كتبت صحيفة “النهار” في افتتاحيتها: قد يكون أخطر ما حصل أمس في تطورات ملف التحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت هو استحضار تجارب “تطييف” او “مذهبة” موقف حزبي اعتراضي على المحقق العدلي في هذه القضية القاضي طارق البيطار ودفع الأمور نحو اجهاض التحقيق برمّته رغم كل المزاعم والحجج التي يراد لها تبرير نسف التحقيق. فحتى في حقبة الصراع الأعنف التي فجّرها انشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان والتي اتسمت بانقسام سياسي عريض وواسع حولها، لم تبلغ الأمور ما بلغته فجأة في الساعات الأخيرة من تشكل حالة مذهبية شيعية رفعت تحت لافتة اعتراض هو اشبه بالفيتو في وجه المحقق العدلي والقضاء. وبدا واضحاً ان “حزب الله” نفذ وعيد أمينه العام السيد حسن نصرالله غداة الهجوم الأعنف الذي شنّه على البيطار والذي اتسمت نبرته فيه بالتهديد الواضح بما وصفه بكارثة اتية، اذ تمثل هذا التهديد في جرّ مرجعيات الطائفة الكبيرة إلى اتخاذ موقف متطابق تماماً مع حملة الحزب على البيطار، وزج في هذا الموقف المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى نفسه، لكي يمتزج الديني بالسياسي والحزبي في “وحدة حال” مذهبية يراد لها اسقاط المحقق العدلي ومعه التحقيق برمّته. جرى ذلك وسط ذهول عام اثاره الصمت المذهل الذي التزمه اركان الدولة بدءاً برئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الوزراء نجيب ميقاتي ومجلس الوزراء والوزراء، بل ذهب المجلس الأعلى للدفاع بدوره إلى عرقلة إضافية لعمل المحقق عندما رفض، بسيطرة رئاسية واضحة عليه، الموافقة على التحقيق مع المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا. وكأن الأمر لم يرض الحزب عند هذا المنسوب التصعيدي البالغ الخطورة، فذهب أبعد إلى نقل الضغط إلى قلب مجلس الوزراء وتعريض الحكومة الغضة لأول هزة داخلية حادة.
وسيكون مجلس الوزراء امام امتحان كبير اليوم وامام مفترق طرق: وزراء “أمل” و”حزب الله” اطلوا بانتمائهم السياسي الواضح من خلال موقف سياسي موحّد قدمه وزير الثقافة محمد مرتضى كقاضِ بقالب قانوني طالبوا فيه باستبدال المحقق العدلي القاضي طارق البيطار. وما لم تتوصل اتصالات الليل التي اعقبت الجلسة إلى اتفاق، فالافتراق واقع وقد ينفذ وزراء “امل” والحزب تهديدهم بالاعتكاف او الانسحاب من مجلس الوزراء.
وزير العدل قال أمس رداً على مداخلة زميله مرتضى: مجلس الوزراء لا يمكنه التدخل في التحقيق العدلي، وتغيير المحقق العدلي هو شأن مجلس القضاء الاعلى الذي اكتمل عقده. ومجلس الوزراء لا يمكنه فعل شيء سوى سحب قضية المرفأ من المجلس العدلي وهذه سابقة لا يمكن لمجلس الوزراء ولا لأحد ان يتحمل وزرها.
المعلومات تشير إلى ان رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ليسا بوارد تسجيل سابقة بموقف يعدّ تدخلاً في عمل السلطة القضائية او في التحقيق العدلي”.
لذلك ستكون جلسة اليوم الاربعاء كحد السيف إما بانقاذ الحكومة او بشلّها ما لم تكن اتصالات الليل نجحت في تقديم العقل القانوني على الموقف السياسي.
وفي المعلومات ان الجلسة بدأت بمبادرة مرتضى إلى تقديم مطالعة قانونية باسم الوزراء الشيعة في الحكومة انطلاقاً من خلفيته القضائية فنّد فيها ملابسات التحقيق متهما المحقق العدلي بالاستنسابية وطالب مجلس الوزراء بـ “قبع البيطار”.
بدأ النقاش وزادت حدته بانضمام باقي الوزراء الشيعة إلى مطلب مرتضى الذي علا صوته في الدفاع عن وجهة نظره القانونية.
وردّ وزير العدل هنري خوري بمطالعة قانونية أكد فيها مبدأ فصل السلطات وقال “من غير الوارد ولم يحصل في تاريخ القضاء مثل هكذا تدخل في تحقيق عدلي”.
طلب رئيس الجمهورية تعليق النقاش إلى نهاية الجلسة، وتفرغ مجلس الوزراء لاجراء تعيينات طرحت من خارج الجدول، مما يعني انها كانت متفقاً عليها.
