Beirut weather 17.43 ° C
تاريخ النشر March 21, 2022
A A A
مانشيت “الديار”: الدولار الى ارتفاع وأسعار السلع تحلّق والوضع الإقتصادي إلى الأسوأ
الكاتب: الديار

دخل لبنان مرحلة المجهول مع كل ما يواجهه من ملفات شائكة تهدّد عمل مؤسساته بما فيها مجلس الوزراء. وإذا كانت الأزمة الثلاثية الأبعاد، سياسية – قضائية – مصرفية، هي زناد دخول مرحلة المجهول، إلا أن الملفات الأخرى أي الإقتصادية والمعيشية والمالية والنقدية لها دورا أساسيا في هذا الأمر، ويبقى مصير المواطن مجهولاً طالما لا بوادر أمل تلوح في الأفق.

 

 

الأزمة القضائية المصرفية
تُلقى الإجراءات القضائية التي يأخذها بعض القضاة ضد القطاع المصرفي، بظلالها على حياة المواطن سواء من الباب الإقتصادي أو من الباب المعيشي. فالقرارات بحق هذه المصارف لها تداعيات مباشرة على المواطن خصوصًا بعدما اتخذت المصارف قرارات في ما يتعلّق بسحب راتبه وأجره من المصارف، وإستيراد السلع والبضائع الأساسية لإستهلاكه كالمحروقات والمواد الغذائية والأدوية، ولكن أيضًا سعر الدولار في السوق السوداء.

القرارات القضائية أثارت غضب الرئيس ميقاتي الذي وصفها بـ «الملاحقات الشعبوية»، ودفعته إلى الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء لمناقشة الإجراءات التي لـ «تصويب المسار القضائي» حيث وجه الدعوة أيضًا لرئيس مجلس القضاء الأعلى والنائب العام التمييزي ورئيس التفتيش القضائي للمشاركة في الجلسة، وطلب منهم تقديم صيغة تضع حدًا للملاحقات القضائية بحق المصارف ورؤسائها من جانب النائبة العامة لجبل لبنان. إلا أن القضاة الثلاثة غابوا عن الجلسة عملًا بمبدأ فصل السلطات وهو ما قيل أنه نتاج رفض فريق عمل الرئيس عون لهذا الأمر خلال الإجتماع الرئاسي الثلاثي في بعبدا (نهار الجمعة المُنصرم).

وبحسب المعلومات، فقد بحث الرؤساء الثلاثة في هذا الإجتماع موضوع الملاحقات القضائية وهدّد خلالها الرئيس ميقاتي بالإستقالة إذا ما إستمر المسار القضائي على ما هو عليه. إلا أن مصادر مُقرّبة من الرئيس ميقاتي عقّبت على هذا الأمر بالقول أن تعطيل عمل مجلس الوزراء من خلال التوقّف عن الدعوة إلى جلسات هو من الخيارات المطروحة أمام الرئيس ميقاتي قبل الإستقالة على غرار ما فعله الثنائي الشيعي. وهذا إن حصل سيؤدّي إلى شل عهد الرئيس عون بالكامل خصوصًا أن تشكيل حكومة ما بعد الإنتخابات (إذا ما حصلت) لن تكون سهلة!

ومن وجهة نظر الرئيس ميقاتي، فإن ملاحقة القطاع المصرفي لا تدخل ضمن صلاحيات مُدّعي عام جبل لبنان مع وجود مدع عام مالي تقع المصارف ضمن دائرة اختصاصه وتحت الإشراف المباشر للنائب العام التمييزي. وتُفيد مصادر صحافية إلى أن الرئيس ميقاتي اتصل بالنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات وطلب منه «وضع حد لملاحقات القاضية عون العشوائية مستعملا معه اللهجة الحادة». إلا أن عويدات ردّ بالقول أنه ليس بمقدوره حمل هذا الملف الذي يحوي على تصفية حسابات سياسية ويُفضل نأي القضاء عن الصراعات السياسية ودعا الرئيس ميقاتي إلى حلّ هذه الأزمة من خلال مجلس الوزراء.

وإذا كانت المعلومات التي شحّت من إجتماع مجلس الوزراء نهار السبت الماضي تُفيد بأن «الوزراء متُفقون على معالجة الموضوع القضائي وفق القوانين»، إلا أن نفس المعلومات تُشير إلى أن التصعيد مُستمر خصوصًا أن ميقاتي وقع في فخ التدخل في عمل السلطة القضائية وهو الذي رفض التدخل سابقًا لنزع فتيل الأزمة في ملف القاضي البيطار بحجّة فصل السلطات.

عمليًا التصعيد القضائي تجاه القطاع المصرفي ينقسم إلى قسمين: التصعيد ضد حاكم مصرف لبنان، والثاني التصعيد ضدّ المصارف بشخص رؤساء مجالس الإدارة.

