Beirut weather 20.41 ° C
تاريخ النشر October 3, 2016
A A A
ما بعد بعد التمديد لقهوجي…
الكاتب: دافيد عيسى

اما وقد حصل ما كان متوقعاً ومدد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، فلنضع الآن كل الممحاكات السياسية والمصالح الشخصية والطموحات الرئاسية جانباً ولنلتفت الى ناحية دستورية وطنية هي الأهم في تحديد كيفية التعاطي مع مسألة تعيين قائد جديد للجيش وهي تتقدم على كل ما عداها من اسباب وعوامل دفعت بإتجاه التمديد للعماد قهوجي.

هذه الناحية تُختصر في انه لا يجوز في ظل عدم وجود رئيس للجمهورية تعيين قائد جديد للجيش وهذا سبب اساسي ومتقدم على سائر الأسباب والعوامل التي دفعت بإتجاه التمديد لقهوجي خصوصآ ان في نظامنا الطائفي تقضي التقاليد والاعراف ان يكون لرئيس الجمهورية “المسيحي الماروني” الكلمة الاولى في تعيين قائد الجيش، وكذلك بسبب الصلة الوثيقة بين هذا المركز القيادي الحساس ورئيس الجمهورية الذي هو القائد الأعلى للقوات المسلّحة.
اضافة الى ان المسألة لها علاقة بخصوصية المعادلة اللبنانية والتوازنات الطائفية والسياسية الدقيقة التي تحكم البلد، بحيث لم يعد مسموحآ وتحت اي شعار تجاهل وتهميش رئاسة الجمهورية الموقع المسيحي الاول في البلاد دوراً وموقعاً ومكانة وشراكة، وان تصدر القرارات والتعيينات بشكل طبيعي في ظل عدم وجود رئيس للدولة.
ان احترام الشراكة الوطنية “والميثاقية الحقيقية” التي نسمع عنها كثيرآ في هذه الايام البائسة يقولان انه من غير المقبول اجراء اية استحقاقات مهمة بما فيها تعينات قيادية وادارية وانتخابات بلدية ونيابية طالما لا يوجد رئيس للجمهورية، وهنا وفي هذا المجال تحديدآ واذا اردنا شواذاً على القاعدة، يمكن الإتفاق بين القوى السياسية على قانون جديد عادل للإنتخابات نظراً لأهميته في حفظ التوازن وتحقيق عدالة التمثيل الشعبي وصحته، ولكن لا تجري انتخابات نيابية على اساسه الاّ بعد انتخاب رئيس للجمهورية.
فاصدار قانون جديد للإنتخابات شيء وإجراء إنتخابات نيابية شيء آخر، لأنه اذا جرت هذه الإنتخابات في ظل فراغ رئاسي ولم يكن هناك اتفاق مسبق وملزم للكتل النيابية على انتخاب رئيس للجمهورية هناك خطر الوقوع في الفراغ القاتل وتصبح البلاد دون رئيس جمهورية ودون حكومة وستكون التداعيات كارثية على مستوى الوطن.
واذا كانت القوى والقيادات السياسية الممثلة داخل مجلس الوزراء لم تتفق على اسم قائد جديد للجيش، فإنها اتفقت وبأغلبيتها على بقاء العماد جان قهوجي في موقعه في هذه المرحلة تحديدآ وذلك لسببين رئيسين:
الاول: لان المرحلة استثنائية ودقيقة وحساسة ولا تحتمل اي فراغ في قيادة المؤسسة العسكرية وادنى اهتزاز في ادائها وجهوزيتها ودورها على الارض ولعدم تحويل اهم مؤسسة امنية وعسكرية تحمي البلاد واهم مرفق عام في البلاد الى مؤسسة ومرفق مشلول ومعطل ودون رأس في هذا الظرف الحساس والخطير في ظل تعذّر حصول اتفاق سياسي داخل مجلس الوزراء على قائد جديد للجيش وهذا سيدفع بالبلاد الى السقوط في المجهول، من هنا فان الخيار الحكيم الذي اتخذه وزير الدفاع سمير مقبل لم يكن خيارآ وحسب بل ضرورة صونآ للمؤسسة العسكرية التي تخوض حربآ ضد الارهاب..
