Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر December 23, 2017
A A A
ماذا يعني تصويت ثلاث أرباع دول العالم ضد قرار ترامب؟
الكاتب: هافنغتون بوست

أجرت الأمم المتحدة تصويتاً كبيراً على وضعية القدس، وهو تصويتٌ يمكن أن تترتَّب عليه آثارٌ واسعة النطاق. فمن نواحٍ كثيرة، كان التصويت مسألةً تتحدى فيها الولايات المتحدة وإسرائيل العالم. فجعل التصويت السياسة الخارجية التي ينتهجها دونالد ترامب محل تساؤلات، وأكَّد المسار الملتبس الذي تمضي فيه عملية السلام في الشرق الأوسط.

وفيما يلي، حلّلت صحيفة الإندبندنت البريطانية بعض الأسئلة الرئيسية حول التصويت.

علام صوَّتوا؟

كان القرار الذي جرى عليه التصويت، ردَّ فعلٍ على اعتراف دونالد ترامب رسمياً بالقدس عاصمةً لإسرائيل. وشدَّد القرار على ضرورة تسوية وضع القدس عبر المفاوضات، ويُعبِّر عن “الأسف الشديد” إزاء هذا التغيُّر في سياسة الولايات المتحدة، ويؤكِّد أنَّ قرار ترامب “ملغىً وباطل”. وفي إشارةٍ إلى تعهُّد ترامب بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، حثَّ القرار “جميع الدول على الامتناع عن إنشاء بعثاتٍ دبلوماسية في مدينة القدس الشريف”.

لم تكن نتيجة التصويت قريبة؛ إذ صدر القرار بنسبة 128 (نعم) مقابل 9 (لا)، وهو ما يعني أنَّ نحو ثلاثة أرباع دول العالم صوَّتت بالموافقة (وامتنعت 35 دولة أخرى عن التصويت ولم تحضر التصويت 21 دولة). أمَّا الدول التي أيَّدت الولايات المتحدة في التصويت ضد هذا القرار، فكانت غواتيمالا وهندوراس من دول أميركا الوسطى؛ بالإضافة إلى الدول الجزرية: جزر مارشال، وولايات ميكرونيزيا المتحدة، وناورو، وبالاو؛ فضلاً عن توغو؛ وبطبيعة الحال إسرائيل.

تجدر الإشارة إلى أنَّ التصويت الذي جرى في عام 2012 على منح فلسطين “صفة المراقب” بالأمم المتحدة، قد خرج بالموافقة بنتيجة 138 دولة مقابل 9 رافضين، وامتنعت 41 دولة عن التصويت.

ماذا يحدث الآن؟

لن يحدث الكثير بالضرورة. فلتضعوا في الاعتبار أنَّ هذا كان قراراً يرفض موقف أميركا أكثر من كونه تغييراً في السياسة أو دعوة صريحة للقيام بتحرُّك. وهذا يعني أنَّ قيمته رمزية إلى حدٍ كبير، مع أنَّه قد يكون له عواقب ملموسة على رأس المال الدبلوماسي الأميركي وعلاقات العمل مع البلدان الأخرى.

من جانبها، حذَّرت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، نيكي هايلي، من أنَّ أميركا “ستتذكَّر هذا اليوم” عندما “تُوجَّه لنا الدعوة مرةً أخرى لتقديم أكبر مساهمة في العالم إلى الأمم المتحدة”، وعندما تطلب الدول الأخرى من أميركا “دفع المزيد واستخدام نفوذنا لصالحهم”. وقد تصبح تلك مجرد تصريحات، أو ربما تُمثِّل تغييراً حقيقياً في الطريقة التي تعتزم بها أميركا توجيه العلاقات الدولية وصرف المساعدات الإنسانية، فقط الوقت وحده سيكشف ذلك.

ماذا يعني هذا بالنسبة لإسرائيل؟

بالنسبة لإسرائيل، أكَّد هذا التصويت بالأساس الوضع الراهن على الصعيد العالمي، وهو أنَّه في حين ينظر الكثير من الإسرائيليين إلى القدس باعتبارها عاصمتهم الأبدية المُوحَّدة، يرى معظم العالم أنَّ السيطرة الإسرائيلية على المدينة مطالبةٌ غير مشروعة بغنائم الحرب التي استولت عليها إسرائيل في حرب عام 1967 المعروفة باسم حرب الأيام الستة.

