Beirut weather 16.85 ° C
تاريخ النشر July 4, 2025
A A A
ماذا يعني تحقيق أميركا للنصر على إيران؟
الكاتب: ناصر قنديل

كتب ناصر قنديل في “البناء”

– يُمعن الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب في الإصرار على أنه حقق النصر على إيران، ويردّد وراءه شريكه في الحرب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في التباهي بالنصر، وبالمقابل يشكّك كثيرون بهذا الإعلان ويتساءلون عن علامات النصر وأداة قياسه، لأن الحديث عن الخسائر التي ألحقها القصف الأميركيّ والإسرائيليّ بالبرنامج النوويّ الإيرانيّ باعتراف الأميركيّ والإسرائيليّ هي تأخير هذا البرنامج زمنياً، أي سنتين وفقاً لتقييم البنتاغون الرسميّ، صاحب الحرب والقادر على تقييم نتائجها، وما عدا ذلك تبقى نتائج الحرب على السلاح الصاروخيّ والدفاعات الجويّة تشبه إلى حدّ كبير ما لحق بـ”إسرائيل” من خسائر في قواعدها العسكرية ومطاراتها وطائراتها وذخائرها ومنشآتها الحساسة الاقتصادية والاستراتيجية التي استهدفتها إيران، ويقول الخبراء الإسرائيليون إنها كانت فادحة، وربما كانت أكبر من خسائر إيران وأكثر تأثيراً.

– يعرف الأميركيون ويعترفون بأن تأخير السنتين لا يطال قدرة تخصيب اليورانيوم التي ربما تحتاج شهوراً قليلة كي تنطلق بزخم وقوة وقدرة إنتاج وتخصيب مرتفع النسبة إذا أرادت إيران، وضمن عملية لامركزية ولا صلة لها بالمفاعلات، طالما أن العقول إيرانية والمخطّطات الهندسيّة المتطوّرة ابتكارات إيرانية، والمواد اللازمة إيرانية، والأكيد أن قرار إيران بتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية يجعل الغموض يُحيط بالجانب الأمني بالبرنامج النووي وفقراته بالنسبة لكل الغرب وخصوصاً أميركا و”إسرائيل”، وشبكات التجسس التي استغرق بناؤها سنوات اضطر الأميركي والإسرائيلي الى استخدامها في الحرب التي اعتقد أنها حرب فاصلة تنتهي بإسقاط النظام، وسوف يحتاج إلى سنوات لإعادة بناء شبكات بديلة، وإذا استطاع استهداف بعض المنشآت الجديدة فسوف تصعب عليه ملاحقتها بتعدّد مواقع العمل وتوزيعها فوق الجغرافيا الإيرانيّة الشاسعة.

– في قياس الانتصار عاملان مهمان لا يمكن لأحد إنكار أحد منهما، الأول هو نصّ اتفاق وقف إطلاق النار، لأن الحروب تنشب لتحقيق أهداف سياسيّة وتستمر حتى فرض هذه الأهداف على الخصم، ويدور التفاوض على الشروط تحت النار، ويُقاس النصر بنسبة ما تمّ تحقيقه من هذه الشروط وتضمينه في اتفاق وقف إطلاق النار. وهذا ما يجري في حرب غزة ويرتبط به التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، حيث يشترط رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لقبول إنهاء الحرب في اتفاق لوقف إطلاق النار أن يتضمن نزع سلاح المقاومة، وهذا ما جرى في الحرب مع المقاومة في لبنان وارتبط به اتفاق وقف إطلاق النار، حيث لم يضمن الاتفاق نزع سلاح المقاومة، وصار استمرار تحقيق المكاسب التكتيكية هو علامة النصر الذي يتحدث عنه نتنياهو لكونه يواصل استهداف المقاومة بعد وقف إطلاق النار دون أن تقوم بالرد. فالقضية هي الحصول على توقيع الخصم، فعلى أي بنود وقعت إيران بما يتيح لترامب ونتنياهو التحدث عن النصر؟

