Beirut weather 14.41 ° C
تاريخ النشر June 10, 2021
A A A
مانشيت “النهار”: مناورات ولا اختراق والأزمات الخانقة تتصاعد
الكاتب: النهار

بين طوابير السيارات المتراصفة امام محطات المحروقات التي تنذر بتنامي ازمة البنزين، اسوة بأزمات تتسابق على إبراز إنهيار حقيقي وبالغ الخطورة في النظام الخدماتي بكل قطاعاته، وبين مناورات سياسية متمادية لا هدف لها سوى التغطية على مخطط منهجي لا حاجة الى ابراز اثباتات حول وجوده لابتداع ذرائع تعطيل تأليف حكومة انقاذية، تتسارع فقط القفزات الواسعة نحو الانهيار الأكبر الذي يتهدد بقايا صمود اللبنانيين في الحد الأدنى من موجبات العيش والبقاء.
ذلك ان تفاقم أزمات المحروقات والمستشفيات والطبابة والأدوية وسط اشتعال الأسعار على نار دولار السوق الذي عاد يسجل قفزات محمومة دفعته الى سقف الـ15 الف ليرة ترمى بالونات التخدير بعناوين مالية ومصرفية باهتة مما جعل المشهد الداخلي اقرب ما يكون الى عد عكسي لانفجارات اجتماعية واضطرابات قد لا تسلم منها البلاد اذا ظل الاستهتار المخيف يطبع مواقف سلطة حاكمة في نهجها التعطيلي المفضوح.
ولم يكن خافياً على الأوساط المعنية والمواكبة للاتصالات السياسية الجارية حول الازمة الحكومية والتي تدور في فلك مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري في هذا السياق، ان موجة التسريبات التي جرى تعميمها امس حول “لقاء البياضة” ليل الثلاثاء كشفت اهداف جهات معروفة استهدفت استفزاز الرئيس المكلف سعد الحريري وفريقه ومؤيديه من خلال تعميم الانطباع المؤذي القائل بان الاجتماع الرباعي في البياضة يتولى تشكيل الحكومة وما على الحريري سوى الانصياع والا اتهم بتعطيل الفرصة الأخيرة.

وهو انطباع أكدته معطيات جدية من ابرزها ان مصادر الثنائي الشيعي سارعت بعد ظهر امس الى تبديد التسريبات التي تحدثت عن ان كرة الموقف صارت في مرمى الرئيس الحريري، وأكدت بقاء العقدتين المتعلقتين بالوزيرين المسيحيين في تشكيلة الـ24 و وزيرا. هذه المناورة السياسية شكلت نموذجاً جديداً حيال اللعب الحارق بعدما تجاوزت مناورات الفريق المعطل الخطوط الحمر كلها وباتت تلعب ضمن العد العكسي لانفجار اجتماعي واقتصادي يتهدد البلاد باوخم العواقب.
وتكشف المعطيات المتوافرة لـ”النهار” ان أي اختراق جدي لم يحصل في المشاورات والاتصالات الجارية، وان النائب علي حسن خليل زار امس الرئيس الحريري وأطلعه على نتائج لقاء البياضة الأخير، وان الحريري لم يبد مرتاحاً للنتائج التي بدا من خلالها ان رئيس الجمهورية والنائب باسيل لا يزالان يرفضان التسليم بحق الرئيس المكلف في تسمية وزيرين مسيحيين. ولكن الاتصالات واللقاءات ستتواصل والحريري يبدو ممتنعا طوعاً عن الافضاء باي معطيات وإعلان أي موقف لانه يترك الوقت اللازم لمبادرة الرئيس بري لتأخذ كل مداها ولكي يتبلور نهائيا موقف العهد ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل من خلال اللقاءات التي تعقد بين باسيل والمعاونين السياسيين للرئيس بري والأمين العام لـ”حزب الله” علي حسن خليل وحسين الخليل ورئيس وحدة الارتباط في “حزب الله” وفيق صفا .

وبدا لافتا ان موجة التسريبات “المضللة” تجاهلت ظاهرة تولي رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل التفاوض حول الملف الحكومي باسم العهد وباسم التيار معاً مما يؤكد ان العقدة الأساسية تكمن في الخلل الجوهري هذا الذي بات مكشوفاً.

 

تسريبات “هادفة”
وكان إعلام “التيار الوطني الحر” تولى الحديث عن ان لقاء البياضة الأخير “كان إيجابيًا، وحصل تقدم في البحث”، وان “الطرح الذي تم التوافق عليه بين باسيل والثنائي ينتظر جواب الرئيس الحريري الذي تبقى الكرة في ملعبه، وان الهيكل الاساسي للحكومة الجديدة تم التوافق عليه بالكامل مع باسيل والتأليف بات راهنا متوقفا بالكامل على موقف الحريري فإما يسير بالتشكيل او يخرج بعقد جديدة”.