وفي عام 2016، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قراراً يدين الأعمال الإسرائيلية “الرامية إلى تغيير التركيبة الديموغرافية وطابع ووضع الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما في ذلك القدس الشرقية”، مشيراً بذلك إلى بناء المستوطنات وتهجير الفلسطينيين (وامتنعت الولايات المتحدة عن التصويت عليه). وأكَّد قرارٌ منفصل اعتمدته الجمعية العامة العام الماضي (2016)، أنَّ إسرائيل تنتهك اتفاقية جنيف؛ بسبب أعمالها في “الأراضي الفلسطينية المحتلة، وضمن ذلك القدس الشرقية”.

وقالت هايلي أيضاً في وقتٍ سابق من هذا العام، إنَّ الولايات المتحدة قد تترك مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة؛ بسبب “تحيُّزه المتواصل ضد إسرائيل”. وكان المجلس، المُؤلَّف من 47 عضواً، قد صوَّت مِراراً على قراراتٍ تدين إسرائيل؛ بسبب سوء معاملتها للفلسطينيين.

كل هذا يعني أنَّ الإدانة العالمية لتأكيد إسرائيل سيادتها على الأراضي المتنازع عليها ليست جديدة بالنسبة للقيادة الإسرائيلية، تماماً كما هو الحال مع الدعم الأميركي، الذي يخالف الإجماع العالمي، لإسرائيل. وأشاد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بقرار ترامب وشكره هو وهيلي على “دفاعهما الشجاع عن إسرائيل”.

ماذا عن الفلسطينيين؟

كان القرار بمثابة دفاعٍ عن الفلسطينيين؛ إذ يُوضِّح أنَّهم يتمتعون بتأييدٍ واسع لقضيتهم، وضمن ذلك بالأمم المتحدة، وهي مؤسسة لطالما كانت متعاطفة تاريخياً مع كفاحهم. وأشاد متحدثٌ باسم الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، بالتصويت واعتبره “انتصاراً لفلسطين”، وأشار إلى أنَّ القيادة الفلسطينية تعتبر الأمم المتحدة، وليس أميركا، الشريك الأفضل في مسيرتها نحو تقرير المصير.

وقال نبيل أبو ردينة، المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية، لوكالة فرانس برس: “سنواصل جهودنا في الأمم المتحدة وكل المحافل الدولية حتى نضع حداً لهذا الاحتلال ونقيم دولتنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية”.

ماذا عن ترامب؟

من جديد، الأمر غير واضح. فمنذ البداية، كان ترامب مُشكِّكاً في التزامات أميركا الدولية؛ لأنَّه يُروِّج لفكرة “أميركا أولاً” التي تُركِّز على القضايا الداخلية.

لكن الواقع أن سياسة “أميركا أولاً” التي يتبعها ترامب، أفضت مرة جديدة إلى “أميركا وحيدة”، ما جعل بعض الفلسطينيين يجاهرون بأنه لا يمكن للولايات المتحدة بعد الآن أن تلعب دور وسيط سلام.

وهاجم ترامب ما يعتبره مساهماتٍ غير كافية من الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، قائلاً إنَّ الولايات المتحدة قد طُلِب منها بشكلٍ مُجحِف أن تدفع أكثر بكثير، وسحب كذلك الولايات المتحدة من اتفاق المناخ الذي أبرمته الأمم المتحدة بباريس، وسبَّب مراراً وتكراراً توتُّراتٍ في تحالفاتٍ أميركية طويلة الأمد. وفي اعترافه الرسمي بالقدس عاصمة إسرائيل، تجاهل ترامب اعتراضات الكثيرين في المجتمع الدولي.

وأكَّد ترامب مرةً أخرى هذا الأسبوع، أنَّ الولايات المتحدة تدفع الكثير إلى حلفاء ناكرين للجميل، مُهدِّداً بحجب المساعدات عن الدول التي أيَّدت القرار، قائلاً إنَّ “الأمر الآن ليس كما كان عليه في السابق حين كان يمكنهم التصويت ضدك ثُمَّ تدفع لهم مئات الملايين من الدولارات، ونحن لن نسمح لأحدٍ باستغلالنا بعد ذلك”.

وكما هو الحال مع التوبيخ الذي صرَّحت به هايلي في الأمم المتحدة، سنرى ما إذا كان ذلك سيُترجَم إلى تخفيضاتٍ في المساعدات الخارجية.