على صعيد الحاكمية، تُحاول مُدعية عام جبل لبنان تطويق رياض سلامة بكل الطرق، إذ يكفي رفع أي شكوى ضد سلامة حتى تقبلها القاضية عون وتُفعّل الملاحقة بحسب ما ذكر أحد الصحافيين في مجلس خاص. وتتمتّع القاضية عون بغطاء سياسي واضح من قبل القصر الجمهوري وبالتالي فإن حركة الرئيس ميقاتي تجاه دفع القاضي عويدات إسناد هذا الملف إلى المدعي العام المالي تحت إشراف عويدات نفسه غير مُمكن، حيث وبحسب الصحافي طوني أبي نجم، تمّ إستدعاء عويدات إلى القصر الجمهوري وطُلب منه عدم التدخل في الملف. وما طلب القاضية عون حضور حاكم مصرف لبنان إلى بعبدا للإستماع إلى إفادته ومواجهته مع رجا سلامة، إلا دليل على أن التصعيد مُستمر وقد يكون الختام الإدعاء على سلامة وتحويل الملف إلى قاض يكون عليه «مونة».

لكن التخوّف الأكبر يبقى من تدخل أجهزة ثانية (غير جهاز أمن الدولة) لجلب رياض سلامة ومثوله أمام القاضية غادة عون، حيث تخوّفت مصادر أمنية من أن يشهد اليوم إحتكاكًا مسلّحًا بين هذه الأجهزة والقوى المولجة حماية حاكم المصرف المركزي. وأضافت المصادر أن هذا إن حصل سيؤدّي إلى تحلحل الدولة رسميًا مع تسخير أجهزة أمنية رسمية لمصالح سياسية تكون نهايتها كارثية على المواطن.

أمّا على صعيد المصارف، فالملاحقات مُستمرة ومن المتوقّع أن تستمر بزخم كبير مع رفع دعوى جديدة من قبل «جمعية المودعين» أمام قاضي الأمور المُستعجلة لإلزام المصارف فتح أبوابها اليوم وغدًا. وإذا كان قرار القاضي إلزام المصارف فتح أبوابها مُمكنًا نظريًا، إلا أن التنفيذ على الأرض يبقى صعب المنال خصوصًا أن الصراف الآلي فارغ وستتحجّج الفروع بعدم وجود المال فيها للقيام بعمليات الزبائن.

على صعيد آخر، يُتداول في الإعلام أن إخبارًا مُقدّمًا من أحد اللبنانيين المُقيمين في موناكو ضد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، دفع بالسلطات القضائية هناك إلى طلب معلومات عن ميقاتي من السلطات اللبنانية، وهو ما يعني أن تصفية الحسابات سائرة على قدم وساق! وبغض النظر عن السيناريوهات المُحتملة، ما يحصل يُظهر مستوى التدخل السياسي في العمل القضائي وهو ما يفرض تحصين القضاء من أهله وتنقيته لحماية الدولة بكل مؤسساتها وأفرادها.

 

 

مجلس الوزراء
وكان أشير سابقاً نقلاً عن مصدر وزاري «أن الجسم الحكومي سليم رغم تباين الآراء حول بعض القضايا». إلا أن هذا التصريح لا يعكس بالضرورة الحقيقة على الأرض على الرغم من حرص المصدر الوزاري في تصريحه على القول بأن «الحكومة ماضية في القيام بواجباتها ومهامها». فالأنظار مُسلّطة على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لمعرفة ردّة فعله على الملاحقات القضائية التي تقوم بها القاضية عون حيث أن من بين الإحتمالات المُتوقّعة عزوف الرئيس ميقاتي عن الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء كردّ مباشر على إستمرار الملاحقات التي يُصنّفها ميقاتي بأنها ملاحقات ذات أهداف سياسية وذلك بغض النظر عن أحقيتها من عدم أحقيتها.

وإذا كان موقف الرئيس ميقاتي هو رهينة عمل وزير العدل الذي تكفّل البحث مع الجسم القضائي مُعالجة تداعيات القرارات القضائية المُتصلة بالقطاع المصرفي، فإن التوقّعات ألا تُثمر هذه الإتصالات نظرًا إلى التدخل الكبير من قبل الفريق الرئاسي في هذا الملف. وعلمت الديار أن مطلب الرئيس ميقاتي الرئيسي هو سحب الملف من يد القاضية عون ووضعه في مكانه الصحيح أي لدى المدعي العام المالي بإشراف مدعي عام التمييز. وبما أن هذا الأمر غير مُمكن نظرًا لموقف رئاسة الجمهورية، لذا فإن التوقّعات تدور حول تعطيل شبه كامل لمجلس الوزراء في المرحلة المقبلة.

