Beirut weather 17.99 ° C
تاريخ النشر April 23, 2024
A A A
مار جرجس اهدن: تاريخ كُتب بالعونة
الكاتب: اعداد الباحث روي عريجي – الشبيبة الاهدنية

لمناسبة عيد مار جرجس الذي يقع اليوم في 23 نيسان ستقدّم الشبيبة الاهدنية هدية لكل حامل الاسم بشكل خاص ولكم جميعا بشكل عام، وهذه الهدية هي لمحة عن كنيسة مار جرجس (القديمة) التي اعتبرها الطوباوي البطريرك مار اسطفان الدويهي كنيسة اسقفية مستوفاة لكل الشروط، وعن كاتدرائية مار جرجس (الجديدة) في اهدن التي قال عنها المطران يوسف الدبس في كتابه الجامع المفصل في تاريخ الموارنة المؤصل ص 387 ” ان كنيسة القديس جيورجيوس بإهدن فانها احسن الكنائس في لبنان وافسحها”.

تقع كنيستا مار جرجس اهدن في موقع “الكتلة” التي كانت القلعة التي ذكرها البطريرك الدويهي في كتابه تاريخ الأزمنة في طبعة الشرتوني ص 115: (…) وفي تمام الأربعين يوما ملكوها في شهر حزيران فنهبوا وسلبوا وخربوا القلعة التي في وسطها والحصن الذي على رأس الجبل (…)، وأكد أيضا هذه المعلومة المستشرق ارنست رينان في كتابه Mission de Phénicie.
وساحة الكتلة التي تسوّرت بحائط بنيَ بالـ”عونة” سنة 1945، تضم تمثال بطل لبنان يوسف بك كرم (1932) وتمثال الأب العلامة جبرائيل الصهيوني (1941) ومدافن الشيخ اسعد بولس المكاري احد قيادات جيش كرم وحفيده المؤرخ جواد بولس والشيخان رشيد وموريس معوض، كما انه كان يضم مزارا لسيدة لورد الذي شيّد سنة 1945 وتوسّع سنة 1982 وأزيل بعد ترميم الكنيسة سنة 2018.
كما انها تضم قاعة كبيرة للمناسبات تبرعت ببنائها في بداية القرن الحالي جمعية السيدات الاهدنيات في فنزويلا برئاسة السيدة المرحومة ايفون الصايغ زوجة المغترب ميشال الصايغ، بالإضافة الى تدفق التبرعات المختلفة من الاهدنيين لسدّ أي نقص في القاعة.

 

 

كنيسة مار جرجس المندثرة في اهدن
ذكر الفيكونت فيليب دي طرازي في كتابه عصر السريان الذهبي في الصفحة 52 كنيسة مار جرجس في اهدن كما يلي:
“بنى السريان هذه الكنيسة في اوائل النصرانية في لبنان واطلقوا عليها اسم مار جرجس ومار ابحاي وستنا السيدة في اهدن وهذا ما نقله طرازي عن فهرس المخطوطات الفاتيكانية رقم 52. وزينوها بصور جميلة تحاكي صور بيعة مار شربيل معاد (…)”.
وذكر أكثر من مرجع ان كنيسة مار جرجس تلك بنيَت من حجارة هيكل وسور اهدن القديم. وعن هندستها ننقل ما ورد في التقليد الشفهي انه “كان فيها ثلاثة مذابح وكان وراء المذبح الكبير مقعد من حجر للمطران وكان حوله مقعد للكهنة”.
وكانت تتزين بصور ايقونية ما تزال بعض البقايا شاخصة على الحائط. وفي سنة 1932 استخدمت حجارتها في بناء حائط الكتلة.

