Beirut weather 17.43 ° C
تاريخ النشر August 23, 2020
A A A
ماذا تبقى من السلم الاهلي في لبنان؟
الكاتب: غسان ريفي - سفير الشمال

كل شيء في لبنان يشير الى أن حربا أهلية عادت لتفتك باللبنانيين أرواحا وأجسادا وأرزاقا وممتلكات.
ليست الحرب الأهلية إنقسامات طائفية ومذهبية، وجبهات أو محاور قتال أو تبادل لاطلاق النار والقصف المدفعي أو الصاروخي، بل هي عبارة عن جو عام يرخي بظلاله القاتمة على المواطنين الذين يفقدون الثقة بدولتهم ومؤسساتها وأجهزتها، ولا يشعرون بالأمن والأمان والاستقرار في مدنهم ومناطقهم وقراهم.
ماذا تبقى من السلم الأهلي في لبنان؟..
الجواب وبكل ضمير مرتاح: لا شيء
لا شيء يطمئن اللبنانيين لا لحاضرهم ولا لمستقبلهم، فمن لم يمت منهم بكورونا أو ما شاكله، مات بانفجار نتيجة إهمال الدولة، أو مات باشكال أمني، أو برصاصة طائشة، أو بواسطة “حشاش” أو “سكرجي” دفعه هبله وغباءه وإنعدام مسؤوليته الى إطلاق النار عشوائيا على الناس.
ومن لم يمت بسرطان سموم النفايات والمقالع والتلوث، أو الدجاج واللحم الفاسد أو الدواء المنتهي الصلاحية، مات إنتحارا للتخلص من فقر مدقع أو جوع لا يحتمل أو أزمة مالية خنقت الأمل لديه في حياة كريمة، أو مات بحوادث سير، أو مات قهرا ونكدا على أوضاع مزرية ودولة ميؤوس منها وعهد بنكهة الأزمات والموت.
ماذا تبقى من السلم الأهلي في لبنان؟
الدولة تقتل شعبها بكميات هائلة من “نيترات الأمونيوم” وتدمر العاصمة الأميرة بيروت، في كارثة لم تشهد الحرب الأهلية في لبنان مثيلا لها، حيث تناوب اللبنانيون على مدار ثلاثة أسابيع على دفن أكثر من 200 شهيدا لكل منهم مأساة تدمي القلوب، وما تبقى يعيش على أمل إيجاد بعضا من أشلاء أحباء أدى الانفجار الهائل الى تشليع وتمزيق أجسادهم.
خلال الساعات الـ 24 الماضية سقط 8 مواطنين لبنانيين قتلى ضحية السلاح المتفلت الذي بات لغة التخاطب اليومي بين الناس والاشكالات السياسية والأمنية والاجرام غير المسبوق، وفي ظل دولة عمياء صماء بكماء، ضعيفة وعاجزة ومستهترة، لا تقيم وزنا لدم ولا تحرك ساكنا تجاه جريمة أو قتل عمد ما يجعل المواطنين امام خيار الأمن الذاتي الذي بات على كل شفة ولسان لأهالي الضحايا المفجوعين الذين لا يعلمون بأي ذنب قتل أولادهم.
في بلدة كفتون الوادعة، أقدم أربعة مجرمين على إطلاق النار بدم بارد على ثلاثة شبان من الشرطة البلدية هم علاء فارس، جورج سركيس وفادي سركيس، وكانوا يقومون بواجباتهم ليلا، فأردوهم قتلى وألحقوا فاجعة بالبلدة الكورانية وأهلها، في وقت فر فيه الجناة الى جهة مجهولة بعدما لم يجدوا من يلاحقهم من القوى الأمنية التي وصلت الى مسرح الجريمة بعد نحو ساعتين وكان “اللي ضرب ضرب واللي هرب هرب”.
في جبل محسن فتح أحد الشبان النار من سلاحه الحربي على الشارع الذي يقطن فيه، فقتل شقيقين هما حسين وعلي بشلاوي، كما أقدم شخص على قتل شقيقه في بلدة مشمش ـ عكار بسب خلاف معه على قطعة أرض.
في بلدة اللوبية إخترقت الفتنة الخط السياسي الواحد، حيث وقع إشكال بين عناصر من حركة أمل وآخرين من حزب الله أدى الى مقتل حسين خليل (من حركة أمل) كما وقع إشكال بين أفراد من عائلتي الطعيمي وبشارة في بلدة الفاعور- قضاء زحلة تخلله إطلاق نار، وأدى إلى مقتل شخص.
ولم ينته الأمر عند هذا الحد، بل إن إطلاق النار من السلاح المتفلت في الجنازات أدى الى إصابة لاعب كرة القدم اللبناني محمد عطوي برصاصة طائشة برأسه وهو ما يزال يصارع الموت في أحد مستشفيات بيروت.
ماذا تبقى من السلم الأهلي في لبنان؟
لم يكن أي من اللبنانيين يتوقع أن تعود عقارب الساعة به أربعين عاما الى الوراء، ليجد نفسه ضحية فوضى السلاح والقتل المجاني والانفجارات المدمرة، وأزمات الخبز والمحروقات والكهرباء والأدوية والمستشفيات، والانهيار المالي والاقتصادي وجنون الدولار، وليشعر بأنه أسير عهد إستبدل الاصلاح بالفساد، والتغيير بالتعتير، وإمتهن كرامة اللبنانيين بالذل والفقر والجوع والبطالة والقهر وصولا الى القتل.