Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر September 30, 2020
A A A
ماذا يعني “التطبيع” للكيان الصهيوني؟
الكاتب: بشارة مرهج - البناء
أيّ قراءة موضوعية لـ «صفقة القرن» المبنية على «رؤية ترامب» تخلص الى أنّ هذه الوثيقة صيغت لمصلحة الرواية الإسرائيلية من جهة ولتصفية الحقّ الفلسطيني من جهة أخرى. ولعلّ أهمّ الخطوات التي اتخذها ترامب وإدارته لتكريس الأمر الواقع ورسم خارطة جديدة للمنطقة هي خطوة نقل السفارة الأميركية من تل أبيب الى القدس واعتبار القدس عاصمة أبدية للكيان الصهيوني خلافاً لكلّ المعطيات القانونية والقرارات الدولية، وثانياً إسباغ الشرعية الكاملة على الكيان الصهيوني واعتباره كياناً مميزاً لا يخطئ ، ويحق له ما لا يحق لغيره.
أما الجانب «الإسرائيلي» الذي حرّض ترامب وبومبيو على اتخاذ هذه المواقف المتطرفة التي هالت التراب على صفة الوسيط الأميركي المزعومة، فقد انتقل فوراً للاستفادة من النقلة الأميركية الحاسمة لفرض خطته الرامية الى إفراغ القضية الفلسطينية من مضمونها ودفع الشعب الفلسطيني الى الاستسلام الكامل لإرادته وسط احتفالات متتالية للتطبيع بينه وبين البلاد العربية.
فعلى الرغم من المكاسب التي حققتها تل أبيب من عمليات التطبيع فإنها لم تقدم على بادرة واحدة تغطي فيها الأنظمة العربية، وإنما سارعت، معتمدة على الموقف الأميركي، الى التشدّد مع الطرف الفلسطيني من كلّ النواحي دونما اعتبار لأحد.
أولاً: جدّدت «إسرائيل» رفضها لحق العودة المكرّس بذات القرار الدولي الذي شرّع قيام دولتها الغاصبة للحق الفلسطيني، مطالبة الأطراف العربية إنكار هذا الحق والعمل، فوق ذلك، على دمج اللاجئين الفلسطينيين واستيعابهم.
 
ثانياً: إنكار أيّ حق للفلسطينيين بالقدس واعتبارها عاصمة أبدية لـ «إسرائيل»، على الرغم من عدم وجود أيّ صرح ديني يهودي قديم فيها، مما يعني وضع مائة صرح إسلامي ومسيحي، في مقدمها المسجد الأقصى المبارك وكنيسة القيامة المقدسة، تحت السيادة الصهيونية.
ثالثاً: اعتبار حركة الاستيطان حركة مشروعة تتعلق بجوهر العقيدة الصهيونية ورفض إيقافها أو تجميدها تحت أي ظرف من الظروف خاصة وانّ إدارة ترامب رضخت لهذا الأمر وباتت تعتبر الاستيطان حقاً شرعياً لدولة الاحتلال يتعلق بوجودها ولا ينتهك القانون الدولي أو القرارات الدولية مما يعني إعطاء الضوء الأخضر لدولة «الابارتايد» بالمضيّ قدماً في مصادرة أراضي الشعب الفلسطيني والتضييق الشامل عليه لإرغامه على الهجرة من بلاده.
رابعاً: إعلان الاتفاق بين رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو ورئيس حزب أبيض أزرق بني غانتز على فرض السيادة الصهيونية على الضفة الغربية واعتبار هذا الإعلان بمثابة رسالة الى جميع الأطراف بأنّ عمليات التطبيع لن تؤثر على سياسات الكيان الرامية الى تهويد فلسطين بكاملها دونما اعتبار للحقوق الفلسطينية أو الإرادة العربية أو القرارات الدولية.
خامساً: إسقاط مبادرة السلام العربية نهائياً ورفض أيّ مطلب عربي لإقامة دولة فلسطينية على حدود 4 حزيران 1967 على أن يخضع الفلسطينيون، المرشحون للطرد أو التهجير، للسيادة الصهيونية ومقتضيات الأمن الصهيوني ويسلّموا بالمناهج التربوية التي تحرّم الحديث عن فلسطين والقدس إلا بحسب وجهة النظر الصهيونية.
سادساً: إعلان نتنياهو، وسط احتفالات التطبيع، عن تصديقه شخصياً على بناء خمسة آلاف وحدة سكنية في القدس وحولها لإبلاغ الجميع بأنّ حركة الاستيطان مستمرة ولن يقف بوجهها أيّ تطبيع او مناشدة أو قرار وكأنه يذّكر بإفشاله مساعي اللجنة الرباعية (الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة، الاتحاد الروسي) بتجميد الاستيطان في بداية القرن الحالي.
يتبيّن من كلّ ذلك أنّ عملية التطبيع الجارية بين أطراف عربية والكيان الصهيوني لن تؤثر على سياسة هذا الأخير وإنما ستزيده تصلباً وتطرفاً واقتناعاً بسياساته القهرية العنصرية تماماً كما حصل سابقاً مع مصر والأردن التي لم يؤدّ التطبيع معها الى تحقيق السلام الشامل وحلّ القضية الفلسطينية حلاً عادلاً كما روّج لذلك الرئيس أنور السادات.
خلاصة القول إنّ اتفاقات التطبيع التي تعقدها دولة الاحتلال مع أنظمة عربية مفصولة بالنسبة لها عن أيّ أمر آخر، ولن تؤثر على سياساتها أو إجراءاتها في الاستيطان والضمّ والتهويد وان ما فعلته مع محمد الدرة – درة أطفال فلسطين – يمكن أن تفعله مع أيّ طفل عربي سواء كان من الضفة أو من قانا الجنوب اللبناني حيث سقط العشرات من أطفال اللبنانيين مع أمهاتهم وآبائهم دون أن يحاسب جندي إسرائيلي واحد على تلك الجريمة النكراء…!