Beirut weather 17.99 ° C
تاريخ النشر May 21, 2024
A A A
ماذا يعني غياب رئيسي عن المشهد الإيراني؟
الكاتب: طوني عيسى

كتب طوني عيسى في “الجمهورية”:
منذ أن سقطت طائرة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي ووزير خارجيته أمير عبداللهيان، يغرق العالم في تحليل مسألتين: هل إنّ ما جرى حادث أم جريمة اغتيال؟ وما تأثير غياب رئيسي على مستقبل نظام الثورة؟

حتى اليوم، يصعب إبعاد الظنون عن ملف سقوط الطائرة. فصحيح أن العوامل الطبيعية في المنطقة التي سقطت فيها الطائرة تُهيّء الظروف لكارثة طيران، لكن الخبراء في مجال الطيران طرحوا أسئلة مشروعة، ولم يجب عنها أحد، ومنها:

1 – تقضي قواعد الطيران أن تسلك الطائرات كافةً خطوطاً آمنة تتيح الهبوط الآمن أو شبه الآمن إذا تعرضت لخلل فني طارئ. لكن قائد الطائرة الرئاسية، المفترض أن يكون من الأفضل، اعتمد منطقة جبلية حرجية وعرة، على رغم معرفته بالظروف الجوية والرؤية الرديئة. فهل من أحد أوحى له أو أمره بذلك، ولماذا؟

2 – بين الطائرات الثلاث التي كانت مترافقة، سقطت طائرة الرئيس وحدها. وهذا الاحتمال وارد، لكن الأمر لا يخلو من الشكوك. وفوق ذلك، يجدر السؤال: من البديهي أن تكون الطائرتان الأخريان قد عرفتا بالحادث فوراً وبمكان وقوعه، وأبلغتا به. فلماذا بقيت فرق الإنقاذ لساعات عدة تبحث عن هذا المكان؟

في أي حال، من العبث الإغراق في تحليل حيثيات الحادث وخلفياته: هل نتج عن عوامل الطبيعة، أم عن خطأ بشري غير مقصود، أم هو مؤامرة مدبّرة؟ وهذا الأمر متروك للزمن لكي يقول فيه كلمته. لكن المهم تحليل النتائج السياسية للحادث: فأيّ إيران تنتظرنا بعد 19 أيار 2024؟ والجواب هنا من شأنه أن يساهم في الإضاءة على ما حدث، ويُظهر ما إذا كان هناك مستفيدون من غياب رئيسي وعبداللهيان.

كان مرشد الثورة علي خامنئي صائباً عندما طمأنَ الإيرانيين إلى عدم الخوف من أي خلل سياسي قد يقع نتيجة غياب الرجلين القويين في النظام، رئيس الجمهورية ووزير الخارجية. ووفقاً للدستور، تولى نائب الرئيس مهماته فوراً، ولا شيء يعوق تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة خلال 50 يوماً. لكن المشكلة التي يخشى الجميع وقوعها محتملة في مرحلة لاحقة.

فليس سراً أن القوى الدولية التي تنازع النظام في طهران تراهن على محطة أساسية هي خروج المرشد من المشهد نتيجة لعامل السن. فالرجل الأقوى، والعقل الذي يقود السياسة الداخلية والخارجية، هو اليوم في عامه الـ85. والقوى العاملة لإضعاف النظام تريد تحقيق هدفها بمجرد أن يغيب خامنئي عن المسرح.

هذا الأمر احتاطَ له المرشد، فحصّن النظام بطواقم وأجهزة من المحافظين، ما شكّل منظومة قادرة على صيانة النهج القديم للثورة الإسلامية من مواجهة أي محاولة تغيير. وتقوم هذه المنظومة على ركيزة متينة هي الحرس الثوري الذي يشكل الذراع العسكرية والأمنية في داخل إيران ومناطق امتداد نفوذها في الشرق الأوسط والعالم. أما رئيس الجمهورية المنتخب من الشعب مباشرة فليس مضموناً أن يكون دائماً من فريق المحافظين.

ولهذا السبب، راهَن خامنئي بقوة على دور يضطلع به رئيسي، خلال ولايته ولاحقاً.

لقد سبق للمرشد أن مر بتجربة متعبة عندما جاء إلى السلطة رئيس يُنادي بالانفتاح هو حسن روحاني، على دورتين رئاسيتين. ولكن، في العام 2021، عندما وصل رئيسي، تحقق الانسجام بين عناصر القوة الثلاثة داخل النظام: المرشد والرئيس والحرس الثوري.

وثمة من يقول إن خامنئي يعتبر رئيسي الرجل الأنسب لتولّي موقع المرشد خلفاً له، وأنه كان يحضّره لتولي هذه المهمة. فهو ينسجم معه تماماً في الفكر والسلوك. وأثبت التزامه نهجاً متشدداً لا يقبل التراخي مع مطالب الانفتاح أو أفكار الإصلاح داخلياً وخارجياً، ليس فقط خلال توليه الرئاسة، بل منذ أن أصدر الأحكام القاسية الشهيرة ضد المعارضين، خلال توليه قيادة السلطة القضائية.

إذاً، برحيل رئيسي، خسر خامنئي رهاناً كبيراً. كما خسر الديبلوماسي البارع عبداللهيان العامل تحت رعايته، وبانسجام تام مع الحرس الثوري. وبَدا أن خامنئي كان يقوم فعلاً بتحضير رئيسي للموقع الأول في نظام الثورة أي المرشد. هذا الموقع الذي يتولاه المرشد لمدى الحياة. ولذلك، مُنِح رئيسي تصنيف «المجتهد» الذي يتحتّم على أي رجل دين شيعي أن يحمله كشرط لتولّي موقع المرشد.

وفي تقدير خبراء أن خامنئي كان يَطمئنّ إلى أن رئيسي، مدعوماً بالحرس الثوري، ومعه رئيس للجمهورية مُنسَجم مع أفكاره وسلوكه (ربما يكون عبداللهيان)، يمكن أن يؤمن استمرار النظام لسنوات أو عقود أخرى. تماماً كما أن خامنئي نفسه اختاره المؤسس آية الله الخميني.

الاستحقاق الذي ينتظر النظام في إيران سيحلّ في اليوم الذي يخرج فيه خامنئي من السلطة. فليس في الأفق رجل دين تتوافر فيه الشروط ويحظى بثقة المرشد الحالي، بمَن في ذلك نجله مجتبى الذي يقال إنه طامح إلى وراثة الموقع. ويذهب البعض إلى الاعتقاد بأن هذا الإشكال ربما يقود إلى نزاع أو إلى تجميد موقع المرشدية حتى إشعار آخر.

وفي عبارة أخرى، سواء كان سقوط طائرة رئيسي وعبداللهيان ورفاقهما حادثاً أو مؤامرة، فإنّ النظام في إيران قد يكون مقبلاً على موعد مع استحقاق داخلي ثقيل.