Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر September 20, 2019
A A A
ما هو مصير عجز الموازنة بعد الهجوم على “أرامكو”؟
الكاتب: بروفسور جاسم عجاقة - الديار

من المعروف أنه لطالما ألقى الصراع الإقليمي بثقله على المشهد السياسي اللبناني والذي كان ينتهي بتداعيات غير مباشرة على الإقتصاد اللبناني وعلى المالية العامّة، إلا أن الهجوم الأخير على أهمّ منشآت النفط في العالم في شرق المملكة العربية السعودية سيُلقي بثقله بشكل مباشر هذه المرّة على المالية العامّة وعلى الإقتصاد اللبناني.

هيكلية أسعار النفط في الأسواق تغيّرت كما تُظهر بيانات الأسواق المالية. فقبل الهجوم الحوثي على منشآت النفط السعودي، كان مستوى أسعار برميل النفط بحدود الـ 56 دولارا أميركيا للبرميل الواحد. إلا أنه وبعد أسبوع على مرور هذا الحدث، إرتفع مستوى الأسعار ليصل إلى 60 دولارا أميركيا للبرميل الواحد.

وبما أننا حتى الساعة لا نعرف مدى الضرّر الذي خلّفه هذا الهجوم، لذا تبدأ التكهنات حول الفترة الزمنية لعودة الإنتاج السعودي إلى حالته ما قبل الهجوم والذي إنخفض بقيمة 5.7 مليون برميل يوميًا. في الواقع الفترة الزمنية هذه، لها تأثير مباشر على هيكلية الأسعار. ففترة أسبوع إلى شهر، لن تترك أثار كبيرة في الأسواق، لكن فترة 3 أشهر إلى عام سترفع حكمًا هذه الأسعار إلى مستوى يفوق الـ 75 دولارا أميركيا. الجدير ذكره أن تباطؤ الإقتصاد العالمي يُقلّل من الطلب على النفط وبالتالي تبقى التداعيات على الأسعار أقلّ مما لو كان الإقتصاد العالمي في حال نمو إقتصادي كما كان في الأعوام الماضية.

التداعيات الإقتصادية على الدول المُنتجة للنفط هي إرتفاع في مداخيلها، بإستثناء المملكة العربية السعودية التي تخسر يوميًا ما بين 300 إلى 400 مليون دولار أميركي (غياب الفرص الإقتصادية). أما التداعيات على الدول المُستهلكة للنفط فستكون زيادة في الإنفاق وزيادة في الكلفة على الإقتصاد وبالتالي للدول التي تُسجّل عجزًا في موازناتها (كحال لبنان) سيزداد العجز حكمًا.

التداعيات لن تطال فقط عجز موازنة العام 2020، بل أيضًا عجز موازنة العام 2019 أو أقلّه العجز الذي سيُسجّل على الأشهر الأربعة الباقية من هذا العام. ولقد أصبح أكيدًا أن عجز موازنة العام 2019 سيتخطّى ما هو متوقّع في قانون الموازنة. بالطبع هناك شقان في هذا التخطّي: الأول ناتج عن تصريح صندوق النقد الدولي أن عجز الموازنة في نهاية هذا العام سيكون 9.75% (مقارنة بـ 7.59% مُتوقّع في موازنة 2019) مما يطّرح مصداقية التوقعات، والثاني ناتج عن إرتفاع فاتورة النفط على الأشهر الأربعة المُتبقّية من هذا العام.

وبإعتبار أن أسعار النفط سجّلت إرتفاعًا بنسبة 5%، فهذا يعني أن العجز سيزداد بقيمة 150 مليون دولار أميركي في الأشهر المتبقية من هذا العام. ليكون بذلك المشهد على النحو التالي: العجز المُتوقّع في موازنة 2019، 4.1 مليار دولار أميركي؛ العجز بموازنة 2019 بحسب صندوق النقد الدولي، 5.27 مليار دولار أميركي؛ العجز المُحقّق حتى شهر حزيران 2019 (annualized)، 4.84 مليار دولار أميركي؛ وإذا ما أضفنا 5% على الفاتورة النفطية على الأشهر المتبقية من العام 2019، يُصبح العجز المُحقّق حتى شهر حزيران 2019 (annualized 4.89 ) مليار دولار أميركي.

عجز موازنة العام 2020 تمّ على أساس أسعار النفط ما قبل الهجوم، ولم يكن ببال أحد أن مثل هذا الهجوم سيحصل. حتى أن الخبراء الإقتصاديين الذين شاركوا في إعداد ورقة بعبدا المالية الإقتصادية مع وزير الإقتصاد والتجارة، إقترحوا وضع حد أدنى وسقف لسعر صفيحة البنزين بدل فرض رسم عليها. هذا الإقتراح الذي أصبح تطبيقه شبه مُستحيل (نظرًا للضرّر الذي يُشكّله للمالية العامة) إذا ما إستمرّت أسعار النفط بالإرتفاع، سيكون له تداعيات على إيرادات موازنة العام 2020 .

