Beirut weather 21.41 ° C
تاريخ النشر March 28, 2024
A A A
ماذا بشأن الفيلم الأميركي الطويل حول حماية حقوق الإنسان؟
الكاتب: جيرار ديب - النهار

وجّه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، الأحد 18 آذار الجاري، انتقادات حادة الى ما وصفه بـ”النفاق الغربي” إزاء الممارسات الإسرائيلية في غزة، إذ قال إن “نفاق الدول الغربية التي تدعم إسرائيل بالذخيرة لتتمكن من ارتكاب مجازرها، حوّل غزة إلى أكبر مقبرة للأطفال والنساء في العالم”.

جاءت كلمة اردوغان خلال مشاركته في “إفطار الأصدقاء القدامى”، في اسطنبول، حيث أوضح أن “تركيا تدافع بكل إمكاناتها عن أشقائها في غزة، ولا يمكن للأكاذيب ومحاولات التضليل التستّر على هذه الحقيقة”.

يأتي تصريح اردوغان هذا في ظل امتعاض دولي واسع من ممارسات إسرائيل الإرهابية بحق الشعب الفلسطيني، على وقْع رفع الغرب شعار الدفاع عن حقوق الإنسان وتطبيق الديموقراطية، إذ إن ما اعتبره اردوغان “نفاقا غربيا” يتعلق بحالة الصمت الغربي المريع تجاه ما يحدث في غزة، وعدم مضاعفة الدول الغربية الجهود لوقف آلة الإجرام الإسرائيلية، أقلّه من خلال وقف تقديم الدعم العسكري اللامحدود واللامشروط لتل أبيب.

لطالما تغنّت الدول الغربية بديموقراطياتها، وعملت على وضع المعايير لتصنيف الدول بين متقدمة ومتخلفة على قاعدة احترام حقوق الإنسان وتطبيق الديموقراطية. لذا، سمحت لنفسها بالتدخل في شؤون الدول وعملت على التخلص من الأنظمة التي اتهمتها بممارسة العنف تجاه شعبها، تحت شعار الدفاع عن الحقوق ونشر الحريات.

منذ سقوط الاتحاد السوفياتي وانتصار الليبرالية، كما زعم الكاتب الأميركي فرنسيس فوكوياما، في كتابه الأخير “نهاية التاريخ والإنسان”، الذي أصدره في صيف 1989، خرجت إلى العالم نظريات تمجّد الثقافة الغربية، وتعظّم مبادئها، فكانت العولمة وما حملت من طروحات فكرية عبر وسائلها العنكبوتية. ولكن تحت عباءة نشر القيم الغربية، كان هناك تعمّد لاستخدام “الكيل بمكيالين” على قاعدة تحقيق المصالح، وربط العالم بالعجلة الرأسمالية ونهب ثروات الدول، هذا ما كانت عليه منطقة الشرق الأوسط بعد اجتياح العراق على سبيل المثال.

لذا، قد يتساءل المرء عن السلوكيات الغربية المزدوجة في غزة: هل بات الغرب عاجزًا فعلًا أمام دولة الاحتلال الإسرائيلي؟ أليس هو من يفرض العقوبات على الدول في سبيل حثّ أنظمتها على وقف العنف واحترام المواطنين لديها، فلِمَ لا يطبّق ذلك على إسرائيل؟

لقد بات الجميع يدرك “الأكذوبة” الأميركية حول حماية الحريات وصون حقوق الإنسان؛ فهي على ما يبدو فيلم أميركي طويل يتعين على الشعوب توقع نهايته. وحبكة هذا الفيلم تكمن في الازدواجية الأميركية في تدخلاتها بأمور العالم، بما يتناسب مع مصالحها. ففي غزة تلعب دور الداعم الرئيسي لإسرائيل، وتصف أعمال الجيش الإسرائيلي بالمشروعة في سبيل الدفاع عن النفس، رغم إظهار خوفها على حياة المدنيين الفلسطينيين من خلال الشروع في بناء “ميناء غزة” الذي يهدف إلى نقل المساعدات الإنسانية بحريًا إلى القطاع.