– الجواب لا شيء، ولا شيء كلياً وبالمطلق، مجرد وقف لإطلاق النار، أي رغبة متبادلة بالخروج من الحرب دون نص سياسي يعبر عن ميزان قوى معين، وإذا كان هذا مقبولاً بالنسبة لإيران التي لم تبدأ بالحرب، فهل يعبر عن نصر تحقق لمن بدأ الحرب، ومَن لم يحصل على التوقيع على شروطه خلال الحرب كشرط لوقف إطلاق النار يعرف أنه لن يحصل عليها بعد وقف إطلاق النار، بل هو يعرف أكثر أن شروط التفاوض، والتفاوض نفسه بعد الحرب أصعب وأعقد، فما كانت تخشاه إيران ويدفعها الى قبول بعض التنازلات غير الجوهرية، كان الحرب وطالما أن الحرب قد وقعت، فلمَ تقديم التنازلات، والمنطقي والطبيعي أن الجانب الذي سوف يتشدّد بعد الحرب في كل بنود التفاوض، هو الذي شُنت عليه الحرب لفرض الاستسلام واضطر من شن الحرب إلى وقفها دون الحصول على توقيع الاستسلام غير المشروط الذي تحدّث عنه ترامب كهدف للحرب، فهل يمكن توقع الحصول على هذا التوقيع بعد فشل الحرب في انتزاعه؟

– الأمر الثاني هو أهداف الحرب، ونسبة تحقيقها، فالحرب على إيران لم يتم اتخاذ قرار شنّها لتدمير البرنامج النووي، لأن واشنطن وتل أبيب تعلمان أن بقاء النظام الإسلامي في إيران، بما حققه من قاعدة تقنية سوف تخوله القدرة على إعادة بناء ما يتم تدميره، ولكن دون أن تشاهده كاميرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية ويعرف به مفتشوها، ولذلك فإن هدف الحرب الفعليّ كان إسقاط النظام، بذريعة استهداف المنشآت النووية، وكانت الحسابات الأميركية الإسرائيلية أن غالبية شعبية إيرانية ساخطة من الوضع الاقتصادي ومن وضع الحريات السياسية والاجتماعية، سوف تنتج حراكاً داخلياً خلال الحرب، على شكل الانتفاضة التي عرفها العراق بعد حرب تحرير الكويت، وكان الرهان أن النظام متهالك وسوف يعجز عن الصمود والقتال وسوف يكون متاحاً تكرار النموذج السوري أو العراقي، لكن تجلي وحدة الشعب الإيراني بطريقة ربما تجاوزت توقعات القيادة الإيرانية، أذهل الأصدقاء والأعداء، وكان الفشل الكبير للحرب، والسبب في المسارعة لطلب وقفها، خصوصاً أن إيران ذهبت إلى قبول التحدّي، فصبّت حمم صواريخها على “إسرائيل”، واستهدفت مقرّ القيادة وغرفة العمليات المركزية للجيوش الأميركية، ولم يستطع الأميركي والإسرائيلي مجاراتها، فانتهت الحرب ويد إيران هي العليا وصاحبة الطلقة الأخيرة.

– الحرب انتهت، لكنها سقطت كأداة تهديد تحت طاولة التفاوض، وعودة التفاوض إن تمّت، فسوف تحتاج لانطلاقها إلى مقاربة أميركيّة من سقف أدنى من السقف الذي توقفت عنده المفاوضات قبل الحرب، ما يعني أن النتيجة السياسية سوف تكون إما جمود التفاوض وانصراف إيران لبرنامج نووي في الظل، وهذه أكبر خسارة لأميركا والغرب و”إسرائيل”، أو أن الطريق سوف يتم تعبيده لعودة المفاوضات بتنازلات أميركية، وهذا يعني أن إيران يحق لها الحديث عن النصر رغم التضحيات.