Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر May 26, 2021
A A A
ماذا جاء في افتتاحية “النهار”؟
الكاتب: النهار

لم يكن ينقص زيادة علامة بالغة الخطورة على ما بلغه الوضع القاتم في لبنان سوى دق جرس الإنذار الخطير امس باحتمال تعليق اعمال المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الناظرة في اغتيال الرئيس رفيق الحريري وقضايا الاغتيالات المترابطة بسبب الافتقار الى تمويلها . يأتي هذا التطور فيما تنزلق البلاد الى مراحل متقدمة جدا على طريق الانهيارات المتنوعة ماليا واقتصاديا واجتماعيا في وقت تشد الازمة السياسية بخناقها على مسالك الانفراج المحتملة مع الانسداد المتسع في ازمة تشكيل الحكومة التي لا تلوح أي بارقة جدية بعد في امكان تحقيق اختراق إيجابي في جدارها . فعلى رغم كل ما قيل وبني عليه من امال في الساعات الثماني والأربعين الماضية حول سيناريوات لانطلاق مبادرة جديدة لرئيس مجلس النواب نبيه بري الذي تشجع بمواقف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الأخيرة خصوصا لجهة حض الراعي للرئيس المكلف سعد الحريري على تقديم نسخة محدثة من تشكيلته الحكومية الى رئيس الجمهورية والتوافق معه عليها فان أي معطيات جدية لم تبرز في الساعات الماضية . بل ان ثمة معطيات بدت كأنها ترجح استبعاد أي اختراق قريب في الانسداد الحكومي بدليل عدم وجود رؤية واحدة حيال إمكانات تحريك بري لمبادرة او وساطة جديدة بدعم ضمني من بكركي كما بدا لافتا بداية صعود الكلام عن موضوع الانتخابات النيابية المبكرة وكأن الامر بات مطروحا على الأقل من ضمن الخيارات والاحتمالات المثارة حيال المرحلة المقبلة في حال استمرت الازمة الحكومية على اختناقها . ومع ان معظم الكتل النيابية والقوى السياسية والحزبية لا تماشي ابدا خيار الانتخابات النيابية المبكرة الذي ترفع لواءه “القوات اللبنانية” فان ما حرك الحديث عن هذا الخيار تمثل في لجوء بعض نواب وسياسيي “التيار الوطني الحر” الى التلويح بإمكان استقالة نواب التيار العوني كرد على ما آلت الجلسة النيابية الأخيرة التي خصصت لمناقشة رسالة رئيس الجمهورية الى مجلس النواب . ولكن يبدو واضحا ان التلويح بخيار استقالة النواب العونيين ولو افاد منه حزب القوات لتصليب دعواته الى الانتخابات المبكرة لا يزال في اطار تغلب عليه المناورات اكثر من الاتجاه الجدي لاعتبارات كثيرة أكثرها يتصل بواقع التيار الذي لا يبدو مشجعا ومحفزا على استعجال الانتخابات قبل مواعيدها الدورية . ومع ذلك راقبت الأوساط السياسية بدقة انقساما سياسيا وشعبيا واسعا ساد في الساعات الأخيرة حول إمكانات نجاح مبادرة يتولاها بري وتدعمه فيها بكركي . فثمة فريق رأى في احتمال تحرك بري وبكركي امرا ممكنا جدا اذا صحت نظرية بري بان المشكلة كلها داخلية مئة في المئة بما يعني بالتالي انه سيتعين على الحريري ان يتحرك بسرعة في قابل الأيام لتقديم صيغة محدثة لتشكيلته الحكومية في ظل الزخم الذي وفرته له نتائج الجلسة النيابية الأخيرة حتى ان بري تعمد التلويح بمهلة أسبوعين لبلورة حل بتشكيل حكومة من 24 وزيرا لا يكون فيها ثلث معطل لاي فريق . وفي المقابل ثمة فريق لا يرى أي قبس من نور في نهاية النفق ويستبعد إمكانات تحرك جديد من خلال مبادرة بري لان المعطيات التي واكبت وتلت الجلسة النيابية اثبتت ان التصعيد هو سيد الموقف وانه بات من المستبعد جدا نجاح أي تحرك في مجرد جمع الرئيسين عون والحريري فكيف بتفاهمها بعد على الحكومة ؟
ولذا وفي ظل هذا التخبط العميق والغموض الذي تتسم بها الاحتمالات الحكومية لا شيء يتقدم أولويات الناس سوى الهموم المعيشية والخدماتية مع تفاقم الازمات والمشكلات في شكل يومي ولا سيما منها أزمات البنزين والمازوت والكهرباء والدواء وارتفاع الأسعار وما الى ذلك من تداعيات تصاعدية . وسيشهد لبنان اليوم اضرابا عماليا وقطاعيا واسعا للغاية احتجاجا على تفاقم أزمات المواطن ومطالبة بحكومة انقاذية . وطالب رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر، الهيئات الاقتصادية وجمعيات التجار وجمعية المصارف، “بتأييد الإضراب الذي دعا إليه الاتحاد، وإفساح المجال أمام الموظفين والعمال للمشاركة في هذا اليوم الوطني، للتعبير عن رفض حال الانهيار، والتوجه بكثافة إلى مقر الاتحاد في كورنيش النهر، الحادية عشرة قبل ظهر اليوم الأربعاء”. وقال: “لتكن الصرخة بصوت واحد: “نريد حكومة إنقاذ فورا”. وحذر من من “التعرض للمشاركين والموظفين وتهديدهم بعملهم” .

