Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر September 6, 2016
A A A
ما بعد طاولة الحوار الانفراج أو الفوضى
الكاتب: رؤوف شحوري - الأنوار

ليس ما بعد الانصراف عن طاولة الحوار سوى الفوضى، أو انبثاق بصيص أمل بتحقيق انفراج يخرج البلد من غرفة الانعاش والعناية الفائقة. والحوار وحده كان حتى اليوم هو الخيمة التي تمدّ البلد بالأوكسيجين، وتساعده على تخطي حالة الاختناق المستمر التي يعاني منها. وهي حالة ولاّدة للأزمات، وتحتاج في المقابل الى ولاّدة للحلول! اللبنانيون متّهمون بالذكاء والنبوغ، والسياسيون صفوة النخبة من أصحاب هذه الميزة المزدوجة، بدليل انهم وصلوا الى مراكزهم ومواقعهم العليا الراهنة، هم دون سواهم! ومع ذلك، ورغم ذلك، لم توصلهم ألمعيتهم الى ايجاد مخارج أو الاتفاق على حلول، لأزمات مستفحلة منذ سنوات وعقود!

خلافاً لما يبدو عليه الأمر في الظاهر، فان الخلاف الجوهري والعمودي في لبنان، ليس هو الخلاف على انتخاب رئيس الجمهورية أو على شخص المرشح للرئاسة واسمه وهويته. وهناك فريق يتهم العماد عون بأنه يعطّل انتخاب الرئيس ويشلّ البلد تحت عنوان أنا أو لا أحد. والمفارقة هي ان هذا الفريق بالذات يعتمد القاعدة نفسها تحت عنوان آخر هو: اما أن تكون الغالبية النيابية والحكومية لي، أو لا أحد! وبهذا يتم الوصول الى النتيجة نفسها وهي تعطيل الانتخاب الرئاسي وشلّ البلد! والمغزى الحقيقي هو ان جوهر الخلاف يدور على طريقة تفصيل قانون الانتخاب على المقاسات المطلوبة، وليس على أي شيء آخر!

كل فريق على حق في المطالب التي يرفعها فيما لو كان منغلقاً على نفسه، ولا ينتمي الى حاضنة الوطن التي تتضمن هذا التعدّد من المجموعات الوطنية والثقافية. ويصبح هذا الحق نسبياً عندما يخرج كل فريق من الانغلاق الفئوي الى المجتمع المنفتح على بعضه بعضاً. والأفرقاء يوظفون ذكاءهم ونبوغهم اليوم على ابتداع أوراق جديدة يقذفون بها على طاولة الحوار، حتى أصبحت أكوامها تعلو على رؤوس المتحاورين حولها، وآخرها ورقة الميثاقية. والقاعدة المتبعة في الحوار حتى الآن هي ان كل فريق يرفض الورقة التي يطرحها الفريق الآخر، وهكذا!…

كل بلد صغير مثل لبنان، يخلو من مرجعية مثل مرجعية الرئيس نبيه بري تعمل على وصل ما انقطع بين مكوناته، مصيره الى الخراب غرقاً بأزماته! ولو وظّف الأفرقاء ذكاءهم ونبوغهم لمرة واحدة فقط، واتفقوا على التركيز على موضوع واحد مثل قانون الانتخاب، لكان ذلك بداية للخروج من الدوامة. والانقسام اليوم هو بين الأكثري والنسبي. وآخر حلّ مبدع ومنصف في آن أنتجه العقل الخلاّق ل ولاّدة الحلول الرئيس بري، هو اجراء انتخاب تمهيدي في القضاء على أساس أكثري، والانتخاب في المرحلة الثانية على أساس نسبي في المحافظات… ومثل هذا الحلّ عادل للجميع، ما عدا لأنصار قانون الستين ومقولة الأكثرية لي أو لا أحد!