Beirut weather 15.41 ° C
تاريخ النشر October 29, 2018
A A A
ماذا يريد اردوغان من الاميركيين لكي يُسَهِّل التسوية في “قضية الخاشقجي”؟
الكاتب: العميد شارل ابي نادر - موقع المرده

بعد ان انتظر الجميع – وخاصة الاميركيون – على احر من الجمر، ماذا يمكن ان يطلب الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، لكي يسير في تسوية انهاء ملف مقتل الخاشقجي بالتي هي احسن، اي بمعنى تقديم ما يكفي من الادلة الجنائية ” فقط ” لاتهام مجموعة ال ” 18 ” الامنية الديبلوماسية السعودية، من دون تقديم ما يمكن ان يورّط المستوى الاعلى من المجموعة المذكورة بالجريمة، فاجأ الجميع في تصريحه الاخير، بتصويبه على نفوذ الاكراد السوريين في شرق الفرات، مُطلقا تحذيرا نهائيا لهؤلاء ، بمنعهم من تهديد حدود تركيا وتعريض امنها للخطر.
” تهديد حدود تركيا وتعريض امنها للخطر”، قصة طالما طبعت سياسة اردوغان و من سبقه من مسؤولين اتراك في ملف النزاع التركي الكردي تاريخيا، وكانت هذه القصة هي دائما شماعة الاعتداء التركي على العراق او على سوريا، في الوقت الذي كانت تلك المناطق ” الكردية ” في سوريا او في العراق، هي التي تتعرض للاعتداءآت التركية وليس العكس، والسبب صراعٌ قديمٌ يتجاوز أمن تركيا وحدودها، الى عداءٍ تاريخيٍ مُتجذرٍ بين قوميتين مختلفتين .
من هنا جاء تصويب الرئيس التركي على ملف الاكراد السوريين في شرق الفرات، في الوقت الذي يوجد الكثير من الملفات العالقة بين تركيا و” أخصامها “، من التي تتطلب حلها او وضعها على سكة التفاوض، في تركيبات التسوية المنتظرة بقضية الخاشقجي بين السعودية وتركيا الادارة الاميركية … فما هي هذه الملفات العالقة ولماذا يبقى ملف شرق الفرات اهمها بالنسبة للاتراك ؟
ملف قطر
كان يمكن اعتبار ملف الخلاف القطري مع الدول الاربع ( السعودية ،الامارات ، البحرين ومصر ) ملفا داهما، سوف تهتم تركيا بحله وتعطيه اولوية لإدخاله في بازار التسوية المنتظرة، على اعتبار انه ضاغط على حليفتها الخليجية المحاصرة من الدول الاربع ، ولكن هذا لم يحدث …
لقد تبين من خلال متابعة هذا الملف، ان تركيا تفضّل إستمرارالخلاف الخليجي المصري مع قطر، والسبب انها اكتسبت في العلاقة مع الاخيرة في اكثر من ناحية، من خلال التمويل الذي قدمته الدوحة مؤخرا لتغطية التوتر المالي في تركيا بعد العقوبات الاميركية على الاخيرة، او من خلال تزايد نفوذها العسكري في الخليج بعد ان زادت من تواجد وحداتها العسكرية في قطر، على خلفية الخلاف المذكور، ولحماية حليفتها المهددة من جيرانها الاقوياء، والاهم بالنسبة لتركيا ، انه في استمرار الخلاف المذكور، يستمرالتشرذم العربي الاسلامي ، والذي نتيجته إضعاف كل من مصر والسعودية لمصلحة تحقيق هدفها بان تكون زعيمةً للدول الاسلامية في الشرق .

ملف الاخوان المسلمين
حيث تُعتبر تركيا الراعية الاولى والاكثر دعما لحالة ” الاخوان المسلمين ” في الشرق والعالم ايضا، كان يبدو انها سوف تعطي ملف حماية هؤلاء الاهمية في البازار حول قضية الخاشقجي، ان كان في مصر حيث الضغوطات الواسعة عليهم، او في السعودية حيث قرار ولي العهد بملاحقتهم، ليس فقط في المملكة بل خارجها ايضا،… ولكن تبين ايضا ان ملف الاخوان المسلمين لا يشكل اولوية بالنسبة لتركيا، فربما تقوم استراتيجيها حاليا على إبقاء فسحة او فرصة من التوتر في كل من مصر والمملكة، تستغلها كلما رأت لها مصلحة في ذلك .
ملف الشمال السوري
– من الواضح ان تركيا تقارب ملف ادلب من زاوية الاتفاق مع الروس والايرانيين، وهي عمليا لا تحتاج لاي نفوذ او تدخل اميركي في هذا الملف، فهي اللاعب الاساس والاكثر تأثيرا، من خلال نفوذها على كافة المجموعات المسلحة من الارهابيين او غيرهم ،الاجانب او المحليين، وفي هذا الملف تُعتبر تركيا في موقع من القدرة والنفوذ بمكان، يحتاجها الاميركيون والسعوديون اكثر من حاجتها لهم .
– لناحية منبج ، تحاول تركيا ان ترفع الصوت احيانا ، مصوبة على تأخير الاميركيين في تطبيق اتفاقهم معها، والقاضي بانسحاب وحدات حماية الشعب الكردي من منبج، ولكن عمليا لا يبدو انها منزعجة كثيرا من ذلك، اولا لانها تحتاج لنقطة ربط نزاع مع الاميركيين غرب الفرات، تشكلها منبج حاليا، وثانيا، لان التواجد الكردي في منبج لا يشكل اي خطر امني عليها او على المجموعات السورية المسلحة التي ترعاها، كون هذا التواجد مضبوط اميركيا وفرنسيا بشكل فعال .
يبقى ملف الشرق السوري :
من الواضح ان رسالة الرئيس التركي حول شرق الفرات موجهة للاميركيين، فهم من يسيطر على الشرق السوري من خلال وحدات حماية الشعب التركي، وهم الذين يتمركزون في عشرات القواعد العسكرية التي تحضن قوات سوريا الديمقراطية، وهم الطرف الدولي الاقوى والمؤثر في تلك المنطقة الاستراتيجية من سوريا ومن الشرق الاوسط .
حتى الان، لم يظهر للاتراك ان الاميركيين تخلوا عن فكرة دعم الاكراد شرق الفرات في سعيهم الدائم، الى كانتون مستقل او الى انفصال كامل عن الدولة السورية، هذا الحلم الكردي الذي يخشاه الاتراك وفي نفس الوقت يحتاجه الاميركيون لتنفيذ استراتيجيتهم القاضية اولا بابعاد الدولة السورية عن شرقها، وثانيا بتثبيت فصل وقطع ترابط محور المقاومة بين ايران ولبنان عبر سوريا والعراق .
من هنا تظهر اهمية ملف النفوذ الكردي شرق الفرات بالنسبة للاتراك، الملف الذي يفرض نفسه على اردوغان كأولوية تستدعي التفاوض والمتابعة والبحث، وتستدعي ايضا المقايضة المُلحّة، في قضية من اكثر القضايا حساسية وخطورة وتأثيرا على مستقبل النظام السعودي وعلى العلاقة الاميركية السعودية ، الا وهي قضية مقتل الخاشقجي .