 

 

كاتدرائية مار جرجس الجديدة
بوشر ببنائها سنة 1855 بعدما ضاقت الكنيسة القديمة امام كثرة المؤمنين، لكن عقب احداث لبنان سنة 1860 وثورة يوسف بك كرم اوقفت العمل فيها. وذكر المطران يوسف الدبس في موسوعته “من تاريخ سورية الدنيوي والديني” الجزء التاسع ص 586 :” وقد شرع ببنائها المرحوم حبيب بك رزق كرم ناظر اوقاف اهدن سنة 1855 وكمل خارجها سنة 1869 وبلغ نفقتها نحو سبة الاف ليرة عدا ما عاون به الاهالي بعناية البك المذكور على تكملة البنا وقد اتم في هذه الايام خليل بك كرم ابنه ما كان لازما لهذه الكنيسة.”
والجدير ذكره هنا ان المعلم داوود الشويري توكل بمهمة بناء هذه الكنيسة التي بنيت على عشرة اعمدة يعلوها 18 مصلبا. ويبلغ طولها 36 مترا وعرضها 19 مترا وارتفاع سقفها 11 مترا. وفيها ثلاثة مذابح اساسية، اضخمها مذبح الوسط الذي نحته من الرخام الأبيض المعلم ابراهيم العنيد من بيروت.
كما ان اهالي اهدن استخدموا “العونة”، فاصطفوا صفاً واحدا لينقلوا الحجارة من مقلع قزحيا ومن قريتي عينطورين والعربة حتى الكتلة.
وانجز الفنان داوود القرم رسم لوحات القديس جرجس وأمنا العذراء مريم ومار يوسف سنة 1895.
وتضم الكاتدرائية جثمان بطل لبنان يوسف بك كرم الغير محنّط والذي وُضع في البداية اي في ايلول سنة 1889 في سكرستيتها قبل ان يُنقل الى مكانه الحالي سنة 1912.
وسأسرد ما ذكرته جريدة صدى الشمال عن التبرعات التي تلقتها كاتدرائية مار جرجس:
قدّم الشيخ ملحم مصطفى من الجمعية الخيرية الدرزية في المكسيك ثريا ضخمة بعد زيارته لها ولضريح كرم سنة 1929.
قدّم المغترب بطرس الشيخا الدويهي تمثالين للعذراء مريم وقلب يسوع الاقدس سنة 1938.
ركبت مكبرات الصوت في الكنيسة بعدما تبرع بها المغترب بطرس ضوميط عزيزي سنة 1949.
تبرعت الجمعية الخيرية للسيدات الاهدنيات في اميركا بدهن كنيسة مار جرجس فاستقدمت الفنان الايطالي دانتاميرو للقيام في تلك المهمة سنة 1953.
اما قبة الكنيسة والتي تشكل تحفة فنية منحوتة بدقة يبلغ ارتفاعها 16 مترا انجزها المعلمان بولس وخليل الشدياق يمين سنة 1898.
وذكرت صدى الشمال ايضا أن السيدة جميلة ارملة المرحوم بطرس ضوميط زياده قدّمت ساعة كبرى لقبة الكنيسة اشترتها من الساعاتي وديع شمعون في سنة 1946، توقفت عن العمل في الستينات.
وفي سنة 2018 دشّن البطريرك مار بشارة الراعي مذبح الكنيسة بعدما أُنجزت رعية اهدن-زغرتا أعمال الترميم الشاملة للكاتدرائية التي كانت مصدّعة والتي بدأت سنة 2016 والتي سعى بتأمين كلفتها سليمان بك فرنجية عبر الهيئة العليا للإغاثة، وتحت اشراف المديرية العامة للآثار ووزير الثقافة ريمون عريجي.
كما تبرّع المغترب ادمون ابشي بكلفة ترميم جثمان يوسف بك كرم سنة 2014.
وتبرع المغترب سركيس يمين بكلفة صناعات الثريات المعلقة داخل الكنيسة والتي صُممّت وصُنعت في زغرتا على ايدي الحرفي أسعد المكاري سنة 2018.
وتبرّع المغترب ابراهيم الدويهي وعقيلته بتمثال (الطوباوي) البطريرك العلامة مار اسطفان الدويهي الذي نحته الفنان نايف علوان لينصب فوق مذبحه الذي نفّذ لوحته الزجاجية الفنان انطوان العلم داخل الكنيسة في 1 آب 2023.
وهكذا نكون قد قدمنا جزءا من تاريخ هذه الكاتدرائية التي تعدّ تحفة هندسية مزجت الحضارة الشرقية بالحضارة الغربية وباتت واحدة من أهم معالم اهدن والجبل اللبناني.

وفي الختام تشكر الشبيبة الاهدنية كل من أشرف وساهم ببناء وتجميل وترميم الكنيسة ومحيطها على مر العصور راجين الله بشفاعة القديس جرجس التعويض عليهم بالخير.