واستتبعت هذه التسريبات بصياغة مثيرة للاستفزاز ومفادها ان اجتماع الخليلين وصفا بباسيل دام 3 ساعات “وتمّ الاتفاق فيه على توزيع الحقائب كافة باستثناء واحدة، على ان ينقل بري للحريري عبر معاونه خليل، أجواءَ اللقاء مع باسيل”، وانه في ضوء هذه المحادثات، يفترض ان يعقد لقاء ثالث في البياضة بين باسيل والخليلين وصفا من اجل استكمال البحث بآلية تسمية الوزيرين المسيحيين. ونقل لاحقا عن مصادر متابعة ان “تمّ إسقاط الأفكار التي طُرحت سابقاً بالشأن الحكومي في اجتماع باسيل مع الخليلين على أن يقدم كلّ من عون والحريري لائحة بالأسماء ويُصار إلى اختيار الأنسب ولكن حُكي عن أنّ الحريري قد لا يقبل بذلك”.

الا ان مصادر الخليلين سارعت بعد الظهر الى التوضيح أنه “ليس دقيقاً أنّ الكرة في ملعب الرئيس المكلف سعد الحريري، وبانتظار إجتماعات لاحقة لحلّ العقدتين المتبقّيتين واللّتين تستوجبان عقد إجتماعات أخرى مع رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل”. ولكن المصادر لم تنف حصول تفاهم في اللقاء على توزيع الحقائب بحيث لم تبق الا حقيبة الطاقة كما طرحت أفكار حول تسمية الوزيرين المسيحيين بتوافق الرئيسين عون والحريري تكتمت عنها المصادر. وسوف يعقد لقاء ثالث في البياضة .

ووسط التزام بيت الوسط الصمت وعدم التعليق على هذه التسريبات، أكد نائب رئيس تيار “المستقبل” مصطفى علوش “أن لا قطب مخفية في الملف الحكومي إنما العقدة الاساسية هي في استمرار “التيار الوطني الحر” بسياسية اللف والدوران بهدف الحصول على ثلث معطل”. وقال: “القضية تتخطى تسمية الوزيرين المسيحيين إنما ما يجري هو ان النائب جبران باسيل يحاول الإيحاء بأنه يدافع عن حقوق المسيحيين”. وأشار الى ان “المطلوب اليوم حكومة قادرة على التفاهم مع المجتمع الدولي ولا سيما صندوق النقد الدولي والدول التي يمكن ان تساعد لبنان”. وعن خيار اعتذار الرئيس الحريري، أشار علوش الى ان “الأولوية الآن هي لإنجاح مسعى الرئيس بري أما إذا فشلت مبادرته فستتمّ مراجعة الخيارات المتاحة أمام الرئيس المكلف”.

وفي غضون ذلك افتتح امس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الرياضة الروحية السنوية لسينودوس الأساقفة الموارنة بكلمة تناول فيها الأوضاع المأسوية للبنانيين وقال “شعبنا يتطلع إلينا طيلة هذين الأسبوعين، ولم يبق له من أمل وثقة سوى في الكنيسة، بعد أن فقدهما في الجماعة السياسية والمسؤولين. وهذا أمر طبيعي إذ يأتي نتيجة انتكاسات وخيبات متتالية”. واكد ان “هذا الواقع المعنوي المرير لا يشكل بالنسبة إلينا مجرد إدانة، بل واجباً علينا للتعويض عن تقصير الدولة والمسؤولين تجاه المواطنين وكل مواطن، من خلال مؤسساتنا، وأراضينا، وتنظيمنا لخدمة المحبة الإجتماعية والإنمائية.

وإننا ككنيسة لا نستطيع أن نسكت أو أن نقف مكتوفين إزاء المظالم السياسية والإجتماعية والمعيشية النازلة بشعبنا من خلال حرمانه الغذاء والدواء، أبسط حقوقه الأساسية ولا سيما فرص العمل على أرض الوطن، والعيش بكرامة، وقد جعلته الجماعة السياسية والمسؤولون شعبا متسولا، محروما من الوظيفة ومن مورد العيش بعرق الجبين، حتى أصبح نصف الشعب اللبناني في حالة فقر”.

ازمة المحروقات
اما على صعيد الازمات الخدماتية المتلاحقة والمترابطة فتحوّلت طرق بيروت ومعظم المناطق امس الى مواقف حاشدة للسيارات التي اصطفت في طوابير طويلة امام المحطات مع اشتداد ازمة توزيع البنزين وتقنين المادة . وأفادت المعلومات ان أزمة المحروقات لن يكون من السهل حلّها في المدى المنظور خصوصاً أن مصرف لبنان وافق على باخرتين فقط مقابل 4 بواخر في السابق. وتردد ان المخزون الباقي لا يكفي السوق اكثر من اسبوع.

وفي المقابل اتسعت معالم الانفراج في التزود بالفيول لكهرباء لبنان اذ تبلغ رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب رسميا قرار مجلس الوزراء العراقي بمضاعفة كمية النفط التي كانت الحكومة العراقية قد أقرتها للبنان من 500 ألف طن إلى مليون طن سنويا. وكان دياب قد تواصل هاتفيا مع رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي شاكرا له “جهوده وللحكومة العراقية والشعب العراقي الشقيق وقوفهم إلى جانب لبنان في هذه المرحلة العصيبة التي يمر بها”.

ونوه الكاظمي بـ”الدور الذي لعبه الرئيس دياب في ظل ظروف صعبة جدا”، مؤكدا “أن الشعب اللبناني يستحق الوقوف معه في محنته الحالية”.