Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر September 2, 2020
A A A
ماكرون بيعرف ″البير وغطاه″..
الكاتب: غسان ريفي - سفير الشمال

من يستمع الى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يُدرك أن ″سيد الإليزيه″ يعرف ″البير وغطاه″ عن السياسة اللبنانية ولاعبيها الأساسيين والاحتياط، حيث تشير المعطيات الى أن اللقاءات الثنائية التي عقدها في قصر الصنوبر في ختام زيارته فاجأت كل من شارك فيها لما تضمنته من معلومات وتفاصيل عن سلوك “السلطة الحاكمة” بما في ذلك إرتكابات بعض أركانها والتي هدد ماكرون بالكشف عنها وبالأسماء في حال لم يتم الالتزام بخارطة الطريق الاصلاحية التي رسمها.
أعطى “الأستاذ الفرنسي” المسؤولين اللبنانيين درجة “ضعيف” على القليل الذي أنجزوه من الـdevoir الذي طلبه في زيارته الأولى، ولولا تكليف السفير مصطفى أديب بتشكيل الحكومة في الساعات الأخيرة قبل وصوله الى مطار بيروت، لكانت الدرجة “ضعيف جدا” وطرد من الحاضنة الدولية التي يمتلك ماكرون مفاتيح أبوابها برضى أميركي لكن لفترة محددة.
وبما أن الكسل يحتاج الى تأنيب، فإن ماكرون لم يقصر في ذلك مع المسؤولين المعنيين، لا بل هو أعطى devoir جديد يحتاج الى كثير من العمل والجهد والتضحية والتخلي عن المصالح بدءا بتشكيل “حكومة المهمة” خلال إسبوعين من شخصيات كفوءة من “قماشة” رئيس الحكومة، من دون أية عراقيل تقليدية حول توزيع الحصص الوزارية، ومن ثم البدء فورا بالاصلاحات خلال 8 أسابيع، وإجراء التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، والانخراط في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
ما طلبه ماكرون في زيارته الثانية يختلف من حيث الشكل والمضمون عما طلبه في الزيارة الأولى، حيث كانت حكومة حسان دياب على وشك الاستقالة، والبلد برمته يرزح تحت وطأة الدم والدمار الناتجين عن الانفجار الهائل في مرفأ بيروت، لذلك فقد هدد في حينها ماكرون بأن لا مساعدات من دون إصلاحات، أما في الزيارة الثانية فقد سلط سيفا فرنسيا على رقاب أركان السلطة الذين أعطاهم نحو ثلاثة أشهر لتنفيذ الاصلاحات المطلوبة، وإلا فإن ثمن التخلف عن ذلك سيكون عقوبات على المسؤولين اللبنانيين وإقفال أبواب الحاضنة الدولية أمام لبنان الذي قد يواجه الزوال الذي تحدث عنه وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، وقد ينحدر الى الحرب الأهلية التي حذر منها ماكرون.
قبل مجيء ماكرون سعت السلطة الى حفظ ماء وجهها باجراء الاستشارات النيابية الملزمة وتكليف السفير مصطفى أديب بتشكيل الحكومة وذلك ليكون بين يديها ما يمكن أن تقدمه له، لكن ما حصل على وجه السرعة قد يتحول الى فرصة حقيقية للبنان إذا ما صدقت النوايا وإلتزمت التيارات السياسية بما تعهدت به أمام الرئيس الفرنسي وعملت على تسهيل مهمة الرئيس المكلف في التأليف، وفي الحكم لانجاز الاصلاحات المطلوبة، خصوصا أنه يتمتع بغطاء سني ـ وطني واسع من المفترض أن يمكنه من القيام بالمهام الملقاة على عاتقه.
يقول مطلعون: إن كلام ماكرون كان غاية في الوضوح، وهو لم يساير أو يهادن أو يحابي أي من الأطراف اللبنانية، وحرص على أن تكون جولاته بعيدة عن أي لون سياسي، وهو أعطى الفرصة الأخيرة للسلطة اللبنانية مع إشهار “العصا الغليظة” تحسبا لأي إخفاق قد يحرجه جدا أمام الأميركيين الذين يبدو أنهم أعطوه فترة سماح لا تزيد عن ثلاثة أشهر وهي الفترة التي طلبها لانجاز الاصلاحات، فإما أن يتولى ماكرون المرحلة الثانية من إنقاذ لبنان في كانون الأول المقبل، أو أن يُسحب منه هذا الملف ويعود الى الاليزيه خالي الوفاض، ويدفع لبنان الثمن.