 

 

الأسعار إلى الإرتفاع
تطورات الملف القضائي بحق المصارف، دفع هذه الأخيرة إلى إعلان يومي إضراب (اليوم وغدًا)، ما ادى الى رفع من سعر صرف الدولار في السوق السوداء نظرًا إلى دور المصارف في عرض الدولارات على منصة «صيرفة». هذا الأمر إنعكس سلبًا على أسعار السلع والمواد الغذائية التي إرتفعت وسترتفع أكثر في الأيام المقبلة، وهو ما دفع العديد من المواطنين إلى إستباق إرتفاع الأسعار وتخزين مواد غذائية وسلع أولوية لتفادي إرتفاع الفاتورة الإستهلاكية أخر هذا الشهر. هذا الإرتفاع ليس نتاج الملفات القضائية بحق المصارف فقط، فالأزمة الروسية – الأوكرانية تلعب دورًا جوهريًا في هذا الإرتفاع وكان التعويل على الحكومة في إجراءات مُعيّنة للجم الإرتفاع في هذه الأسعار. إلا أن التطورات القضائية وردة فعل المصارف تُقلّل من إحتمال إتخاذ مثل هذه الإجراءات وبالتالي زادت المخاوف بشكل كبير.

وبحسب نقيب أصحاب السوبرماركت، هناك إرتفاع أكيد بأسعار السلع نتيجة إرتفاع أسعار النفط الذي يؤثر بشكل مباشر على الكلفة، ونتيجة إرتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة اللبنانية في السوق السوداء. وبحسب النقيب، إرتفع سعر صرف الدولار تقريباً بنسبة 10%. أمّا بالنسبة لرئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية فان «إرتفاع أسعار السلع الغذائية سيكون بنسب متفاوتة»، وقد تصل إلى 40% لبعض السلع. من جهة اللحوم، الوضع ليس بأفضل حيث أن هناك إرتفاع الأسعار أكيد بحكم الأزمة الأوكرانية – الروسية وقد يصل هذا الإرتفاع إلى أكثر من 15%.

على صعيد المحروقات، شهدت محطات الوقود أمس زحمة خانقة من قبل المواطنين الذين يتهافتون لملء خزانات سياراتهم بالوقود خلال الإقفال المتوقّع ليومين، غير أن الأزمة حلت وتم التأكيد على توافر المحروقات في السوق بدءا من اليوم. أيضًا يتوجب الذكر أن الأسعار ستعود إلى الإرتفاع في الأيام المقبلة مع إرتفاع أسعار النفط العالمية ومع إرتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء.

 

 

لا كهرباء من دون إصلاحات
أمّا كهربائيًا، فالأزمة إلى تصعيد أكثر مع تراجع ساعات التغذية بشكل متواصل مع مناطق محرومة بالكامل من التيار الكهربائي الآتي من مؤسسة كهرباء لبنان، في حين أنها لا تتعدّى الساعتين يوميًا في بعض المناطق. وإذا كانت المولّدات الخاصة تؤمّن من 7 إلى 12 ساعة يوميًا، إلا أن الأسعار مُرشّحة للإرتفاع بشكلٍ كبير مع إرتفاع أسعار النفط عالميًا، حيث من المتوقّع أن ترتفع التسعيرة بنسبة 15% أقلّه في المرحلة المُقبلة.

هذا وأفادت مصادر مُطلعة على ملف الكهرباء أن إقرار الخطة من قبل مجلس الوزراء لن يُقدّم أو يؤخّر في تحسين الوضع الكهربائي نظرًا إلى أن الخطة تحتاج إلى أمرين للمضي فيها: الأمر الأول هو الضوء الأميركي الأخضر للسلطات المصرية والأردنية، والثاني هو تمويل من البنك الدولي للمشروع، وهذين الأمرين مشروطان بإصلاحات على رأسها تعيين الهيئة الناظمة للقطاع ولكن أيضًا مربوطة بملف ترسيم الحدود البحرية مع العدو الإسرائيلي. وبالتالي فإن التيار الكهربائي سيكون مُشكلة جوهرية في المرحلة المقبلة.

 

 

ترسيم الحدود
عاد ملف ترسيم الحدود الجنوبية مع العدو الإسرائيلي إلى الواجهة مع اقتراح الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين. هذا الإقتراح الذي تمّت مناقشته في اللقاء الثلاثي الذي جمع الرؤساء الثلاثة في القصر الجمهوري الأسبوع المنصرم، ووجه برفض ديبلوماسي من خلال دعوة لبنان للولايات المُتحدة الأميركية للإستمرار في جهود الوساطة التي تقوم بها لاستكمال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل على ضوء ملاحظات وضعتها اللجنة التقنية اللبنانية على اقتراح الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، وذلك وفقاً لإتفاق الإطار والخط 23 كمنطلق للبحث في مفاوضات ترسيم الحدود.

على كل الأحوال، دخل لبنان عمليًا مرحلة المجهول مع ضرب القطاع المصرفي وفقدان المواطن لأمنه الغذائي وزيادة الصراعات السياسية، اضافة الى عدم اقرار الحكومة وثم المجلس النيابي قانون الكابيتال كونترول والذي يحفظ بطريقة غير مباشرة ودائع المواطنين في المصارف، دون أن ننسى ان على الحكومة الاسراع في اقرار خطة التعافي الاقتصادي على أن يكون المودع الطرف الأقل تضرراً منها في عملية توزيع الخسائر.