والثاني: له علاقة بالدور القيادي الذي يؤديه العماد قهوجي حيث كان له فضل اساسي في وضع المؤسسة العسكرية فوق الخلافات والصراعات الداخلية الضيقة وابعادها عن التجاذبات السياسية من خلال وقوفها على مسافة واحدة من الجميع، كما نجح وهذا الاهم في قيادة عملية التصدّي للإرهاب ومحاربته وفي ان يحقق الجيش اللبناني انجازات نوعية عجزت عنها اقوى الجيوش واكثرها تجهيزاً وتسليحاً، وهذا ما ادى الى ترسيخ حالة الإستقرار في حده الادنى في منطقة متصحرة حياتياً ومتفجّرة امنياً.
سلسلة من الإنجازات العسكرية الأمنية تحققت بفعل ارادة وطنية صلبة واداء متّقن ومحترف عند الجيش اللبناني بقيادة العماد قهوجي، هذه الإنجازات شهدنا الكثير منها في منطقة الحدود الشرقية مع سوريا حيث حاول الإرهابيون والانتحاريون تكراراً التسلّل والنفاذ الى الأراضي اللبنانية وباءت كل محاولاتهم بالفشل.
كما شهدنا الكثير منها في الداخل وكان آخرها توقيف مديرية المخابرات في الجيش بقيادة العميد كميل ضاهر وباشراف قائد الجيش شخصيآ امير داعش في مخيم عين الحلوة المدعو عماد ياسين في سياق عملية متواصلة لتفكيك خلايا الإرهاب ومطاردة رؤسه وتوقيفهم، ولمنع تحويل اي مخيم فلسطيني الى ملاذ آمن للإرهابيين، هذه العملية وبشهادة خبراء ودبلوماسيين اعتبرت ناجحة ونوعية بكل المقاييس لأنها عملية نظيفة لم تُراق فيها الدماء وحققت هدفها ونُفذت بطريقة احترافية وخاطفة واستبقت كل ردود الفعل الممكنة واحتاطت لها.
وهنا واذا كان الشيء بالشيء يذكر فان ما يثير الإستغراب والإستهجان والاستنكار، انه في الوقت الذي كان فيه الجيش يحقق هذا الانجاز النوعي ويخوض عملية غير مسبوقة بنوعيتها، وفي الوقت الذي كان الجيش يعلن عن انجازه الكبير في مخيم عين الحلوة، كان البعض يتسلّى بفتح ناره المسمومة بإتجاه قائد الجيش ويحاول عبثاً النيل من صورته وهيبته ودوره من خلال تحريف رواية من اجل اهداف سياسية بعيدة كل البعد عن مهنة الصحافة والاعلام، بشأن قرار صادر عن احد المصارف يعفي قائد الجيش من اجراءات مصرفية شكلية.
هذا القرار الذي اتُخذ بمبادرة شخصية من مدير احد فروع هذا المصرف وقوبل برفض شديد من العماد قهوجي عندما علم بمضمونه، والذي لم يوضع اصلآ موضع التنفيذ وجرى الغائه فورآ وابلغ قرار الالغاء في حينه الى اعلى سلطة رقابية مصرفية، وقد جرى نبشه بعد مضي حوالي سنة على الغائه لإستثماره بأبشع الطرق لغايات واهداف سياسية وفي محاولة مكشوفة للنيل من العماد قهوجي شخصيآ والذي لم يقدر اي ملف النيل منه والمسّ به ولو بشعرة.
ان هذا الإنحدار في العمل الاعلامي عند قلّة من الاعلاميين لم يعد مقبولآ حتى لو كان من اجل خدمات سياسية يؤديها هؤلاء لمصلحة طرف سياسي معين، فهؤلاء القلة اصبحوا مكشوفين ومعروفين لدى الرأي العام بعدما امتهنوا هذه الأساليب الملتوية، فلهم نقول مهما حاولتم تشويه صورة الاوادم والشرفاء في هذا البلد لن تستطيعوا حجب نور الحقيقة الساطعة.