ووسط هذه الأجواء نقلت وكالة رويترز امس عن مصادر مطلعة إن تمويل المحكمة الدولية لمحاكمة من كانوا وراء اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري قد نفد في الوقت الذي يشهد فيه لبنان أزمة اقتصادية وسياسية مما يهدد خطط إجراء محاكمات في المستقبل . ومن شأن إغلاق المحكمة تبديد آمال أسر الضحايا في واقعة اغتيال الحريري وفي هجمات أخرى، كما ستبدد أيضا آمال من يطالبون المحكمة التابعة للأمم المتحدة بمحاكمة المسؤولين عن انفجار في مرفأ بيروت .
وقال نضال الجردي محامي الضحايا في القضية الثانية لرويترز “إذا أجهضتم هذه المحكمة، تكونون قد قدمتم هدية مجانية لمنفذي الجرائم وللذين لا يريدون تحقيق العدالة”. وقال الجردي إن إلغاء محاكمة جديدة لن يضر فقط بالضحايا الذين انتظروا 17 عاما لعرض القضية على المحكمة بل سيقوض المساءلة عن الجرائم في لبنان بشكل عام. وأضاف إن ذلك سيكون “مخيبا لآمال ضحايا القضايا المتصلة وضحايا لبنان” وطالب بتمويل دولي .
وقالت وجد رمضان المتحدثة باسم المحكمة لرويترز “المحكمة الخاصة بلبنان تشهد أوضاعا مالية مقلقة للغاية… لم يتخذ قرار بعد بشأن إجراءات التقاضي وهناك جهود مكثفة تبذل لجمع المال لإيجاد حل”.
ومدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس تفويض المحكمة من آذار “لمدة أخرى تستمر عامين أو لحين استكمال القضايا المنظورة أمامها، أيهما أقرب، أو لحين استنفاد التمويل المتاح”. وحذر غوتيريس في شباط من أنه نظرا إلى الأزمة المالية في لبنان فإن إسهام الحكومة غير مؤكد و”بدون تمويل إضافي قد لا تتمكن المحكمة الخاصة من تنفيذ تفويضها بعد الربع الأول من 2021″ .

 

وفي غضون ذلك وفيما اتجهت الأنظار ليلا لرصد كلمة الأمين العام ل”حزب الله ” السيد حسن نصرالله لمناسبة عيد التحرير خصص نصرالله معظم مواقفه للإشادة بانتصار غزة الذي طغى بشكل ساحق على خطابه . أما الشق اللبناني الداخلي فتناوله باقتضاب شديد في ختام كلمته واتسم موقفه من الازمة الحكومية بواقعية لافتة لجهة تأكيده بقاء طرفي التشكيل كما بدا لافتا انه محض رئيس مجلس النواب نبيه بري دعما قويا للقيام بالدور الوسيط الحاسم اذا لم ينجح الرئيسان عون والحريري في تشكيل الحكومة الجديدة . وقال: “لكل ما يجري في لبنان المفتاح هو تشكيل حكومة جديدة ومشكلة التأليف هي مشكلة داخلية بحتة . الرئيس عون باق والرئيس المكلف لن يعتذر . يوجد طريق من اثنين لتشكيل الحكومة اما ان يتوجه الرئيس المكلف الى الرئيس عون ويقعدان ساعات وأياما للاتفاق على تشكيل الحكومة واما اللجوء الى صديق ثالث للمساعدة وهو الرئيس نبيه بري ولا طريق غير ذلك “.