يتساءل المتابع هل أن من يقدم الدعم العسكري والمعنوي والدولي إلى إسرائيل، عاجز عن دفع حكومة بنيامين نتنياهو الى فتح معبر رفح الحدودي، أم ان الخطة أصبحت واضحة ومتّفقا عليها بين الأميركي والإسرائيلي، وهي تعمل على التمهيد لاقتحام رفح رغم التصاريح العلنية من الإدارة الأميركية التي تندّد بأي عملية عسكرية هناك؟

في إطار “سياسة الاحتواء الأميركية للدول الصاعدة وعلى رأسها الصين”، تجيد الولايات المتحدة وضع الحبكة في ما يتعلق بحقوق الإنسان، فبحسب مصالحها تأتي الحبكة. وها هي الصين تندّد بالإنتقادات الأميركية لقانون الأمن القومي الجديد في هونغ كونغ بعدما اعتبرت قوى غربية والأمم المتحدة أنه “يقلّص الحريات بشكل أكبر”.

تعتبر الحكومة الصينية أن واشنطن تتدخّل في مبدأ “الصين الموحدة”، إنْ عبر القانون الذي أقرّه المجلس التشريعي في هونغ كونغ بالإجماع الثلثاء 19 آذار الجاري، أو حتى في دعمها المطلق لشبه جزيرة تايوان التي لا تعترف الصين باستقلالها، أو العبث الأميركي في بحر الصين الجنوبي. جميع هذه التدخلات يضعها الأميركي ضمن خانة الدفاع عن الحريات في المنطقة، بينما هي في الواقع ليست إلا مجرد “فقاعات” إعلامية تحمل في مضمونها ممارسة المزيد من الضغط على النظام الصيني لحثّه على الاستسلام للأهداف الأميركية في المنطقة.
لقد برعت الولايات المتحدة في القيام بإخراج أفلامها الهوليوودية التي احتلت صالات السينما حول العالم، كذلك برعت في نشر قيم الديموقراطية والحرية وقامت بإخراج فيلمها الطويل حول حقوق الإنسان. والعالم الذي بنته الولايات المتحدة على قطب واحد مهيمن، دفعها إلى اعتماد مفهوم “الاستنسابية” أو “الازدواجية” بما يتناسب مع مصالح الإدارة الأميركية. فما تراه مقاومة مشروعة للدفاع عن نفسها، تجد فيه في جغرافيا مختلفة إرهابًا يجب القضاء عليه، هذا ما تعاني منه الدول والجماعات التي تعارض سياساتها، أو لا تتقاطع مع مصالحها.

إن الصراع الدولي اليوم يصل إلى حدود الإصرار عند الصين وروسيا وكل من يدور في فلكهما على إحداث تغيير جدي في النظام القائم، ما يجعل الفيلم الأميركي الطويل يشهد على تبدلات وتغييرات قيمية وأخلاقية، الامر الذي سينعكس على مفهوم حقوق الإنسان وكيفية فرض الحماية بعيدًا عما تُعرف به الولايات المتحدة.

قد لا تتّفق الدول الصاعدة مع المفاهيم الغربية في ما خصّ القيم التي تفرضها على الدول وعلى رأسها زواج المثليين، هذا ما شكّل نقاط تعارض وأحدث صراعات بين الحضارات. لهذا سيبقى الصراع مفتوحًا مادام هناك إصرار أميركي على فرض المفاهيم وجعلها قيمًا عالمية، ما سيشكل حتمًا صراع حضارات انطلاقًا مما طرحه المفكر الأميركي صمويل هانتنغتون. فهل ستكون نهاية الفيلم الأميركي الطويل حتمية، أم لم يحن الوقت بعد لإعلان نهاية الفيلم في ظلّ نظام دولي يعيش مخاضًا عسيرًا؟