Beirut weather 23.41 ° C
تاريخ النشر November 4, 2016
A A A
مارلين مونرو صنعت نجوميّتها… فالتحمت بالمتخيَّل
الكاتب: أوراس الزيباوي - الحياة

بعض الأسماء يخرج من حجمه العادي وإطاره الإنساني ويتحوّل أسطورة. وتساهم في نسج هذه الأسطورة، عوامل عدة تأتي في مقدمها جاذبية هذه الشخصية أو تلك، مدى التحامها في المتخيَّل العام، طريقة تقديمها إعلامياً واستعمالها اقتصادياً، وطريقة موتها. وذلك كلّه يختصر حال مارلين مونرو التي لم يأفل نجمها على رغم أنها رحلت قبل أكثر من نصف قرن.

ما يدفعنا إلى الحديث عنها، المعرض الجميل المقام حولها حالياً في «مركز كومون الفني» (Caumont centre d’art) في مدينة «إيكس آن بروفانس» في الجنوب الفرنسي قرب مدينة مرسيليا.

المعرض عنوانه «Marilyn I Wanna be loved by you»، وهي واحدة من أشهر أغنياتها ويعني اسمها «أريدك أن تحبني». وتوزّعت على امتداد طابقين مجموعة كبيرة من الصور لمارلين منذ طفولتها وحتى آخر صور التقطها لها، قبل ستة أسابيع من وفاتها عام 1962، المصور بيرت ستيرن الذي كان يعمل لحساب مجلة «فوغ» النسائية. وتأتي الصور المعروضة من مجموعات خاصة وعامة وتعكس العلاقة الفريدة التي ربطت مارلين مونرو بالصورة الفوتوغرافية وبالمصورين منذ إطلالتها الأولى، عندما عملت في الإعلانات وعرض الأزياء وقبل أن تصبح نجمة سينمائية ورمزاً للجمال في خمسينات القرن العشرين الذي كانت إحدى أيقوناته الفنية.

يبيّن المعرض أن مارلين مونرو كانت تطمح منذ البداية الى الشهرة والنجومية، وأدركت بحدسها أن انتشار صورها هو وسيلة أكيدة لتحقيق هذه الشهرة وجعلها محبوبة لدى الجمهور الأميركي. ولا ننسى أنها عانت في طفولتها الحرمان العاطفي والبؤس، وأرادت عبر سعيها الى الشهرة التعويض عن طفولتها الحزينة والشعور بالوحدة الذي رافقها طيلة حياتها حتى وفاتها المبكرة وهي في السادسة والثلاثين من عمرها.

«ما من ممثلة أحبت المصورين وسعت إليهم وارتبطت معهم بصداقات مثل مارلين مونرو»، يقول أوليفييه لوركان، أحد المشرفين على المعرض، لـ «الحياة». ويضيف: «الصور هي التي صنعت مجد مارلين وأسطورتها. كانت تتصل بالمصورين وتحدد لهم الموعد. كانت في حاجة إليهم، وإليهم استندت في استراتيجيتها لبلوغ الشهرة».

كانت رغبتها الكبيرة في مشاهدة نفسها في أعين المصورين من مبررات وجودها. وهذا ما يؤكد أنها لم تكن بالشقراء الغبيّة كما كان يعتقد البعض، بل كانت تملك خطة لتحقيق ما تصبو إليه. الحياة الحقيقية بالنسبة إليها كانت أمام عدسة المصورين وليس في الخفاء والهروب منهم. حتى عندما كان يلاحقها «البابارازي» يوم أصبحت أشهر نجمة أميركية، لم تكن لتعبّر عن انزعاجها منهم، بل على العكس من ذلك، كانت تبتسم لهم وتمضي في لعبتها المحكمة، والتي ساعدتها في انتشار صورها وبتعابير ولقطات مختلفة. وفي ضوء هذا العشق الذي كانت تكنّه للكاميرا، قبلت مارلين مونرو بعروض لم تكن تقبل بها ممثلات أخريات كنّ يسعين مثلها الى الشهرة، ومنها الظهور بملابس البحر أو عارية، كما حصل عام 1949، وكانت في الثالثة والعشرين من العمر. وعندما ظهرت هذه الصور، حققت بالطبع نجاحاً كبيراً بسبب جرأتها، وبررت مارلين هذه الجرأة حينئذ وقالت إنها كانت فقيرة وفي حاجة الى المال.

49747

نتابع في المعرض مسيرة مارلين من بداياتها الى أيامها الأخيرة، وهنا تبرز الصور التي التقطها لها المصور العالمي بيرت ستيرن، وخُصص لها طابق بكامله في المعرض، تحت عنوان «جلسة التصوير الأخيرة».

التقى المصور مارلين مونرو في 21 حزيران في فندق «Bel air» في مدينة لوس أنجليس، بعد حصوله على موافقة من مجلة «فوغ» من أجل تحقيق مصوّر عنها. وصلت بعد خمس ساعات على الموعد المحدد، لكن الانسجام بين الاثنين حصل بسرعة على رغم حالتها النفسية السيئة. واستمرت جلسة التصوير ساعات عدة التقط لها خلالها آلاف الصور على رغم مشاكلها النفسية الحادة ووحدتها القاتلة وتعاطيها المهدئات.

توفيت مارلين مونرو قبل أن تشاهد صورها في مجلة «فوغ»، وبقيت هذه الصور الى اليوم حاضرة بقوة في تاريخ السينما، بل أعطت شخصيتها أبعاداً جديدة لم نتعرف إليها في صورها من قبل. كما أنها ألهمت وما زالت تلهم الى اليوم كثراً من الفنانين والكتّاب، ومنهم الفنان الأميركي أندي وارهول، أحد رواد فن الـ «بوب آرت» الذي خصّص لها بعد وفاتها سلسلة من الأعمال نشاهد واحداً منها في المعرض. وإذا كانت كتب كثيرة صادرة عن مارلين تركز على كونها صناعة هوليوودية، فإن المعرض، وبخلاف ذلك، يكشف دورها الشـــخصي في صناعة أسطورتها التي كرس لها كتّاب وفنانون كبار صفحات كاملة ومنهم المخرج السينمائي بيار باولو بازوليني الذي خصّها بقصيدة، والكاتب الأميركي نورمان مايلر الذي صار كتابه عنها مرجعاً في هذا الموضوع.

قلّما لفتت نجمةٌ الانتباه إليها كما فعلت مارلين مونرو، وقلّما أثير الجدل حول فنان، كما حصل بالنسبة إليها، هي التي جمعت في شخصها الحالات المتنوعة والمتناقضات، فبدت طفلة بريئة ورمزاً من رموز الإغراء في آن واحد. ولم يأتِ هذا الاهتمام من توقها الدائم إلى الظهور وتأكيد الذات وحبّها للاستعراض أمام عدسات الكاميرا فحسب، بل أيضاً مما كانت تنضح بها صورها من جمال وجاذبية عرفت كيف توظّفهما على نطاق عالمي واسع.

يذكر أن «مركز كومون الفني» الذي يحتضن المعرض يقع في قصر قديم شيد في القرن الثامن عشر ويعد تحفة معمارية وأحد أجمل أبنية مدينة «إيكس»، ما أضفى جمالاً على الصور المعروضة.

وبسبب قيمته الهندسية والتراثية، سجل المبنى عام 1990 على لائحة الصروح التاريخية التي ينبغي الحفاظ عليها، وتقام فيه باستمرار معارض جميلة ومهمة.