Beirut weather 21.99 ° C
تاريخ النشر December 5, 2025
A A A
ماذا يعني قول ترامب: «كلمة واحدة اليوم داعمة لإسرائيل تنهي حياتك السياسية»؟
الكاتب: حسن حردان

كتب حسن حردان في “البناء”

ما هي دلالات قول الرئيس الأميركي دونالد ترامب: “افتقد لتلك الأيام التي كانت فيه ايّ كلمة ضدّ اسرائيل تنهي حياتك السياسية، واليوم كلمة واحدة داعمة لإسرائيل تنهي حياتك السياسية”.
يعكس هذا التصريح تحولاً مفاجئاً في المشهد السياسي الأميركي في ما يتعلق بالعلاقة مع “إسرائيل”… فهو يؤشر الى عدة دلالات هامة، مع الأخذ في الاعتبار السياق العام الذي يشير إلى تآكل النفوذ المطلق لجماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل ـ اللوبي الإسرائيلي ـ لأول مرة في الولايات المتحدة، خاصة بعد حرب الابادة في قطاع غزة:
أولاً، الاعتراف بتبدّل في موقف الرأي العام الأميركي من “إسرائيل”:
في المرحلة السابقة كانت جماعات الضغط المؤيدة لـ “إسرائيل” (مثل إيباك وغيرها من المنظمات الصهيونية الداعمة لإسرائيل ) كانت تمتلك نفوذاً وتأثيراً هائلين على الكونغرس والسياسيين الأميركيين، لدرجة أنّ أيّ انتقاد علني لـ “إسرائيل” كان يعتبر انتحاراً سياسياً ويؤدي إلى خسارة الدعم المالي والتصويت في الانتخابات، ولهذا كان أغلب المرشحين يخطبون ودّ اللوبي الاسرائيلي لكسب دعمه المالي والاعلامي.. ويتنافسون في إطلاق المواقف الداعمة لـ “إسرائيل”.
أما في المرحلة الحالية الجديدة فقد أصبح التأييد المطلق وغير المشروط لـ “إسرائيل” يمثل خطراً على مهنة السياسي والمرشح للانتخابات، مما يعكس تزايد الوعي والتعبير عن التأييد والتعاطف مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة في اوساط الرأي العام الأميركي، لا سيما بين فئة الشباب والتقدميين، وتزايد الاحتجاجات على السياسات الإسرائيلية، خصوصاً ضدّ حرب الابادة النازية الصهيونية في قطاع غزة.
ثانياً، تراجع قوة نفوذ اللوبي الإسرائيلي:
يدلّل التصريح بشكل واضح إلى أنّ ترامب بات يتلمّس ويرى أنّ نفوذ وسيطرة جماعات الضغط المؤيدة لـ “إسرائيل” على القرار السياسي الأميركي قد تآكلت بشكل كبير مقارنة بالعقود الماضية.
على انّ هذا التآكل يرجع، بحسب ما ذكرت مصادر أخرى متزامنة مع تصريحات ترامب، ومنها أحد كاتبي، كتاب “اللوبي الإسرائيلي”، إلى استمرار الحرب الاسرائيلية الوحشية في غزة وتأثيرها السلبي على سمعة “إسرائيل” عالمياً وداخل الولايات المتحدة.
ثالثاً، ترامب ومحاولة مغازلة الرأي العام عشية الانتخابات النصفية:
يشكل اعتراف ترامب العلني بالتحوّل في موقف الرأي من “إسرائيل” في هذا التوقيت عشية الانتخابات النصفية الأميركية، محاولة منه لمغازلة الرأي العام، من خلال اشارته إلى أنّ التأييد الأعمى لـ “إسرائيل” أصبح مؤذياً سياسياً، حيث قصد من خلال ذلك توجيه رسالة إلى الناخبين الذين أصبحوا ينتقدون “إسرائيل” (وخاصة فئة الشباب في الحزبين الجمهوري والديمقراطي، والعرب والأميركيين المسلمين) بأنه يدرك هذا التغيّر.. وانه يعمل على ممارسة الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لمنعه من العودة الى استئناف الحرب على غزة، لأنها تضرّ بسمعة “إسرائيل” في أميركا والعالم.
رابعاً، تأثير اعتراف ترامب بالتحوّل في موقف الرأي العام على الرواية:
يقود اعتراف ترامب، من حيث لا يدري، بالتحوّل في موقف الرأي العام الأميركي من حقيقة الصراع في فلسطين المحتلة، الى الإقرار بأنّ معركة الرواية في الولايات المتحدة قد تغيّرت بشكل كبير. لم تعد الرواية الإسرائيلية هي المسيطرة بشكل مطلق، بعد ان أصبح هناك الآن مساحة أكبر للرواية الفلسطينية وتزايد حضور وتأثير وجهات النظر التي تنتقد السياسات الإسرائيلية دون خوف فوري من الإقصاء السياسي.
انطلاقاً مما تقدّم يمكن القول انّ تصريح ترامب انما هو اعتراف صريح، من شخص يعتبر من أشدّ المؤيدين لـ “إسرائيل”، بأنّ الدعم الأميركي لـ “إسرائيل” لم يعد قضية “مقدّسة” أو “محصّنة” سياسياً كما كانت في السابق، وأنّ تداعيات الموقف من “إسرائيل” في الساحة السياسية الأميركية أصبحت معكوسة عما كانت عليه.. وهو أمر يعود الفضل فيه بالدرجة الأولى الى الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني ومقاومته، وانكشاف حقيقة النازية الاسرائيلية للرأي العام الأميركي، وخاصة جيل الشباب، عبر مواقع التواصل الاجتماعي والجاليات العربية والإسلامية.