Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر November 13, 2016
A A A
مأزق الأقليات
الكاتب: سمير التنير - السفير

ليس بالإمكان الوصول إلى تعريف موحد لمصطلح «الأقلية» باعتبارها جماعة تختلف في تكوينها العرقي أو الديني أو اللغوي، عن بقية سكان المجتمع الذي تعيش فيه. قد يكون الاختلاف في بعض الحالات بالانتماء إلى جنسية أخرى. وهي الحال في المجتمعات التي يعيش فيها لاجئون بأعداد كبيرة. وقد يحمل اللاجئون السياسيون أفكاراً أخرى مغايرة لتلك السائدة بين الكثرة الساحقة لأفراد الشعب الذي يعيشون في كنفه، وهو ما تنتج عنه مواقف سلبية وسلوكيات مضرة.

يرى بعض المؤرخين أن الشعور بالانتماء إلى الجماعة أو الأمة هو الحد الفاصل للأقليات الهائلة العدد في العالم. ولا يخفف الشعور بعدم الانتماء للجماعة طول مدة الإقامة، فهم على كل حال أغراب ويعاملون معاملة الغرباء، مع ما يصاحب ذلك من تمييز في الحقوق والواجبات. ويرى بعض علماء الاجتماع أن العامل الأساسي في تحديد «الأقلية» هو العدد القليل بالنسبة لتلك المجموعة، مقارنة بالمجموع الكلي للسكان. وهؤلاء يرون أيضاً أن الاختلاف عن المجموع لا ينبع من الاختلاف اللغوي أو الديني أو العقائدي، إنما من الشعور بالاغتراب أو الغربة، والإحساس الخطأ في أغلب الأحيان بأنهم منبوذون ومحرومون من حقوقهم كمواطنين.

ويثار الشك في بعض المجتمعات (خاصة في بلدان العالم الثالث) بمدى ولاء الأقليات للدولة، ويتهمون أحياناً بالخيانة وبالتواطئ مع الغير. ومن هنا ينشأ سوء الفهم المشترك من جانب الحكومات، ومن جانب الأقليات على حد سواء. إذ إن كثيراً من تصرفات الأقليات قد تكون ناشئة عن إخفاق الحكومات في اتخاذ سياسات ملائمة، تؤدي إلى اندماج مجتمعاتهم في البناء السياسي والثقافي العام. ويقابل ذلك على الجانب الآخر إصرار من مجتمع الأقليات على التمسك بالقيم والخصائص والسلوك المميز، ورفض التنازل ومقاومة كل محاولات للتقارب، ما يجعل من الصعب تحقيق الاندماج في نسيج المجتمع. وقد أدى الاستعمار الغربي دوراً كبيراً جداً للإبقاء على الأقليات في مجتمعات العالم الثالث، خاصة في أقطار الوطن العربي، وشجعها على التمسك بهويتها العرقية واللغوية، وعلى القيام بحملات إعلامية لإيقاظ النعرات الثقافية وإبراز التعارض والتضارب بين الأقلية وبين غالبية السكان. كما شجع الحركات الانفصالية التي تطالب بالاستقلال وبانتزاع قسم من أراضي الدولة التي تقيم فيها، خاصة إذا كانت تلك الأقليات كبيرة العدد نسبياً. وهو ما يؤدي إلى توسيع الفجوة بين الطرفين، وصولاً إلى احتمالات اندلاع نزاع مسلح.

كما أن موجة العولمة وما حملته من تطورات تكنولوجية جعلت من مفهوم الدولة ـ الأمة، الذي يقوم على التجانس العرقي والثقافي، شيئاً ماضياً تجاوزه الزمن. لكن ما حدث كان عكس ذلك تماماً، إذ زادت الخلافات وبرزت الفروقات وتصاعدت الدعوات إلى تأكيد الهوية الثقافية الخاصة، حتى وصلت أحياناً إلى المطالبة بالاستقلال السياسي والانفصال، لإقامة كيانات سياسية صغيرة.