وعندما وصل الأمر إلى صياغة البيان بدون التوصل إلى اتفاق على الموقف المطالب به بالتحقيق العدلي، قال مرتضى: “مصرون على موقفنا ولا يمكننا ان نكمل هكذا.”
عندها طلب رئيس الجمهورية رفع الجلسة إلى الرابعة عصر اليوم بعدما تمّ تكليف وزير العدل بمتابعة الملابسات القانونية والدستورية المتصلة بالتحقيق على ان يعود إلى مجلس الوزراء بتقرير ليبنى على الشيء مقتضاه.
وقالت مصادر وزارية إن الكلام عن اعتكاف او تعليق جلسات جاء في إطار الضغط والتهويل. لكن مصادر وزارية أخرى قالت إن جلسة اليوم ستكون متفجرة ما لم يسحب فتيل التحقيق العدلي خارجها، لاسيما وان انسحاب الوزراء الشيعة او اعتكافهم يعني إما شل الحكومة او تعطيلها.
مذكرة توقيف
اما في التطورات الداخلية لملف التحقيق، وغداة التهديدات التي وجهها نصرالله إلى القاضي البيطار، فقد اصدر المحقق العدلي مذكرة توقيف غيابية بحق النائب علي حسن خليل الذي لم يمثل امامه في الموعد المحدد لاستجوابه.
وعلى الأثر تبلغ البيطار دعوى الرد الجديدة المقدمة ضده من وكلاء خليل والنائب غازي زعيتر، ما استدعى تعليق التحقيق ووقف كل الجلسات، إلى أن تبت محكمة التمييز المدنية برئاسة القاضي ناجي عيد بقبول هذه الدعوى أو رفضها. وبتبلّغ بيطار طلب ردّه من الغرفة الأولى في محكمة التمييز، يُوقف المحقّق العدليّ تحقيقاته إلى حين بتّ الطلب من المحكمة، على أن يُبدي ملاحظاته بصدده أصولاً؛ وبذلك تكون الجلستان المقرّرتان اليوم التي استدعي إليهما زعيتر والنائب نهاد المشنوق مرجأتين أيضاً.
ويبدو وفق معلومات “النهار” ان صدور قرار محكمة الغرفة الأولى لدى محكمة التمييز المدنية المتعلق بطلب رد البيطار والمقدم من خليل وزعيتر لن يطول بته، وقد يصدر بحسب المؤشرات في الساعات المقبلة. ففي معلومات “النهار” ان رئيس الغرفة الأولى لمحكمة التمييز المدنية القاضي ناجي عيد قرر إبلاغ المحقق العدلي فور وصوله إلى مكتبه في قصر العدل وفي الوقت نفسه تقصير مهلة الرد على الطلب من القاضي البيطار إلى ثلاث ساعات. وقد ثابر المحقق العدلي في مكتبه لإبداء ملاحظاته على طلب الرد بعد تبلغه إياه عند إنتهاء الجلسة التي كانت مخصصة للتحقيق مع أحد مقدمي طلب الرد النائب علي حسن خليل وتقريره.
وسط هذه الاجواء، برز بيان مفاجئ اصدره المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى حذر فيه من ”تسييس هذه القضية الوطنية والانسانية بتحويل القضاء اداة للانتقام السياسي الذي يحرف العدالة عن مسارها ويطمس الحقيقة”. واضاف “وإنطلاقا من حرصه على العدالة وحقوق الضحايا والجرحى والمتضررين بضرورة إنزال اقصى العقوبات بحق من سبب وتسبب في وقوع هذه الكارثة الانسانية بحق لبنان والعاصمة، ومن خلال مواكبته ومتابعته للرسم البياني لاداء قاضي التحقيق في هذه القضية، أنه يوما بعد يوم يبتعد كليا عن مسار العدالة من خلال الإستنسابية والمزاجية اللتين كرستا الارتياب به وبعمله”. وختم “مستهجنا الصمت المطبق الذي يخيم على الهيئات القضائية العليا، ويتساءل عمن يغل ايديهم حيال الاسراع بتصحيح المسار قبل فوات الاوان والوقوع بما لا تحمد عقباه من جراء غياب العدالة وسيادة الغرائز لدى من يفترض انه مؤتمن عليها مستسلما للاحكام المسبقة والمستوردة”.
يشار إلى ان مجلس الوزراء اقر من خارج جدول الاعمال اول دفعة من التعيينات وأبرزها تعيين الدكتور بسام بدران رئيساً للجامعة اللبنانية ، وتعيين القاضي البرت سرحان والمحامية ميراي نجم عضوين في المجلس الدستوري، وتعيين القاضي محمد المصري مديراً عاماً لوزارة العدل . واطلع على تعيين القضاة: داني شبلي والياس ريشا وميراي حداد وحبيب مزهر، أعضاء في مجلس القضاء الأعلى.