مشروع موازنة العام 2020 الذي قدّمه وزير المال علي حسن خليل يحوي على عجز بنسبة 7.38% من الناتج المحلّي الإجمالي، أي ما يُوازي 3.99 مليار دولار أميركي منها 995 مليون دولار أميركي عجز لمؤسسة كهرباء لبنان. وبفرضية أن أسعار النفط إرتفعت بنسبة 5%، فهذا يعني أن العجز سيُصبح 4.14 مليار دولار أميركي مما يفرض على الحكومة إيجاد البدائل في الإيرادات أو خفض الإنفاق لكي تُرجع العجز إلى ما إقترحه الوزير علي حسن خليل. الجدير ذكره أن الرئيس سعد الحريري كان قد صرّح أن مهمة الحكومة هي خفض العجز إلى ما دون النسبة التي طرحها وزير المال في مشروع الموازنة.

هذا الواقع يُعزّز فكرة فرض الضرائب والرسوم ورفع الدعم عن السلع والخدمات وحتى خصخصة بعض المرافق نظرًا إلى حساسية الوضع المالي للدوّلة اللبنانية والتي لم يترك المبعوث الفرنسي دوكان جهدًا ليقوله للمسؤولين اللبنانيين.

بالطبع مرجعية فرض الضرائب والرسوم هي تلك التي تمّ إقتراحها في ورقة بعبدا المالية والإقتصادية والتي حظيت بموافقة مُعظم القوى السياسية اللبنانية ويُمكن تلخيصها بما يلي: زيادة الحسومات التقاعدية من 6% الى 7% للعاملين في القطاع العام، زيادة الرسوم على السجائر بمعدل 500 ليرة لبنانية لعلبة السجائر من الإنتاج الوطني و1000 ليرة لبنانية لعلبة الدخان المستورد، إعتماد ثلاثة معدلات للضريبة على القيمة المضافة (0% على المعفاة، 11% على غير الكماليات و15% على الكماليات مع إمكانية رفعها لاحقًا)، زيادة الضريبة على دخل الفوائد من 10% ال 11% وجعلها دائمة، فرض ضرائب أرباح مرتفعة على الامتيازات والأنشطة المضرة بالبيئة وعلى الاحتكارات (ما يُقارب 400 مليون دولار أميركي)، ووضع حد أدنى وحد أقصى لأسعار البنزين بما يضمن حقوق الدولة وحماية المستهلك (هذا الطرح لم يعد مُمكنًا مع إرتفاع أسعار النفط). بالطبع إلى هذا يتوجّب زيادة ما إقترحه وزير المال من تعديلات ضريبية (ضريبة الدخل، قانون الصندوق التقاعدي للمهندسين، قانون الإستملاك، قانون الموازنة العامة لعام 2019). إضافة إلى كل هذه البنود، هناك طروحات القوى السياسية التي تحوي على ضرائب ورسوم أيضًا.

وإذا كانت ورقة بعبدا المالية الإقتصادية نصّت على مراجعة كل الإعفاءات الضريبية، إلا أنها لم تُحدّد سقفًا لها وبالتالي فإن الحكومة تتمتّع بهامش على هذا الصعيد.

أما على صعيد الإنفاق، فقدّ إقترحت الورقة تجميد زيادة الرواتب والأجور لمدة ثلاث سنوات (أي ما يوازي 180 مليون دولار أميركي سنويًا) مع تشكيل لجنة لإصلاح النظام التقاعدي ونهاية الخدمة في القطاع العام، خلال فترة سنة.

وكيّ لا يكون المشّهد منحازًا، يتوجّب القول أننا لم نأتي على ذكر، إلا كل ما يطال المواطن بحكم أنها الأسهل للتطبيق بنظر البعض. الجدير ذكره أننا أعطينا رأينا الإيجابي في ورقة بعبدا المالية الإقتصادية في العشرات من المقالات التي نشرناها في جريدة الديار.

أمّا على صعيد الخصخصة، فنرى أن هناك توجّها لدى بعض القوى السياسية لخصخصة ملكية بعض الشركات المّملوكة من الدوّلة اللبنانية. وقد بدأ الأمر مع طرح أسهم لشركة الميدل إيست حيث ستحتفظ الدوّلة بأكثر من نصف الأسهم. وإذا كنّا نرى في خصخصة الأصول أمرًا غير صحّي لدولة تُعاني مشاكل مالية وتواجه منظومة فساد، إلا أنّنا نُشجّع على خصخصة الإدارات في هذه الشركات نظرًا إلى فعّالية القطاع الخاص في إنجاح العمل وزيادة إيرادات الدّولة اللبنانية.

ولمن يقول أننا بحاجة إلى الأموال فورًا لذا نعمد إلى الخصخصة، نقول أن عملية بيع أسهم شركة تتطّلب وقتًا بنفس مقدار الوقت الذي تتطلّبه محاربة الفساد. على هذا الصعيد، نُذكّر أن عجز الكهرباء لوحده يُشكّل 1.68% من الناتج المحلّي الإجمالي! وماذا نقول عن مليارات الدولارات المُستباحة على المرافق العامّة؟

من كل ما تقدّم، نرى أن الهجوم على المنشآت النفطية السعودية، أدّى إلى تعقيد مُهمّة الحكومة التي لا يُمكنها القول بعد اليوم أنها لن تزيد الضرائب. فالخيارات معروفة وهي ثلاث: ضرائب ورسوم، سحب مكتسبات إجتماعية، وخصخصة.