكرانيا، وتقوم معطياتها على هواجس كل طرف كالتالي:

لناحية حلف شمال الاطلسي: يعتبر الحلف ان روسيا بالاساس تضع عينها على اوكرانيا، مثلما كان موقفها لناحية شبه جزيرة القرم وعملت لاحقا على ضمها، و يعتبر الحلف المذكور انه حين سهَّلت روسيا او اقتنعت مرغمة بالاساس، بانفصال اوكرانيا، كانت تأمل بوجود سلطة اوكرانية تمسك زمام الامور في اوكرانيا بطريقة غير بعيدة عن التوجهات الروسية، الامر الذي لم يحصل عمليا، وارتمت مباشرة السلطات الاكرانية في حضن الغرب، ولذلك بحسب حلف الناتو، فان روسيا تخلق الذرائع من وقت لآخر – وحادثة توقيف القطع البحرية الاوكرانية الاخيرة من ضمن هذه الذرائع – للسيطرة على اوكرانيا بالكامل، وانتزاعها من حضن الحلف والغرب.

لناحية روسيا: تعتبر موسكو ان الغرب واميركا وحلف شمال الاطلسي يخلقون من اوكرانيا نقطة ارتكاز استراتيجية ضدها في حديقتها الغربية المباشرة، من خلال دعم السلطة الاوكرانية في حملتها التعسفية بوجه المعارضين الاوكران في الشرق منها، والذين لا يخفون توجهاتهم وميولهم نحو روسيا ، تماما كما تصرف ابناء شبه جزيرة القرم، وهذا بالنسبة لموسكو يعتبر اجراء عدائي ضدها ، خاصة وان الرئيس الاوكراني بيترو بوروشينكو طلب مؤخرا من الاميركيين وبكل صراحة وضع قاعدة عسكرية اميركية في اوكرانيا، الامر الذي ربطته موسكو مع إستراتيجية اطلسية للتواجد العسكري في بحر ازوف، تحت غطاء قطع بحرية اوكرانية ستتمركز على موانئها الشرقية على البحر المذكور في مدن ماريوبول وبيرديانسك.

من هنا يأتي المضمون الفعلي للاشتباك الغربي – الروسي انطلاقا من اوكرانيا وبحر ازوف، والذي هو في الحقيقة صراع نفوذ، بالنسبة للروس للسيطرة على اوكرانيا وانتزاعها من حضن حلف شمال الاطلسي واكمال القوس الاستراتيجي الغربي لحدودها ( بيلاروسيا – اوكرانيا – شبه جزيرة القرم – البحر الاسود )، وبالنسبة لحلف شمال الاطلسي لتثبيت السيطرة على اوكرانيا ضمنا مع شرقها القريب من موسكو، ولامتلاك نقطة ارتكاز بحرية في بحر ازوف، مباشرة على الحدود الغربية المتاخمة لروسيا بمواجهة قاعدتها العسكرية الكبرى في روستوف …

فهل ينتهي هذا الاشتباك بحدوده الدنيا عبر اطلاق روسيا للسفن الاوكرانية، مع تعهد الاخيرة بالتقيد بالاتفاق الخاص بين الدولتين حول اجراءآت التحرك في بحر ازوف ومضيق كيرتش، ام ان اوكرانيا ستلعب دور الشرارة من ضمن المناورة الغربية، لتوسيع الاشتباك الروسي – الاطلسي نحو مواجهة حساسة، لن تكون بعيدة عن مواجهة عسكرية، لا يمكن التكهن بنتائجها وبمضاعفاتها ؟.