Beirut weather 13.54 ° C
تاريخ النشر September 8, 2021
A A A
«مات أهلي ويدهم ممدودة نحو الشرق والغرب» قالها جبران زمان مجاعة الحرب العالمية الكبرى!
الكاتب: ذو الفقار قبيسي - اللواء

الضغوطات الاقتصادية والمعيشية من استفحال أكلاف الغذاء والدواء والكهرباء والماء والعلم والسكن ومعها إنهيار قيمة العملة الوطنية والقوة الشرائية، والأصفاد – السلاسل الطائفية والمذهبية المزمنة والتاريخية التي تكبّل روح المواطن اللبناني وتمسك بمعصمه ويديه، باتت تزداد يوما بعد يوم وساعة بعد ساعة، وتزيد في الوقت نفسه من اطمئنان نظام فاسد مثل النظام اللبناني بأن الشعب العالق في كل هذه الضغوط والقيود قد فَقدَ الحرية وبات عاجزا عن الحركة والقدرة على الثورة بحيث ان كل المطالب الشعبية تحت هذا الحصار تبقى مجرد صرخة في وادٍ. وهذا ما حصل يوما في أوروبا عندما كانت الشعوب الفقيرة الجائعة العاجزة المظلومة والعاجزة عن الحركة وقد يئست من الحصول على الحرية، تكتفي بصيحات المطالبة بالعدل والعدالة وبدون جدوى، حتى اكتشفت في النهاية ان الحرية هي الطريق الوحيد الى الثورة ومنها الى المساواة والأخوة في المواطنة، وهي الشعارات الثلاثة التي حملتها راية الثورة الفرنسية Liberte, Egalite, Fraternite وفي طليعتها «الحرية» الهدف الأساس في أفكار فولتير وروسو ومونتسكيو وشعار الثوار وصولا الى «العدل» Justice الذي كان شعار الشعوب المظلومة العاجزة عن الثورة.

وفي لبنان لعل جبران خليل جبران كان المفكر الوحيد الذي أدرك هذه العلاقة بين الحرية والقدرة على الثورة. ففي كلماته من مهجره البعيد في الولايات المتحدة زمان «المجاعة الكبرى» في الحرب العالمية الأولى حزن بالغ وشجن كبير لأن أهله المقيمين وقد باتوا أسرى الجوع والمرض والقهر والظلم والإذلال، كما هو حاصل اليوم، يموتون صامتين، دونما أي قدرة على التمرّد أو الثورة، كما في بعض مقاله التالي تحت عنوان:

 

 

«مات أهلي»

مات أهلي صامتين لأن آذان البشرية قد أغفلت آذانها دون صراخهم. ماتوا ولأنهم كانوا مسالمين ولم يكونوا مجرمين.

مات أهلي جوعا في الأرض التي تدرّ لبنا وعسلا ولأن الثعبان الجهنمي التهم ما في حقولهم من المواشي وما في إهراءاتهم من القوت.

مات أهلي وعيونهم محدّقة في السماء وأيديهم ممدودة نحو الشرق والغرب، ولأن الأفاعي قد نفثوا السموم في الفضاء الذي كانت تملؤه أنفاس الأرز وعطور الورد والياسمين.